المغربي خالد بودريف: الذاتية أساس الشعرية العربية!

يرى الشاعر المغربي خالد بودريف أن النقد العربي يعاني من مشكلة التقوقع في المناهج، وأن كل الذين يجترحون فعل الكتابة يؤمنون بأهمية الوصول إلى قارئ ما!

المغربي خالد بودريف: الذاتية أساس الشعرية العربية!

[wpcc-script type=”0ba5482b371f07054c5a5acc-text/javascript”]

يرى الشاعر المغربي خالد بودريف أن النقد العربي يعاني من مشكلة التقوقع في المناهج، وأن كل الذين يجترحون فعل الكتابة يؤمنون بأهمية الوصول إلى قارئ ما!
وبودريف شاعر مغربي من مواليد 1977، تميز شعره بحضور النفس الصوفي، وتمكن الصنعة الشعرية والتصوير الجمالي. ورغم أن تجربته لا تخلو من الأشكال الشعرية الأخرى، إلا أنه يُعد من شعراء العمود الحديث في المغرب.
له حضور في الساحة الشعرية المغربية والعربية، حيث شارك ممثلاً بلاده في عدة مهرجانات ومسابقات عربية. صدر له: «إبحار في ذاكرة القلب»، «أمير الضوء والمدينة المعلقة»، «سادن الرمل»، «تضاريس وجه المدينة الغائب»، «أبواب لا تعترف بالسكون» (مختارات)، و«الممسكون بالضوء». في ما يلي نص الحوار معه.

■ أنت من القلائل الذين يكتبون العمود في المغرب العربي الذي يحتضن الأشكال الشعرية الأكثر تحررا بقوة، فما الذي يمكن أن تقدمه القصيدة الموزونة من إضافة أمام الاجتراحات المعاصرة في الإبداع الشعري؟
□ هناك حسب اعتقادي قيم وجودية وحقوق تحكم العملية الإبداعية كقيمة التنوع أو الحق في التنوع، وتشكيل الرؤى، وأعلى من ذلك قيم الحرية المتعلقة بحرية الإبداع، وهي قيم مقدسة يشكل المساس بها الحكم على الإبداع بالزوال. وكوني من الأصوات الشعرية القليلة التي تجترح الكتابة الشعرية الموزونة، لا يعني عدم شغفي وارتياحي للأشكال الإبداعية الأخرى، ولأنني أرى القصيدة العمودية المعاصرة، وهي تلتمس طريقا، بل طرقا أخرى جديدة في المغرب، أشعر بأن مستقبلها سيكون واعداً، إنها تعود بثوب جديد قشيب وبرؤى جديدة قاطعة مع ما هو كلاسيكي شعريا، حيث يشكل الرمز والإشارة والرؤيا من أهم الأدوات المنتقاة في الكتابة الشعرية. وستظل القصيدة العمودية تبتكر وتفتش عن صوتها المعاصر، جنبا إلى جنب مع الأشكال الشعرية الأخرى.

■ ما هي مقومات الإبداعية الشعرية الحداثية، هل هي في الاشتغال على مفاهيم وأنساق تفكك المفهوم الكلاسيكي لشكل الكتابة الشعرية؟ أم في خلق رؤى جمالية جديدة؟
□ سبق لي أن نشرت على صفحتي في التويتر أن خلايانا تتجدد يوميا، فلماذا لا نجدد أنساق الكتابة الشعرية يوميا كما تفعل أجسامنا. أهم مقومات الشعر الحداثي التجديد، ولا يعني التجديد أبدا هدم الأشكال من فراغ، حيث لا يكفي التموقع في نمط شعري معين وادعاء التجديد، بل لا بد من خلق وإبداع قول شعري مكتوب يتجاوز الماضي بأثقاله التراثية ويفتح موانئ جديدة ترسو عليها قصائد محلقة، كما تحلق النوارس من على متن صخرة في البحر إلى آفاق أخرى بعيدة.

■ هل تؤيد الصوت القائل بأن على الشعرية المغربية التحرر قليلا من الذاتية المفرطة، وأنه آن للشاعر المغربي أن يستفيد من مرجعياته الثقافية المتنوعة من عربية وأوروبية، وأن يستلهم التراث ليبدع عالما يتجلى المغرب من خلاله؟
□ الذاتية أساس الشعرية العربية منذ القديم والأصوات التي تدعو إلى التحرر منها لها حق في ذلك، حق وجودي كما قلت. لكن الدعوة الأهم الآن هي التحرر من كل المرجعيات الثقافية العربية والأوروبية، يكفي الاستلهام والإشارة والترميز. لقد جربنا نحن الشعراء على مدى ستين عاما الكثير من التلاقح مع الغرب، في توظيف تقنيات كتابية مختلفة في الشكل والرؤى والأفكار، حتى وجدنا نصوصا عربية تتماهى مع نصوص غربية في كل شيء. الحداثة أكبر من ذلك إنها التجديد واقتحام مجاهل شعرية جديدة بشكل جذاب وجميل، إنها بحث دائم ومتجدد في الإنسان والكون.

■ ماذا عن قصائد المناسبات، التي يرى الكثير من الشعراء والنقاد أنها قتل للشعر ونظم لا روح فيه؟
□ ليس عيبا أن يكتب الشاعر قصيدة لمناسبة ما. لكن العيب ألا تكون في القصيدة تلك الروح الصادقة الكاذبة الخافضة الرافعة التي ترجك رجا بقراءتها، وهنا مربط الفرس. شعر المناسبات ربما يكون حافزا لمتابعة الكتابة وربما يكون كساعي البريد يوصل الرسالة إلى نص آخر يبدأ في قراءتنا باطنيا بحروف من نور ليولد بعد ذلك على ظهر الورقة.

■ ألا ترى أننا بحاجة إلى تجديد المفاهيم النقدية الكلاسيكية لتواكب المنتج الأدبي الحداثي؟
□ في هذه النقطة بالذات أتوقف لأقول بأن مشهد النقد العربي اليوم لم يجدد أدواته على غرار العملية الإبداعية الشعرية التي حلقت عاليا، هاربة من كل أيادي النقاد. النقد العربي يعاني من مشكلة التقوقع في المناهج. بينما الصحيح هو مواكبة النقد للشعر إبداعيا. بمعنى على النقاد أن يبدعوا أشكالهم النقدية بشكل يخدم الشعر، وإبراز جماليات التجديد فيه بأساليب جديدة مبتكرة.

■ في عصر مواقع التواصل على الإنترنت التي شكلت منابر حرة لكل من يرغب في كتابة الشعر، كيف يمكن أن تعود للشعر هيبته أمام الأجناس الأدبية الأخرى؟
□ هناك حرية حقيقية الآن في الكتابة الشعرية موصولة بمواقع التواصل الاجتماعي التي بفضلها انفجرت ينابيع الإبداع عند الجميع! نحن نرى أن حصن الشعر الذي كان يحيط بالشعراء وبهيبته تم اقتحامه ولا سبيل إلى العودة بالزمن إلى الوراء. هذا الاقتحام الجماعي «الشرس» أفضى إلى فوضى «خلاقة». يستطيع كل ذي عين شعرية أن يرى مواطن الشعر الحقيقية في كل هذا «الهرج»الإبداعي. الأمر أشبه بسوق، حيث الكل يعرض بضاعة ما. لكن البضاعة الأجمل بمواصفات جديدة غالية دائما، وهنا نجد هيبة الشعر حاضرة بقوة، حيث تمتلكك أسئلة غامضة عن إبداع مدهش حتى أمام الأجناس الأدبية الأخرى، على الرغم من صدارة الرواية للمشهد الثقافي العربي والعالمي. من حيث إنها فكرت في «الآخرين» و«الذاكرة الجمعية «فنجحت بكل جدارة، لأنها خلقت للإنسان المفرد والمفترض»القارئ» حياة التعدد في شخصيات أخرى وعوالم متداخلة لم يسبقها الشعر إليها.

■ القارئ لشعرك لا يخفى عليه الاشتغال على البعد الصوفي والروحي في الشعر، من خلال استلهام أقوال المتصوفة والتناص مع النص القرآني، فهل هو ولع بالغوص في الغامض المجهول، أم تجربة شعرية روحية منفصلة عن ظاهر الحياة متصلة بباطنها؟
□ الحياة في الشعر حياة غامضة تماما، كما هي الحياة في الواقع. ما يبدو للناس تناقضا يبدو لي طبيعيا. لا أحد منا يعيش دقيقة واحدة واضحة. نحن غامضون بفطرتنا، قلقون لأننا لا نمسك بشيء لا نمسك بماضينا الذي رحل وأخذ منا أجمل الأوقات ولا نمسك بمستقبلنا لأننا لا نستطيع التحكم بمصائرنا ولا نعرف ماذا يخبئ لنا الغد ولا نشعر بحاضرنا لأننا لا نملك»الحداثة المطلقة» ولأننا نعيش فيه إما في الماضي أو في المستقبل، لذلك وجدت طريقا للخروج من «عبث الزمن» يجترح الإمعان في البشرية والكون «بأعين الروح». فالكلمة الواحدة يمكن أن تتعدد أبعادها لكنها بالرمز والإشارة تكون أكثر إشعاعا والجانب الصوفي في الشعر يعمر طويلا جدا وهو يتطلب صبر «المريد» .لكن لا صبر لي لأنه :»لا شيخ لي» ولأنني (إضافة إلى بعد الزمان) لا أحب الجلوس في مكان واحد طويلا. وصفة التمرد ملازمة الحداثة الأقوى.

■ لا يخفى على مطلع دور المسابقات والمهرجانات الثقافية في التعريف بالشعراء المغمورين وإنصاف تجاربهم، فإلى أي مدى ترى أنها نجحت في تحقيق الدور المرجو منها؟
□ كل الذين يجترحون فعل الكتابة يؤمنون بأهمية الوصول إلى قارئ ما. هذا الشعور القديم قدم الإنسانية جعل البشرية تبتكر آلية المسابقة الثقافية، حيث يتسابق المبدعون من أجل الظفر بجائزة ما تفتح لهم باب الشهرة، وتعرف بإبداعاتهم لدى الجمهور، من «سوق عكاظ» لدى العرب القدامى إلى جوائز البوكر العالمية وبرامج المسابقات التلفزيونية اليوم. هدف الكاتب أو الشاعر هو أن يُقرأ ، لذلك قامت وما زالت العديد من المؤسسات، بل حتى الأشخاص بإبداع الكثير من المسابقات واللقاءات والمهرجانات الثقافية التي تمنح هذه الفرصة الثمينة للمبدع، كي ينشر إبداعه بين الناس بشتى الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، ليكون ذلك حافزا له على الإنتاج الأدبي.
صراحة نحن نعيش العصر الذهبي لنشر الإبداع والشعر، خصوصا بفضل جهات داعمة تؤمن بدور المثقف والشاعر في بناء قيم مجتمعية لها القدرة على تنوير الفرد بصفة خاصة والمجتمع والإنسانية بصفة عامة. لكن ذلك لا يكفي فالمجتمع أيضا مطالب بجهد كي يبحث عن هؤلاء الذين يحترقون إبداعيا من أجلهم.

المغربي خالد بودريف: الذاتية أساس الشعرية العربية!

حوار: منى حسن

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *