الملتقى الأول للمصورين العرب في قصر الفنون في دار الأوبرا المصرية… الفوتوغرافيا وقدراتها المدهشة

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم تزل الصورة الفوتوغرافية قادرة على إثارة دلالاتها الجمالية، رغم زخم الصورة الذي أصبح يطالعنا في كل وقت. وإن كان عصر الصورة الاستهلاكي قد أصبح هو المسيطر الآن، إلا أن الفنان الفوتوغرافي لم يزل قادرا على الانتصار للجمالي والفني، بعيداً عن فكرة الاستهلاك وقيمه. ومن خلال الأعمال التي تم عرضها في»ملتقى المصورين العرب الأول» الذي أقيم في قصر الفنون في دار الأوبرا المصرية، نستطيع أن نراهن على حِس الفنان العربي، وتجاوزه للنقل الآلي للموضوع محل التصوير، بل محاولته الجاهدة لأن يخلق جماليات خاصة بفن الفوتوغرافيا، وأن يرسم بالضوء العديد من اللقطات بعين ووجهة نظر فنية، دون الاكتفاء بتسجيل حدث أو مكان، ليبدو في النهاية عملاً فنياً ذاتياً إلى حد كبير، بعيداً عن تواجده في ما يُسمى الواقع. الأمر الآخر هو القدرة على تجسيد لحظات دالة في المجتعات العربية، توحي بها الصورة، وبالتالي يمكن تأويلها واستنتاج العالم المحيط بها، خارج إطار الصورة، سلوكيات أصحابها، وعوالمهم وطرق معيشتهم، الأمر أقرب إلى بحث اجتماعي ونفسي لهذه البلدان وأهلها. من هنا تتحدد القيمة الفنية والجمالية لرؤية الفنان الفوتوغرافي وما يشغله، وما يريد أن يخلّده في لقطة، تكون بذاتها دالة على وجوده ووجود مجتمعه في الوقت نفسه.

الملتقى الأول للمصورين العرب في قصر الفنون في دار الأوبرا المصرية… الفوتوغرافيا وقدراتها المدهشة

[wpcc-script type=”fb4a53efc6dce3390be11b1f-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم تزل الصورة الفوتوغرافية قادرة على إثارة دلالاتها الجمالية، رغم زخم الصورة الذي أصبح يطالعنا في كل وقت. وإن كان عصر الصورة الاستهلاكي قد أصبح هو المسيطر الآن، إلا أن الفنان الفوتوغرافي لم يزل قادرا على الانتصار للجمالي والفني، بعيداً عن فكرة الاستهلاك وقيمه. ومن خلال الأعمال التي تم عرضها في»ملتقى المصورين العرب الأول» الذي أقيم في قصر الفنون في دار الأوبرا المصرية، نستطيع أن نراهن على حِس الفنان العربي، وتجاوزه للنقل الآلي للموضوع محل التصوير، بل محاولته الجاهدة لأن يخلق جماليات خاصة بفن الفوتوغرافيا، وأن يرسم بالضوء العديد من اللقطات بعين ووجهة نظر فنية، دون الاكتفاء بتسجيل حدث أو مكان، ليبدو في النهاية عملاً فنياً ذاتياً إلى حد كبير، بعيداً عن تواجده في ما يُسمى الواقع. الأمر الآخر هو القدرة على تجسيد لحظات دالة في المجتعات العربية، توحي بها الصورة، وبالتالي يمكن تأويلها واستنتاج العالم المحيط بها، خارج إطار الصورة، سلوكيات أصحابها، وعوالمهم وطرق معيشتهم، الأمر أقرب إلى بحث اجتماعي ونفسي لهذه البلدان وأهلها. من هنا تتحدد القيمة الفنية والجمالية لرؤية الفنان الفوتوغرافي وما يشغله، وما يريد أن يخلّده في لقطة، تكون بذاتها دالة على وجوده ووجود مجتمعه في الوقت نفسه.

من الوقائعي إلى الذاتي

في كل لقطة من اللقطات العديدة في المعرض، والتي تتوسل بما هو وقائعي، سواء في الشخوص أو الأماكن، يبدو واضحا تجسيد الحِس الذاتي للفنان، بداية من اختيار زاوية التصوير، وكيفية تكوين الكادر، إضافة إلى التقنيات التي تتحوّل بها اللقطة الفوتوغرافية إلى عمل فني، لا يكتفي بالموضوع المُصوّر، بل يضيف إليه بعداً جمالياً آخر، وهو ما يرتبط هنا بذات الفنان ورؤيته الخاصة، التي لا يشاركه بها أحد.
وبعيداً عن بعض الألعاب الصبيانية التي يُساء استخدامها من خلال تقنيات التصوير، ومن خلال قراءة الأعمال، نجد تبايناً كبيراً بين الرؤية ووجهة النظر الفنية، وبين استنساخ المُعاد والمكرور، وتقليد لقطات بعينها عن مصورين آخرين، خاصة في البورتريه، ليبدو مدى الاصطناع والتلفيق من جهة، أو ادعاء الخروج عن المألوف من جهة أخرى، ومن هنا نجد اللقطة كاشفة وفاضحة لفكر صاحبها وقدرته الفنية.

اللقطات ودلالاتها

ونجد بعض الأعمال يحمل فكرة ووعياً بماهية الفوتوغرافيا ودورها الجمالي، نذكر من هؤلاء الفنانين من مصر سمير سعد الدين، وأحمد فاروق، وشريف عثمان، وندا محروس، ومحمد ربيع وعمرو مقلد. ومن اليمن عماد بامطرف، وحلمي فهمي وأكرم وهيب، ومن العربية السعودية كل من فاطمة إبراهيم وعمار الأمير، إضافة إلى الفنان الكويتي صقر العطار، والفنانة البحرينية ذكريات سلمان. هؤلاء تواصلوا مع الفن الفوتوغرافي وجمالياته، وحاولوا تحقيق مد إمكانات الفوتوغراف على تشكيل عالم جمالي آخر، غير المرئي والمُعتاد والشائع.
دلالات عدة تحملها هذه اللقطات، منها ما يقتصر على المكان، ليصبح هو أساس الصورة وبطلها، كما في أعمال سمير سعد الدين وندا محروس، أو أن تكون البطولة للشخوص وجعلهم جزءاً لا يتجزأ من المكان، كما في أعمال عمرو مقلد ومحمد ربيع وحلمي فهمي. ولكن من أهم اللقطات اللافتة في المعرض، وقد توحد الموضوع واختلفت وجهة النظر، نجدهما في عملي الفنان الكويتي صقر العطار والسعودي عمار الأمير، فكل منهما تناول طقس الحج والصلاة، وحسب الرؤية الفنية تمت معالجة الطقس في شكل من الجدة والطرافة، فما بين التوافق والتراص في طقس الصلاة، تأتي حالة التماهي والتلاشي في طقس الحج، وهي لقطات شديدة الإيحاء وتحتمل تأولات شتى. بداية من التبجيل والتقديس وخلافه، وصولاً إلى الآلية الشديدة في الطقس الديني، وانتفاء الذات تماماً مع هذا الفعل.

التكوين والحركة

معظم الأعمال المنتقاة هنا جاءت في تكوينات مثيرة ومُحفزة لمخيلة المُتلقي، كالزاوية المنخفضة التي تخيرها سمير سعد الدين على سبيل المثال، وتخليق عمق المجال في اللقطة، حيث تشكل الأرض البازلتية والجدران القديمة تكويناً جمالياً وتشخيصاً للمكان وعلاقته بالزمن. كذلك تكوين تكرار الخطوط، كما في لقطة المُصلين لصقر العطار ولقطة أحمد فاروق، والتكوين الدائري في لقطة الحج لعمار الأمير. ومن خلال هذه التكوينات تتولد الحركة التي تتوافق تماماً وموضوع اللقطة، ومن هنا يتضح ما تحمله من جماليات، فالمُصوّر يدرك تماماً ما يريد تحقيقه من خلال رؤيته، وهو ما يختلف عن لقطات أخرى استهدفت اللعب التقني فارغ المضمون. الحركة أيضاً حاول البعض القبض عليها والتقاطها، وهي حركة طبيعية للفعل، كما في لقطة الفنان اليمني عماد بامطرف، والمصري شريف عثمان.
ومن خلال التكوين والحرص على اختلاق الحركة من المكان أو البنايات، أو من فعل الشخوص، يتولد الإيقاع الخاص باللقطة الفوتوغرافية، كاشفاً عن طبيعة موضوعها ومدى إحساس الفنان بهذا الموضوع وكيفية التعبير عنه في شكل يقترب كثيراً من اللوحات، دون المباشرة المعتادة في الصورة الفوتوغرافية للهواة أو أصحاب الادعاء الفني.

البُعد الاجتماعي

لم تقتصر اللقطات على مجرد الاحتفاء بالأماكن أو الشخوص، بل نتلمّس البعد الاجتماعي الخفي وراء هذه اللقطات. وربما أكثر هذه اللقطات تعبيراً جاء بهما الفنان عمرو مقلد والفنان محمد ربيع، الشاب الجالس في العمق وأمامه العديد من قطع غيار السيارات، التي تتصدر اللقطة، ليبدو كل منهما في تكوين واحد، عالم مُهمَل وساكن إلى حدٍ كبير. ويلتقط الخيط نفسه اليمني أكرم وهيب ليصور بعض الرجال وهم يتحلقون حول لعبة الدومينو، كتسلية بسيطة على المقهى لبعض العجائز، وهم يتحلقون حول اللاعبين في ما يشبه الدائرة، لحظة من لحظات الراحة والهدوء. الهم الاقتصادي في مصر، ولحظات مُختلسة من اللعب متوسلة بالزمن وأعمار اللاعبين، وكذلك البعد النفسي وما يشغل المصور السعودي أو الكويتي في طقس الحج والصلاة، كلها أعمال لها دلالاتها لما يشغل الفنان ويريد التعبير عنه حسب حِسه الفني ورؤيته وتفاعله مع مجتمعه وانشغالاته الأساسية.

المُلتقى في عامه الأول

هذه قراءة سريعة في بعض الأعمال الهامة في المعرض، ورغم العدد الكبير من اللقطات، إلا أنها في مجملها لا ترقى لمستوى الفن الفوتوغرافي، فالأعمال شديدة التباين، وأغلبها مطبوع بطابع الهواة، أو الاعتماد على الألعاب البهلوانية، أو التقليدية الشديدة في اللقطات وموضوعاتها. من الجيد بالطبع عرض أعمال الفنانين العرب وإتاحة فرصة مشاهدتها، ويبدو أن أعمال الفنانين المصريين في أغلبها مكررة، وعُرضت في معارض خاصة أو جماعية سابقة، وكأنها تقدّم هنا على سبيل تحصيل الحاصل، والغريب قبولها في المعرض رغم مستواها الفني المتواضع، الذي لا يأتي بجديد أو يحاول حتى كسر النمط المعتاد للقطات أكثر اعتيادية عما نراه ونقابله كل يوم في حياتنا.

الملتقى الأول للمصورين العرب في قصر الفنون في دار الأوبرا المصرية… الفوتوغرافيا وقدراتها المدهشة

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *