المعرض العام للفنون التشكيلية في دورته الـ 37 …: مشهد متنوع لخريطة الفن التشكيلي المصري
[wpcc-script type=”2771d58e705d899180737384-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: يمثل (المعرض العام للفنون التشكيلية) والمقام حالياً في قصر الفنون في دار الأوبرا المصرية في دورته الـ 37 صورة لما تبدو عليه خريطة الفن التشكيلي المصري. حيث يجتمع أكبر عدد من الفنانين التشكيليين من خلال أعمالهم، وبالتالي من الممكن رسم صورة لما وصل إليه الفن التشكيلي المصري. وفي هذه الدورة بلغ إجمالي العارضين 235 فناناً. ومع تراوح وتباين الأعمال المعروضة من حيث المستوى، إضافة إلى المشكلات الدائمة التي أصبحت سمة من سمات المعرض، من قبيل اختيار الفنانين، وعدد الأعمال المشاركة لكل فنان، وطريقة عرض اللوحات حسب اسم وشهرة الفنان، هذه المشكلات التي يبدو أن التخلص منها والاحتكام إلى جودة وأصالة العمل الفني نفسه أمر يصعب تنفيذه. فهناك أعمال لو لم يوضع عليها اسم صاحبها، والذي نال حظه من الشهرة وثقة وعلاقات أصحاب قاعات العرض الخاصة، أو الصحافيين ــ الأمر لا يقتصر على الفن التشكيلي، بل يمتد لجميع أشكال الفنون ــ فلن يحظى العمل بمجرّد حتى الالتفات إليه. لكن هناك بعض الأعمال التي يتمتع أصحابها بوجهة نظر، وتقنية متطورة أو مختلفة عن السائد والمُكرر والمُعاد، الذي أصبح سمة للكثير من أصحاب الأسماء الشهيرة.
الأساليب والأفكار
السمة الغالبة على المعرض هي التنوع اللافت للأعمال الفنية، من تصوير زيتي وفوتوغرافي، إضافة إلى أعمال النحت والخزف والغرافيك، وأعمال الخط العربي، والقليل من الأعمال التي حاولت المزج وتخطي الأشكال الفنية وأنواعها، حالة من دمج عدة أساليب وتقنيات فنية، وصولاً إلى ما يشبه العرض المسرحي المتوسل بفنون الفيديو، وهو ما يجعل المُتلقي في حالة حية وأكثر جدلاً مع العمل الفني. هناك أيضاً محاولة تشكيل الفراغ وأن يصبح كشاشة عرض كبيرة للعمل الفني، بحيث تصبح الحركة والتشكيل والبعد الثالث من سمات وتفاصيل العمل، كما في عمل الفنان حسام ضرار على سبيل المثال. من ناحية أخرى نجد العديد من الأعمال التي تبدو أو تحيل لأعمال كلاسيكية لفنانين آخرين، كأعمال محمود سعيد على سبيل المثال أو غوغان، حيث التأثر بأساليبهم الفنية، من حيث تكوين اللوحة وخطوطها، وحتى موضوعها بأن يصبح الجسد وتفاصيله هو العنصر الغالب في اللوحة. وتبدو المدارس الفنية المختلفة من تجريد وسيريالية كما في أعمال الفنان عبد الرحيم شاهين الذي يجمع ما بين مفردات وأشكال الحضارة المصرية القديمة وتحويرها في تشكيل فوق واقعي، من حيث الموضوع واللون والتكوين.
الجسد كموضوع
لم نستطع الإحاطة بجميع الأعمال الفنية في مقال، خاصة وأن العديد من الفنانين رغم عددهم الكبير مُشارك بأكثر من عمل، ولكن ربما ثيمة (الجسد) تكون شبه جامعة للكثير من الأعمال، المتنوعة الأسلوب والتقنية والمادة المستخدمة. ومن خلال هذه الثيمة يمكن الكشف عن الأفكار التي حاول أصحابها تجسيدها في العمل الفني. ولا فارق هنا ما بين الجسد الأنثوي أو الذكوري، فالجسد الإنساني بشكل عام يعتبر الموضوع اللافت للكثير من الأعمال. فالجسد وتكوينه وتشكيله المُشابه للبيئة المحيطة/الصحراء والأحجار وكأنه جزء منها كتعبير عن حالة أو مأزق، هو ما يُطالع المتلقي في عمل الفنان عز الدين نجيب على سبيل المثال، فعالم نجيب دائماً يقف على الوعي والجدل حول الوقت الراهن، وهذا الاغتراب الدائم للإنسان بسبب الظرف الاجتماعي أو السياسي. من ناحية أخرى نجد أعمالاً نحتية تحتفي بالجسد في محاولاته المستمرة للخروج من دائرة الزمن أو حالة الشقاء التي يلاقيها صاحبه، الاحتفاء هنا يأتي من محاولات استمرار الفعل الذي لا ينتهي، كما في أعمال الفنانين عزت تركي ومحمد العلاوي، وصورة أخرى للمقاومة النفسية في المقام الأول، والتي تذكّر بعمل محمود مختار الشهير «الخماسين»، نجدها في عمل الفنان عبد المجيد إسماعيل. إضافة من البحث وتجسيد جمال الجسد الأنثوي، والكشف عن تفاصيله، سواء في حالة حركة، كما في عمل الفنانة عقيلة رياض، أو في حالة استرخاء، رغم أن حركته تتولد عن حالة الإيحاء بالاسترخاء هذه، كما في عمل الفنانة كريمة سماحة. أو التحوير الجسدي والاحتفاء اللوني الصاخب، الذي تتميز به أعمال الفنان حلمي التوني. ملمح آخر يخص التعامل مع الجسد وقد كشفت الأعمال عن وجهة نظر الفنان من حيث حِسه الشعبي بالجسد ومحيطه البيئي، أو الحِس النخبوي بهذا الجسد، حتى لو تم التعبير عنه من خلال مجموعة من الفلاحات، فالأمر يبدو ويكشف أن الفنان ينظر إليهن من الخارج فقط، حالة أشبه بالتعامل مع الفولكلور أكثر منه الإحساس بمخلوقات حقيقية.
الجمالي والوظيفي
سمة هامة أخيرة تجلت في أعمال المعرض العام للفن التشكيلي المصري في دورته الـ 37، وهي أن أغلبية الفنانين استندوا إلى التجربة الذاتية، وأن التعبير الذاتي والهَم الذاتي ــ حتى ولو وصل إلى اللعب والاستعراض الحِرفي ــ كان هو المُسيطر. عاب البعض عليهم غياب القضايا الاجتماعية والسياسية في اللحظة الراهنة، لكن الفن إذا ارتبط بقضية أو حالة لم يعد فناً، سيكون البحث هنا عن عمل وظيفي في الأساس، وسيكون الحديث عن مدى إجادة الفنان في التعبير عما أشار إليه، فمسألة التقييم هنا ستخرج عن الجمالي لصالح الاجتماعي ووجهة النظر الاجتماعية، وهو أمر انتهى من زمن وأصبح في عِداد أقوال وأفعال المراهقة الفنية. وقد جاء العديد من اللوحات التي كانت كالنغمة النشاز، كلوحات كبيرة الحجم فيها العديد من الأعلام المصرية، لتمجيد حدث سياسي أو اجتماعي ما، والأمر في النهاية يدعو للرثاء أكثر من السخرية.
محمد عبد الرحيم