المُلتقى الدولي الثاني للكاريكاتور في القاهرة: انتقاد الأوضاع الاجتماعية والسياسية في العالم على رأسها صحة الفرد
[wpcc-script type=”5780a6c63fa1101006d6100e-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: السخرية هي أحد أهم وأعمق مظاهر المواجهة أو رد الفعل على أشياء تحدث لا يستطيع المنطق الإحاطة بها، ولأنها ضد المنطق والعقل، تبدأ السخرية عملها من مقام اللامنطق هذا، لتكشف للعقل قصوره عن استيعاب ما يحدث، فقط بهذه الطريقة يمكنه أن يرى.
ويختصر فن الكاريكاتور كل ما سبق، لأنه يلخص ويؤكد في لقطة واحدة ما يمكن أن يُقال ويمتد في مقالات وحوارات، أو حتى أعمال أدبية، لذا فهو أقرب الفنون تفاعلا مع الإنسان، لأنها تعبر عنه وعن همومه أصدق تعبير، فهو فن شعبي/ جماهيري في المقام الأول. وقد أقيم مؤخراً في الفترة من 5 وحتى 10 أبريل/نيسان في قصر الفنون/دار الأوبرا المصرية، المُلتقى الدولي الثاني للكاريكاتور، الذي ضم ما يقرب من 850 عملاً لحوالي 300 فنان من مختلف دول العالم.
الموضوع الرئيس لهذا الملتقى دار حول (الصحة) ومشكلات الأفراد داخل نظم الدولة وطرائق علاج مواطنيها، إضافة إلى موضوعات حرّة دارت حول المآسي السياسية والاجتماعية في العالم، يجمعها نظام اقتصادي رأسمالي. نظمت الملتقى الجمعية المصرية للكاريكاتور، صندوق التنمية الثقافية، وقطاع الفنون التشكيلية وبالتعاون مع منظمة (الفيكو) منظمة الكاريكاتور الأوروبي. وكانت إيطاليا ضيفة الشرف، وتم إهداء مُلتقى هذا العام لروح كل من الفنانين الراحلين طوغان ومصطفى حسين، إضافة إلى تكريم الفنان جورج البهجوري.
المرض والدولة
من اللافت في اللوحات المختلفة أن المشكلة الصحية وطرق علاج المواطنين ــ أبسط حقوقهم ــ لم تعد تختلف من دولة عربية إلى أخرى أوروبية، ما بين دول متخلفة وأخرى تبدو متقدمة، فالغرب المضروب بالرأسمالية وسياساتها لم يعد يستطيع أن يوفر العلاج لمواطنيه، كالحال عندنا في المجتمعات العربية، فمن يملك ثروة هو الوحيد القادر على أن يمرض من دون أن يحمل هماً.
ما بين المقابر في العالم العربي/المستشفيات ودور العلاج، وما بين التلوث البيئي الذي يُصيب الأطفال، فالذاهب إلى أحد المستشفيات الحكومية يحمل كفنه بيده وهو على الباب، بينما الطفل الرضيع يرتدي واقي الغازات السامة وكأنه في حرب. حالة فساد عامة تحكم المشهد، صاغها فنانون من دول عديدة كإيطاليا ومصر، تركيا، المكسيك، أوكرانيا، إسبانيا وروسيا. الحال واحدة والمعاناة هي نفسها. المشكلة هي مشكلة فرد أمام نظام اقتصادي بالأساس يسوق نظاماً سياسياً لا يرحم أفراده، يستعبدهم ويستهلكهم لصالح فئة قليلة تمتلك كل شيء، لا أقدر من ذلك على الكاريكاتور الذي يصوّر مجموعة الأغنياء يقفون في المنطقة الآمنة من لفافة التبغ، بينما يتراجع الفقراء وتطالهم النيران المشتعلة، ويفنون فيها حفاظاً على هذه الفئة وأمنها!
المشكلات الاجتماعية والسياسية
تناول الملتقى العديد من اللوحات التي ترصد المشكلات الاجتماعية المحلية في مصر… كطوابير البشر ونضالهم للحصول على اسطوانة الغاز، وما شبه من المعضلات التي تواجه المواطن المصري في حياته اليومية.
من ناحية أخرى جاء الخطاب/اللوحة الناقدة للتطرف وأصحاب الأفكار الأصولية، الذين أصبحوا يدورون في فلك دوغما الأديان، وهي لوحات مستوحاة من لوحات شهيرة سابقة، كعمامة رجل تحمل قنبلة، في توازن وتوافق تام مع لحيته الطويلة، ليبدو رعب ملامح وجهه يتفوق على رعب فتيل القنبلة المشتعل. هناك معالجات مباشرة لأوضاع سياسية عالمية، كأن يُصبح الوجه الأمريكي هو المُحرّك لظاهرة مثل «داعش»، وكأنهم في يده كعرائس الماريونيت.
عدة أعمال أخرى تناولت الموت ومظاهره وشكله الساخر مما يقوم به من حصد الأرواح، فإن كان كما نتخيله عبارة عن جمجمة مرعبة، فإن وجهه الحقيقي ما هو إلا مُهرّج من مهرجي السيرك، وهو بالفعل كذلك.. يقوم بتأدية دور تهريجي في عالم أكثر سخفا، فهو يلعب لا أقل ولا أكثر.
البورترية
جاء العديد من الأعمال كبورتريهات كاريكاتورية ــ المبالغة في تفاصيل وملامح الوجوه، لإظهار روح الشخصية كما يراها الفنان ــ لعدة شخصيات شهيرة في مجالات مختلفة كالسياسيين أوباما، أولاند، بوتين ــ لم نر بورتريه للرئيس المصري ــ كذلك الفنانين والأدباء، على رأسهم نجيب محفوظ ونجيب الريحاني، إضافة إلى الوجوه التي تحتل القنوات الفضائية الذين يُطالعوننا كل يوم أكثر من وجوه آبائنا وأمهاتنا، في مبالغات لأكثر ما يميزهم من ملامح وأجزاء الوجه.. الأنف أو الأذن، الذقن، وحتى العين المحدقة في فراغ، وكأنها تراقب مُشاهديها!
محمد عبد الرحيم