الموسيقى والتغيير

عندما كان أجدادنا يقولون «العلم في الصغر كالنقش في الحجر» كانوا مصيبين إلى أبعد الحدود، والعلم ليس مجرد رياضيات وأرقام وأبجدية ودروس في النحو أو سوى هذا، العلم كبير إلى أبعد مما يمكن أن يوصف، فهو مادة داخل كل شيء في الحياة، سواء كان جمادا أو متحركا.

الموسيقى والتغيير

[wpcc-script type=”9997713a2bacf49ad78ee247-text/javascript”]

عندما كان أجدادنا يقولون «العلم في الصغر كالنقش في الحجر» كانوا مصيبين إلى أبعد الحدود، والعلم ليس مجرد رياضيات وأرقام وأبجدية ودروس في النحو أو سوى هذا، العلم كبير إلى أبعد مما يمكن أن يوصف، فهو مادة داخل كل شيء في الحياة، سواء كان جمادا أو متحركا.
مشكلة مدارسنا في العالم الثالث أنها أرادت عن قصد أن تبقينا في دائرة العالم الثالث، فنظمنا التعليمية تفتقر إلى كل ما من شأنه أن يبني غد سوي ينتمي إلى العالم الأول.
في مدارسنا لم يتعلم أهلنا فكرة قبول الآخر ولا الإيمان بالاختلاف ولا قبوله أيضا كأمر واقع، وإن كان هذا الاختلاف خاطئا من وجهة نظرنا.
مدارسنا لم تعلمنا كيف نثقفه ليختلف في إطار حضاري.
تربينا على مناهج غالبا تقصي الآخر وتصنفه بوصفه العدو، لا تمنحنا المناهج فرصة فهم العدو ولا إمكانية تحديد هويته، فنحن نتعلمه لأن القيادات تريدنا أن نحصر أنفسنا في عدو واحد وفكرة واحدة، كان بَعضُنَا يتخذها عن إيمان وغيره يلاحقها بلا إيمان، بل من باب الواجب، ولهذا أحيانا يتمرد عليها. لم تتح أنظمة التعليم في دول العالم الثالث فرصة أن نحدد هوية عدونا وفق أسلوب تفكيري، بل أرادت أن تلقنه لنا وفق ما تريده السياسات.
علمتنا المدارس ومناهجها واجباتنا كمواطنين صالحين، لكنها أبدا لم تدعنا ننتبه إلى حقوقنا كمواطنين، فحقوقنا خط يجب عدم الوصول إليه ومن يفكر بهذا غالبا ما يعاقبه من علمه واجبه وأهمل أن يعلمه حقه.
هذه الفكرة طغت على كل شيء في الحياة، فغالبا نجد الكثير من الأشخاص المصنفين بأنهم أهل العالم الثالث يدركون أن كانوا ذكورا حقوقهم كأزواج تماما لأنهم في موقع السلطة، ولكنهم يتغاضون مثلا عن واجباتهم وقد يحاصرونها بالغذاء والطبابة والملابس، أي بأشياء عينية ظاهرة لا تهتم بالجوهر.
هكذا أصبح مواطن العالم الثالث جنديا يؤدي الخدمة وحتى من دون انتظار مقابل أو مكافأة، فحسن السير والسلوك تحدده كمية الوفاء للمنهج لا للفكر، فلا وجود للفكر في عالم يريدنا أن نتقبل الأشياء بوصفها شيئا لا نقاش فيه ولا ردة عنه.
لم تعتن مناهجنا بمشاعرنا كمواطنين، وبدلا من أن تعلمنا الاختلاف نزعت عنا ما يوحي بالاختلاف، فحرمتنا من التعبير عن مظاهر اختلافنا تماما، بحيث صار التعبير عن هوية الاختلاف جرما يعاقب عليه القانون ويجرمه أحيانا إلى درجة إقامة الحد.
في العراق على سبيل المثال لا الحصر، كنّا نتعلم الموسيقى في المدارس، ولكن لم يهتم أحد أبدا بتعليمنا كيف نستمع إلى الموسيقى ونسمو بها، ففي العالم الثالث قلما يعتني منهج بأن يدعو الطلاب إلى حضور حفلات موسيقية تعلمهم كيفية الإصغاء للموسيقى، هكذا نجد أننا بحاجة إلى تثقيف ذاتي لنحترم فكرة الاستماع لا فقط فكرة تعلم العزف أو تعلم الدروس في تاريخ الموسيقى، وهذا يسري على كل شيء غالبا.
مشكلة فردنا في العالم الثالث، وبالتالي مجتمعاتنا هي المناهج التعليمية التي وضعت كل شيء يخدم مصلحة القيادات العليا، وأغفلت كل شيء يخدم قيمة الفرد في المجتمع، فالفرد تبعا لما تعلم يعمل كي يخدم لقمة عيشه، وفي أرقى الأحوال كي يخدم مجتمعه وفق تصورات معينة، لكنها، أقصد المناهج، لم تعلم هذا الفرد أن لقمة عيشه هي وسيلة من وسائل حضارة مجتمعه، وإنه بينما يؤمن ما يعيش به يمنح مجتمعه التطور، فالتطور، كما أرادته المجتمعات، فكر له علاقة بالتاريخ والأجداد ولا يحق للفرد أن يكمل الدرب إلا إذا كان قائدا.
لم تعلمنا مناهجنا القيادة، ولم تحيي فينا روح المسؤولية، وروح المسؤولية تنافي فكرة الواجب، فالإحساس بالمسؤولية يجعلنا نحترم واجباتنا، بينما لا نستطيع أن نفعل هذا عندما يكون واجبنا أن نقدم واجباتنا على أكمل وجه لأن تقاعسنا قد يعرضنا للعقاب.
في الدول المتقدمة يذهب العامل إلى وظيفته وهو متهيء بشكل كلي لفكرة الإنتاج، أما في عالمنا فغالبا ما يذهب إلى عمله ليؤدي واجبه وليقبض أتعابه بغض النظر عن كيف قام بعمله.
أؤمن دائما بأننا مهما طورنا في حياتنا حضاريا لن نستطيع إلا أن نبقى في دائرة العالم الثالث طالما أن مناهجنا التي تربينا منذ الصغر لا تتغير. علينا جميعا أن ننظر مليا إلى وزارات التربية والتعليم فهي الجهة المناط بها المستقبل، أما الماضي فهو مفيد في تعلم العبر والدروس. علينا أن نفكر أن الطالب عندما يغادر صفوف الابتدائية يكون على معرفة تامة بحقوقه كفرد وأن يتمتع بأداء واجباته أيضا في مجتمعه، وأن يكون قادرًا على احترام الاختلاف، وعندما نصر على كل هذا سنكسب طلبة يرفعون بدُولنا من خانة الثالث إلى خانة الأول حتى عندما لا يريد العالم الأول انضمامنا إليه. المناهج التعليمية أساس التغيير في كل شيء.

موسيقي عراقي

نصير شمه

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *