المرأة ليست جوهرة لترقد في صندوق

كيف لدُمى ملوَّنة بدون أيَّ ملامح واضحة ان تتصدّى لسطوة مجتمع ذكوري، بكلّ ما فيها من براءة بِكر وطفولة صادقة؟

المرأة ليست جوهرة لترقد في صندوق

[wpcc-script type=”8e0ce2bbee78512a2c0535bc-text/javascript”]

كيف لدُمى ملوَّنة بدون أيَّ ملامح واضحة ان تتصدّى لسطوة مجتمع ذكوري، بكلّ ما فيها من براءة بِكر وطفولة صادقة؟
كيف يستطيع صوت الأنوثة والجمال خلق صرخةٍ مدويَّة تلفت النّظر إلى مشكلةٍ متأصلة في العالم بشكل عام وفي شرقنا خاصة؟
كل ذلك أصبح ممكناً بأيدي الفنانة السّعوديّة الشّابة مريم بوخمسين التي تحاول من خلال أعمالها الفنّية ان توصل صوتها لعالمٍ أصم، وان تعلن رأيّها ووجهة نظرها حول موضوع شائك كقضيّة المرأة بكلِّ هدوءٍ واتّزان، مسلِّطةً الضوء على موقفها حيال المجتمع باحترافيّة واضحة تُفاجئ البعض إذا ما قورنت بعمرها الفني القصير الذي حددته هي بثلاث سنوات، وهي الفترة التي تبلورت فيها تجربتها الفنيَّة.
بخطوطٍ متناغمةٍ متماوجة تحمل كلّ الانحناءات الأنثوية في حناياها تكوّن بوخمسين أجسام نسائها، من دون ان تعطي أهميّةً لتفاصيل جسديّة أنثوية تشتت الانتباه عن المحور الأساسي للوحة، حيث تقوم بَطَلاتُها (باعتبار ان أغلب عناصر لوحاتها من النساء باستثناء بعض اللوحات التي يشارك فيها الرّجل بصورة رمزيّة كظلٍّ أو خيال أو يُمثَّلُ بشاربين بغرض السخريّة من السّطوة الذُّكوريّة) بأداء أدوارٍ دراميّة على شاشات لوحاتها الواسعة، من دون ان تحمّل أيَّ شخصيِّةٍ منها ما يدّل على هويتها وانتمائها، فالأنثى تعاني في كلّ مكان ولها همٌ واحد مهما اختلفت جنسيتها. والفنانة هنا تريد ان تدافع عنها في كلّ مكان أيضاً لذا كانت نساؤها مطموسة المعالم، خاصة العينين باعتبارهما يحددان دوماً ماهيّة الشخص وحضوره.
تتركنا مريم بوخمسين في أعمالها من دون ان نعرف ما إذا كانت الأنثى حزينة أم فرحة، منكسرة أم مستمتعة، فالحكم يرجع لنا وحدنا إنْ نجحنا بالقراءة الصحيحة لانفعالات النّساء المتخذاتِ لوضعياتٍ غير مألوفة (دمى في مزهرية، أو كادر، أو كأس نبيذ، أو حذاء بكعب عالٍ، أو درّاجة، أو على حبل غسيل…. والبعض منهن في حالة رقصٍ ونشوة) معطيةً بذلك عمقاً لإظهار مشاعرهن المفرطة، تاركةً الجسد الأنثوي وحده يعّبر على طريقته عن ردود أفعالهن، وفق حالات تتباين ما بين التمرد والخضوع. ففي بعض لوحاتها صورت النساء وهن يجلسن بكل استرخاء في القوالب الموضوعة لهن، بل وينتشين ويطربن بأزيائهن وأدوارهن السطحية، كما قالت الفنانة عنهن.
وباعتبار ان الهويّة ليست حاضرةً عند الفنانة مريم لذا لا نجد في اللوحات – إلا ما ندر- ما يشير إلى مكان معيّن، فما ترسمهُ هو عالمٌ خاص للأنثى تصنعه بتبسيطٍ واعٍ بعيدٍ عن الواقعية، فالطابع التعبيري هو المهيمن على أعمالها، من خلال النظرة الذاتية للمواضيع والتفاصيل الشكليّة ورفض محاكاتها واقعيّاً والاعتماد على الإحساس والانفعالات في التعبير الفني، فلا يطغى الشكل على المضمون ويلتفت المتلقي للعمق الرّوحي والنّفسي في اللوحة أمامه، الذي يكون جليَّاً من خلال الألوان القويّة الواضحة المفعمة بالحياة، التي تغطي مساحات كبيرة من اللوحة، من دون ان تشوشها تداخلات لونيّة أو تدرجات.
«المرأة ليست جوهرة لترقد في صندوق، ولا شوكولاته تغلّف بالقراطيس، ولا وردة في مزهرية. هذه النزعة الاستهلاكية التشييئية في وصف المرأة والنظر إليها، أحالت الأنوثة إلى أشياء، لا كينونة أو فرادة، تستمدّ كل سماتها من سطوحها الخارجية»، هكذا ترى الفنانة مريم بوخمسين المرأة، لكن َّرأيها هذا لا يظهر علناً في لوحاتها، بل عملت على حثِّ المتلقي على القراءة بين السطور والأشكال والألوان، فكل عملٍ فني يحمل تفسيرات عدّة وكلّ من يشاهده سيثير له تساؤلات كثيرة ويشعره بإحساسٍ معيّن.
إحياء هذا الشعور وتحريك تلك التساؤلات الراكدة هو خطوةٌ مهمّة على طريقٍ ترسمه الفنانة بريشتها وتبصرُ نهايته بشكلٍ واضح.

بسمة شيخو

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *