النص المسرحي «7» يعرض في القاهرة قراءة تجسد نضال سبع نساء ضد العنصرية والعنف والجهل
[wpcc-script type=”abac5780a90277c94501c3d5-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: ما بين امرأة منهكة تعدو هاربة فوق رمال الصحراء، وأخرى تحاول الاختباء بين الجبال، وثالثة تسقط فوق رأسها هراوات رجال البوليس في شارع ضيق، وامرأة تستعيد ذكرياتها بين تسعة أخوة في حجرة ضيقة بإحدى الحارات المنسية، وخامسة قضت طفولتها في بيوت الرغبة، وسادسة تختبئ في حجرتها ولا تستطيع أن تخطو عتبة منزلها من تهديدات ستصيب أسرتها، وأخيرة فقدت والديها ودفعت ثمن نضالهما السياسي مغتربة في بلاد أخرى، تحاول أن تمنحها لحظات مُختلسَة من الهدوء الموهوم.
سبعة من النساء المتفرقات بين دول العالم، المتقدم منه والمنسي تماماً، تجمّعن في خيط من العنف، وحاولن طيلة حياتهن الفكاك وتفادي آثار السياسيات والأفكار الاجتماعية والعنصرية التي أوشكت أن تحطم حياتهن، كما العديد من بنات جيلهن والأجيال اللاحقة. حاولن ولا زلن، وهو ما يوحي بأن العرض سيستمر لوقتٍ طويل. هذه اللمحات أو اللحظات من حياتهن تجسدت في القراءة المسرحية لنص بعنوان (7) يحمل عنوانه عدد الحكايات التي يحملنها، في شكل درامي يمزج بينها، ليرسم في النهاية صورة مُتكاملة للعنف المتجسد ضد المرأة، بداية من النظرة الدونية، وصولاً إلى الاغتصاب والقتل. العرض من تأليف كل من .. باولا سيزمار، كاثرين فيلو، جيل كريجيل، كارول ماك، روث مارجراف، آنا ديفي سميث، وسوزان يانكوفيتش. ويتم تقديمها من خلال قراءة للنص عبر 7 من اللواتي يمثلن شخصيات النساء، ويتحدثن بلسان حالهن، وقد قدّمت في العديد من مدن العالم، وأخيراً تم تقديمها في «الجريك كامبس» في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وقام بإخراجها المخرج حسن الجريتلي، وأدى الأدوار كل من .. خالد أبو النجا، هالة شكر الله، أنيسة حسونة، محمد ناصري، فاطمة خفاجي، وراجية عمران.
حالة التوثيق
أهم ما يميز النص الدرامي (7) هو حالة التوثيق التي يؤسس لها، بخلاف الفكرة العامة التي يدور في إطارها. نساء حقيقيات وتجارب تستحق أن يستمع إليها الجمهور. من ناحية أخرى يتكشف مدى الفساد السياسي والاقتصادي في البلاد التي ينتمين إليها، من دون تفرقة ما بين دولة متقدمة نسبياً أو أخرى من دول العالم المنسي. فحالات التفرقة العنصرية والعرقية، كذلك المجتمعات القبلية، يقابلها العنف الذكوري في دولة مثل روسيا على سبيل المثال، وأن العقلية الذكورية لم تزل تنظر إلى المرأة نظرة العصور الوسطى. فالحديث هنا عن نساء عاديات، بالفعل تجاوزن محنهن، إلا أنهن يمثلن أعدادا لا تحصى، وأصبحن نماذج لنساء دول العالم. نساء لا تقربهن الميديا، ولا تتوسل بهن لكسب التعاطف، وهو ما يُضاف إلى هذا النص، فقد عانين وحاولن ونجحن في النهاية، وهو ما يتجلى في قيمة نضالهن ــ بالمعنى الحَسَن للكلمة ــ الذي أصبح علامة رفض واضحة في وجه أنظمة الحكم السياسي في بلدانهن.
وهو ما يستدعي التساؤل حول أي قوة تعمل على تحريك هذا العالم، والعبث بمخلوقاته؟ دول كبرى تسعى لفرض سيطرتها عبر دول أخرى تنتهك بدورها مواطنيها، ولا يجد هؤلاء سوى اللجوء إلى الدول الكبرى لحمايتهم من النظم السياسية الحاكمة، التي في أغلب الأحوال صنيعة هذه الدول بالأساس! كما أن استخدام عنصر الدين لم يكن غائباً عن المشهد، بل من أشد العناصر تأثيراً في عمليات القمع والإرهاب للطرف الآخر، من باكستان وحتى أيرلندا، وهو بدوره ما يؤسس أو تحتمي به المواجهات العِرقية، والقبائلية بشكل أو بآخر. المسألة مسألة سُلطة أولاً وأخيراً، وقوة تحميها وتفرضها على الطرف الأضعف، وتبدو تجلياتها في القوانين وقبلها الأعراف والبيئة الاجتماعية والوعي الجمعي، الذي يقصي المختلف، ويطرده من رحمته المزعومة. هذه هي البداية، وصولاً لأقصى صورها، والمتمثلة في القتل.
طبيعة العرض المسرحي
لم يكن العرض أو ما يُمكن تسميته بالعرض المسرحي مُشابهاً للعروض المسرحية المُتعارف عليها، فلا تجسيد لحركة أو فعل، فقط أداء صوتي، وحضور جسدي يمثل الشخصية الحقيقية صاحبة التجربة. واجتهد المؤدون في تجسيد الشخصيات، خاصة في لحظات التوتر ما بين انكساراتهن أو انتصاراتهن. الأمر الآخر يتمثل في البناء الدرامي للنص، الذي مزج بين حكايات الشخصيات السبع، ليرسم صورة كاملة، وكأنها سلسلة واحدة طويلة من المعاناة. وهو بدوره ما ساعد على الإيحاء باشتعال خيال المُشاهِد لرسم صورة حياة هؤلاء، من بيئة محيطة، ومناخ عام، وأوقات ليل، ونهار صاخب. وصولاً إلى الأهم وهو الإحساس بحالات الشخصيات من قلق وخوف ورعب، وسعادة خاطفة في النهاية. جسد النص كل هذه الإيحاءات في حِرفية بالغة، من دون التورط في كليشيهات التعاطف الفارغة، أو إعلانات كسب الود المجاني التي تطالعنا في الفضائيات.
الشخصيات الحقيقية:
مو سوشوا/كمبوديا .. تولت مو سوشوا منصب وزيرة شؤون المرأة في السابق ببلادها، وكانت آنذاك واحدة من امرأتين فقط في الحكومة. رشحت عام 2005 لجائزة نوبل لعملها في محاربة الاتجار بالبشر للجنس في كمبوديا وتايلند. تم انتخابها في البرلمان عام 2008.
حفصت آبيولا/نيجيريا.. أصبحت حفصت آبيولا مناصرة لحقوق الإنسان والديمقراطية، إثر تعرض والديها الناشطين السياسيين للقتل. أنشأت مبادرة كوريدات للديمقراطية التي توفر التدريب على مهارات العمل والقيادة لنساء وشابات نيجيريا.
مختار ماي/باكستان .. تعرضت للاغتصاب الجماعي من أربعة رجال، وأجبرت على العودة إلى منزلها بين أبيها وأخيها شبه عارية، ثأراً لجريمة شرف مزعومة. احتلت هي وقصتها عناوين الأخبار حول العالم. لم تختر الانتحار مثلما هو متعارف عليه في مثل هذه الحالات، واختارت تحدي مجتمعها القبلي وناضلت حتى قدّمت مُغتصبيها للعدالة. أنشأت مدارس لتحسين وضع المرأة وأصبحت رائدة لنشر التعليم في بلادها.
أنابيلا دي ليون/غواتيمالا.. انتشلت أنابيلا نفسها وأسرتها من الفقر بالتعليم، حتى أصبحت عضواً في الكونغرس عام 1995. تعرضت لتهديدات بالقتل لمحاربتها للفساد ومناصرتها لحقوق لفقراء في بلادها، خاصة النساء والسكان الأصليين.
مارينا بيسكلاكوفا باركر/روسيا.. أنشأت مارينا بيسكلاكوفا باركر رغم تحديات عدة أول خط ساخن لضحايا العنف الأسري. تطور هذا الخط إلي مركز له ثقل، يقدم استشارات وخدمات إرشادية لحوالي مئة ألف امرأة روسية.
إينيز ماكورماك/أيرلندا الشمالية.. نشأت إينيز ماكورماك في أسرة بروتستانتية في بلفاست، وتزوجت كاثوليكي. منذ الستينيات وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة والإنسان بوجه عام، خاصة العمال والعدالة الاجتماعية. لعبت ماكورماك دورا حيويا في معاهدة السلام في بلدها عام 1998.
فريدة عزيزي/أفغانستان.. فريدة عزيزي من المناضلات في سبيل المرأة تحت حكم طالبان في بلدها. دفعتها التهديدات بالقتل إلى طلب اللجوء السياسي من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعيش الآن مع طفليها. إلا أنها تواصل عملها من المنفى في العمل لأجل حقوق المرأة والسلام في أفغانستان.
محمد عبد الرحيم