الواقعية وسلطة التصور في أعمال التونسية فوزية ضيف الله
[wpcc-script type=”8f41e4908578f1c587ae96ad-text/javascript”]
تتأسس أعمال التشكيلية التونسية فوزية ضيف الله على القوة التعبيرية المستمدة من الواقع في كل تجلياته التجسيدية والطبيعية برؤى اجتماعية وجمالية وتقنية، تجعل المبدعة تنصهر في سياقاتها الفنية، بما تحمله من تقنيات جديدة تبدي من خلالها مختلف التعبيرات التي تجسد تصوراتها المتنوعة وأفكارها المتعددة. تجسدها بتشكيلات مثقلة بالإيحاءات تروم مجموعة من القيم الفنية والجمالية والاجتماعية، في نطاق أسلوب واقعي تتنوع فيه المواد والمضامين، ما يرسخ تجربة فنية تتوخى الواقع في عمقه الفني والدلالي. وبذلك ترسي فوزية سحرا تشكيليا واقعيا يقود إلى إعداد التخصص المبني على الأسس الواقعية المدججة بعوالم فنية جديدة، ومفردات تشكيلية معاصرة تؤطر المنحى الجمالي وتتفاعل مع مختلف المضامين المستبطنة في صلب العمليات التشكيلية. إنه مسلكها في التشكيل تؤطره بأبعاد جمالية ومنهج شكلي بصري منبعث من الانفعالات والأحاسيس، التي تخرج إلى الوجود الفني بطرق غير مباشرة، تشكلها التقنيات العالية التي توجه الخطابات وفق التصورات والرؤى المقيدة بمختلف المضامين. وبما أن المبدعة تتوفر على مؤهلات كبيرة وقدرات فائقة، فإنها تتمكن من بسط أسلوبها التشكيلي الواقعي بعناية فائقة، مراعاة لقيم السطح ومراعاة لبسط تصوراتها وفق المنهج الدلالي الذي ترغبه، وتعمل على إيصاله بطرائق متنوعة، حيث تخضعه لسلطة التصور بتحكم في المادة التشكيلية التي تنتج وفق ذلك، ومن خلال استعمالاتها التقنية وعمليات التوظيف المتقنة للألوان والأشكال، مادة فنية مثقلة بالإيحاءات والإشارات والمعاني والدلالات، فتكون موفقة في صلة مجموعة من العلاقات التشكيلية بالمضامين، وتجريد المادة التشكيلية من التباينات داخل الأنساق اللونية في علاقاتها بالأشكال المختلفة، فتسعى من خلال الألوان إلى تكثيف التداخلات من خطوط وأشكال، وبسط نوع من الانسجام بين مختلف العناصر والكتل التي تستلهم مادتها، من فلسفة المبدعة التي تتجلى على مستوى المضمون، وعلى مستوى المادة الجمالية بأدوات متنوعة وبصيغ جمالية تتلاءم مع التعبير الواقعي. إنها الإدراكات الفلسفية للمبدعة وتوجهها الفني، وإنه أيضا اعتناؤها بالبعد الجمالي الذي ينبض بأشكال تعبيرية تعكسها كل المفردات والألوان، وكل العناصر المكونة لأعمالها، التي تتبدى فيها الحركة والموسيقى المنسجمة مع مكونات المادة التشكيلية. وهو نسق فني يعكس مختلف التجليات الفكرية والفلسفية.
تسخر ضيف الله إمكاناتها وتقنياتها العالية لبسط تصوراتها وأفكارها داخل نسيج من الأشكال والألوان، مع إرساء أسلوب واقعي تخصصي متفاعل مع مقومات التعبير الواقعي، وبذلك فهي تتحكم بشكل إبداعي رائق في كل عمليات التدبير الفضائي، لتبني واقعا فنيا يحمل في طيه مختلف التعابير بنوع من الابتكار وبلغة تشكيلية واقعية، تحمل في عمقها مضامين ومعاني تعبيرية بسحر فني رائق، وبحس إبداعي لائق وبمنحى جمالي فائق، وبجهاز تقني ومضاميني خصب، يعبر المسافات بتوازن دقيق وتحاورات جمالية وأبعاد فلسفية عميقة، تتخطى حدود الزمان والمكان. وتجعل من الواقعية فضاء تعبيريا جماليا خصبا. وفي ذلك تتبدى إبداعات الفنانة فوزية ضيف الله رائقة، لأن الأسلوب الواقعي لديها محمل بأجهزة فنية وتقنية وجمالية ومضامينية، تقارب في ما بينها بنسيج إبداعي يمتح من روح التجدد والعصرنة كل المقومات الأساسية بتراسيمها التشكيلية والجمالية، مما يتيح عبور المادة التشكيلية الواقعية نحو نطاق أوسع وأرحب يجعل تجربتها مجالا حيويا منفتحا على تعدد القراءات.
٭ ناقد تشكيلي مغربي
محمد البندوري