«المسرح القصير»… ثورة على الأشكال المسرحية الكلاسيكية

القاهرة ـ «القدس العربي»: ليبدأ الأمر باللعب، وتأتي الهزليات القصيرة لتعبّر عن أزمة درامية بالغة في عالم المسرح، فكان النداء بالتجديد من حيث المضمون أولاً، ثم البحث عن شكل يتحمّل هذه الأفكار. وكعادة الهامش دوماً، الذي يأتي ليحطم هيبة المقدس، فيُعبّر عن نفسه بلا كُلفة، ومن عوالم تثير الفئات والأفكار المُستقرة، أو التي توهمت الاستقرار، والضحك هو السلاح الوحيد في مواجهة هؤلاء، ليأتي في شكل فواصل ساخرة تقدّم في البارات والكباريهات، ولعلم فنان الهزل أن الفرصة والوقت في غاية الضيق، كان لابد من التركيز الشديد على الكلمات والفعل، كمَن يُلقي بقنبلة في غفلة من الجميع. ليصل صمويل بيكيت ويُعبّر عن الموقف في أحد نصوصه القصيرة قائلاً .. «لم يبق ما يُقال».

«المسرح القصير»… ثورة على الأشكال المسرحية الكلاسيكية

[wpcc-script type=”acb221397d187e8e665abe1c-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: ليبدأ الأمر باللعب، وتأتي الهزليات القصيرة لتعبّر عن أزمة درامية بالغة في عالم المسرح، فكان النداء بالتجديد من حيث المضمون أولاً، ثم البحث عن شكل يتحمّل هذه الأفكار. وكعادة الهامش دوماً، الذي يأتي ليحطم هيبة المقدس، فيُعبّر عن نفسه بلا كُلفة، ومن عوالم تثير الفئات والأفكار المُستقرة، أو التي توهمت الاستقرار، والضحك هو السلاح الوحيد في مواجهة هؤلاء، ليأتي في شكل فواصل ساخرة تقدّم في البارات والكباريهات، ولعلم فنان الهزل أن الفرصة والوقت في غاية الضيق، كان لابد من التركيز الشديد على الكلمات والفعل، كمَن يُلقي بقنبلة في غفلة من الجميع. ليصل صمويل بيكيت ويُعبّر عن الموقف في أحد نصوصه القصيرة قائلاً .. «لم يبق ما يُقال».
في الكتاب الصادر حديثاً عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، سلسلة المسرح العالمي، عدد (سبتمبر ـ أيلول/نوفمبر ـ تشرين الثاني 2015)، في 259 صفحة، بعنوان «المسرح القصير» يتم استعراض أفكار وبدايات هذا الشكل المسرحي، والظروف الاجتماعية والسياسية التي أوجدته، كطريقة للتعبير الفني المغاير للشكل الكلاسيكي للمسرح. الكتاب عبارة عن دراسة مطولة ترجمها»منتجب صقر، عن عدة دراسات مُختارة، إضافة إلى نماذج من نصوص مسرحية تمثل هذا الاتجاه في الغرب.

البدايات

على مدى تاريخ المسرح ظهرت أشكال مسرحية قصيرة عديدة في أوروبا، كالكوميديا الهزلية/الفارس، التي لاقت نجاحاً كبيراً في القرون الوسطى، والتي كانت تعرض في المهرجانات والأسواق الشعبية. من ناحية أخرى نجد مسرحيات ماريفو في فرنسا القرن التاسع عشر، وألفردي دي موسيه وموليير، إلا ان هذه الأشكال الدرامية كانت تقلد في شكلها وبنيتها المسرحيات الطويلة.
إضافة إلى ذلك نجد المسرحيات القصيرة في نصوص المعاصرين، كتشيخوف الذي تميزت مسرحياته القصيرة بأنها متأثرة بالسرد القصصي، خاصة أنه قد حوّل العديد من نصوصه القصصية القصيرة إلى نصوص مسرحية.

شريحة الحياة

يُعد مفهوم «شريحة الحياة» مقابلاً لمفهوم المسرحية ذات الحبكة، التي عبّر عنها الناقد الفرنسي جان جوليان في كتابه «المسرح الحي» بأنها تعبير جديد للشكل المسرحي القصير أو المختصر. وهنا لا يوجد حدث، فلا نبدأ من نقطة واضحة وننتهي بنقطة محددة، فهي مشاهد مأخوذة عن الحياة الواقعية ومنفصلة بعضها عن بعض. وبهذا يعتبر هذا الشكل خروجاً على قواعد المسرح الكلاسيكي الأوروبي، التي أرساها أرسطو في كتابه «فن الشعر». فجمالية شريحة الحياة تعطي الأهمية لعامل المفاجأة، وتهاجم الحتمية المُتعارف عليها في المسرحيات ذات النهايات التقليدية.

الشكل الدرامي الجديد

نادى أوغست ستريندبرج بهذا الشكل في مؤلفه النقدي «الدراما الحديثة والمسرح المعاصر» في عام 1889، اعتماداً على بنية المسرحية ذات الفصل الواحد، التي تأخذ حيزاً زمنياً حوالي 15 دقيقة، هذا التغيّر في الزمن أعاد النظر في التعريف الأرسطي للتراجيديا، والقواعد الكلاسيكية في المسرح من زمن عرض وحبكة وحل العقدة في النهاية، فكان لابد من اختصارات للفعل والزمن في العرض المسرحي، من خلال مشهد واحد ينوب عن المسرحية المجزأة إلى فصول.
وطال تجديد ستريندبرج الحوار، الذي أصبح لا يقتصر على كونه انعكاساً للحوار في الحياة اليومية، بل تعداه ليصبح محل حوار الشخصيات الظاهر، في شكل منولوج داخلي، وهو ما عُرف بالضمير الحي، والموضوع الملحمي. فالتركيز الدرامي هنا بلغ مداه، بتجاوزه الفصل الواحد واستقراره في المشهد الواحد. وهنا يقول ستريندبرج … «في كل دراما يوجد مشهد وحيد، هذا ما أريده».

المسرح اللاحركي

ويضيف موريس ماترلينك سمة أخرى للمسرح القصير، من خلال نصوصه المسرحية «العميان والدخيل» 1890، وهو هنا لا يصف تطور نزاع أو علاقة عاطفية، بل يواجه المتفرج منذ رفع الستار بحالة أو موقف غير قابل للتطور/لا حركي، فلا يوجد حدث، بل فقط التركيز على الحالة الدرامية، ولا يوجد جدل حواري يدفع الأحداث أو يبحث لها عن حل، ليجد المتفرج نفسه في النهاية في مواجهة حالة مسرحية لا مَخرج منها. فالأمر هنا يبدو كعرض تفاصيل قصة قصيرة أمام الجمهور.

حالة بيكيت

تأتي تجربة صمويل بيكيت في المسرحيات القصيرة من خلال مجموعة من النصوص أطلق عليها «دراماتيكول» أي الدراما القصيرة، وهي … «خطوات» 1975، «سولو» 1980، «ارتجالية أوهيو» 1981، «كارثة» 1982، و»ماذا أين» 1985. وتتسم هذه النصوص بتقاطع الأشكال وألأنواع الأدبية، والتعامل الدقيق مع الزمان والمكان، والجدل الدائم بين علاقة الحاضر بالماضي، لينتهي الأمر إلى حد اللامكان واللازمان، الذي سبق وأن طرحهما في مسرحيته «في انتظار جودو». في هذه النصوص يندر الكلام، ويُترك المجال لجسد الممثل، الذي بدوره يحفظ تماماً في حركته وصوته، تعبيراً عن حالة العدم التي جسدها بيكيت في أعماله.

المسرح القصير في العالم العربي

ويُلقي المترجم نظرة سريعة إلى النصوص القصيرة في العالم العربي، مُشيراً في البداية إلى أن مصطلح «المسرحية القصيرة» يغيب عن اللغة العربية والمعاجم المتخصصة، ويعود الفضل لكتاب المسرح الأول، كتوفيق الحكيم، يحيى حقي، وخليل هنداوي، ثم يأتي الجيل الثاني، مثل … سعد الله ونوس كما في «حكاية جوقة التماثيل»، ألفريد فرج في «صوت مصر» و«جواز على ورقة طلاق»، وليد إخلاصي في نصوصه «أغنيات الممثل الواحد»، و«قطعة وطن على شاطئ قديم»، والعديد من الأسماء الأخرى، مثل عصام محفوظ، عبد الغفار مكاوي، شاكر السماوي، محفوظ عبد الرحمن، عبد الكريم المناع، وآخرين.

نصوص مهمة

يستعرض منتجب صقر العديد من النصوص القصيرة الغربية المهمة، كـ«صلاة من أجل بتول» لوليم فولكنر، «أحدهم سيأتي» للنرويجي جون فوس، «الحب المستحيل» للفرنسي أندريه بينيديتو، «غرف» للفرنسي فيليب ماينيانا، و«صمت الشيوعيين» للفرنسي جان بير فانسان، ثم ترجمة كاملة للنصوص المسرحية… «الغرف والممر» لفيليب مينيانا، «أناتول فيلد» للسويسري هيرفي بلوتش، و«قرطاج مرّة أخرى» للفرنسي جان لوك لاغارس.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *