برنارد لويس حول «الإيمان والقوة… الدين والسياسة في الشرق الأوسط»: الخطر الإسلامي ومحاولات تجاوزه
[wpcc-script type=”deed63a0568c8547b4e079c3-text/javascript”]
لا تزال مؤلفات برنارد لويس حول العالم العربي الإسلامي تثير الجدل، بما تتضمنه من أفكار وتصورات تحولت إلى مرجعيات بالنسبة لسياسات أمريكا تجاه المنطقة. في كتابه «الإيمان والقوة … الدين والسياسة في الشرق الأوسط»، الذي صدر بالإنكليزية في 2010، وتأخرت ترجمته إلى العربية إلا خلال هذا العام من قبل أشرف كيلاني (المركز القومي بالقاهرة ودار الكتاب العربي في 240 صفحة)، يواصل لويس مقارباته التحليلية للمنطقة بكل ما لها و ما عليها.
يشير برنارد مثلا منذ البداية إلى أن مفهوم الدولة تأسس من خلال نشأة الديانة المسيحية، حسب مقولة السيد المسيح بإعطاء «ما لقيصر لقيصر وما لله لله». هنا تبدو كل من السلطة المتمايزة عن الأخرى، والتلازم المزمن بينهما، سواء في حالة صراع أو جوار. أما في الإسلام فلم يكن هذا المبدأ له معنى بالأساس، فالتواجد بين المؤسستين حديثاً أصبح من الصعوبة الفصل بينهما، رغم مظاهر هذا الفصل، فالواقع والممارسات الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية لا توحي بالتفريق بين الدين والدولة. ويعقد لويس مقارنته ما بين الإسلام والمسيحية، فقد أسس رسول الإسلام الدولة خلال حياته، وفعل ما يفعله رجال الدولة، فقاد الجيوش وشن الحرب، وعقد المعاهدات وجمع الضرائب/الصدقات، وأقام العدل وهكذا، بينما في حالة المسيحية، فالذاكرة تحوي قروناً من الاضطهاد والاستشهاد، إنتهاء بالاستيلاء على الدولة، فالذكريات الإسلامية تحوي تطابقاً تاماً بين الإيمان والقوة خلال حياة المؤسس. ورغم المؤثرات الخارجية لتغيير هذا المفهوم، إلا أنه تم مواجهتها بالتشكيك في مصداقيها وإضعافها، وأصبحت هذه الأفكار لا يقول بها سوى نخبة صغيرة مغتربة في هذه المجتمعات.
الإسلام وتحريم الانتحار
يتطرق لويس في الكتاب إلى العمليات الانتحارية، ويشير إلى أن التعاليم الإسلامية تحرّم فعل الانتحار، وبالتالي لا يجب الربط ما بين الإسلام والعمليات الانتحارية الإرهابية، والقائمون بهذه العمليات لا يفسرون دينهم تفسيراً صحيحاً، فحالة الاستشهاد ونيل الشهادة يتحقق في حالة الدفاع عن النفس والأرض، دون حالات الهجوم على الغير. وفي تناوله إلى طبيعة الجهاد الإسلامي يرى أنها تتوافق مع مبادئ الشريعة وقواعدها وقوانين الحروب، من حيث معاملة المدنيين التي يجب الالتزام بها، كتحريم تعذيب الأسرى وعدم الإساءة إلى النساء والشيوخ والأطفال.
في تطرقه للتوسع الإسلامي، يشير إلا أنه لم يتوقف شرقاً وغرباً، في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين حتى مصر، مروراً ببلاد المغرب الموسومة بالمغرب العربي في ما بعد، وانتهاء بفرض السيطرة على إسبانيا، حتى نجاح الغرب المسيحي بعد عدة قرون في إنهاء الوجود العربي الإسلامي فيها. ثم ينتقل إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وظهور الدولة العثمانية، ممثلة للخلافة الإسلامية وقتها، التي وصلت إلى فيينا وحاصرتها. ويرى أنه في الحالتين السابقتين كانت هناك مظاهر للقوة وظروف تاريخية واجتماعية أدت إلى محاولات توسيع رقعة الحكم الإسلامي.
ويرى أن مأزق الجيل الجديد من الإسلاميين يتجلى في المفارقة بين ما كان وما هو كائن، بين مجد غابر لا يستطيعون تصديق عدم عودته، ولا يريدون الاعتراف بعلمية التعاقب الحضاري وأطوار التاريخ، لذا كان اللجوء إلى محاولات اليأس، التي يلمسها حسب زعمه في موجات الهجرات من البلاد الإسلامية إلى أوروبا، وذهب إلى حد تسميتها بـ «الهجمة الثالثة»، معتبراً أن هذا الانتقال ليس تسليماً بالارتحال من جغرافيا إلى أخرى، فلم يستطع المسلمون تحقيه بالحرب يسعون إليه اليوم من خلال هجراتهم الجماعية، والتي أسفرت عن خلخلة خطيرة، ديموغرافية وسياسية ودينية في المجتمعات الأوروبية التي حلّوا فيها.
الديمقراطية والديكتاتوريات الشرق أوسطية
ينتقل إلى مناقشة فكرة الديمقراطية ومفهومها في العالم العربي، وهل تتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي أم لا. فينفي عن تلك الدولة التي نشأت في كنف الدين مبدأ الطبقية، ومُسمى السلطات الزمنية. فلا فضل لأحد إلا بالتقوى، ولكن يظل دوماً الفارق ما بين التعاليم والنصوص وما بين الوقائع، فبداية من الخليفة وأمير المؤمنين وصولاً إلى جلالة الملك والأمير والسيد الرئيس، لم تغير الأمر إلا بتغير المُسميات فقط، وما شهده التاريخ من حالات تحققت العدالة والمساواة خلالها، تبدو قاصرة على طبيعة الشخصيات الحاكمة، دون أدنى استناد إلى فكرة أو قواعد قانونية أو أعراف تنتظم من خلالها طريقة عمل وأداء السلطة الحاكمة. ويذكر لويس مفهومه لطبيعة نظم المنطقة السياسية، ويصفها بأنها «الديكتاتوريات الشرق أوسطية»، التي تحتاج دوماً إلى الحروب من أجل تبرير وجودها واستمرارها. لكن المؤلف لا يذكر كيفية نشوء وتعاظم دور هذه الديكتاتوريات وقمعها لشعوبها، وكيف ساعد الغرب هذه الأنظمة. غير أن في المقابل يؤكد إيمانه بديمقراطيات الغرب وضرورة مساعدة هذه الدول الموبوءة بالتسلط حتى تتنفس نسائم الديمقراطية، وإلا لن ينجو الغرب من تبعات هذا القمع الشرقي.
وفي الأخير يطرح تساؤلاته حول إمكانية تحرير هذه الشعوب، وهل من الممكن نقل الحرية الغربية إليها؟ ورغم اعتراف برنارد لويس بالوضع الشائك والمضطرب الآن، لأن هذه الحرية المستوردة محفوفة بمخاطر عدة، فهناك الشعور المتأصل بمعاداة الغرب، لأنه مؤيد للنظم الديكتاتورية الشرقية، ويشير مثلا إلى المفارقة في تأييد الشعوب لأمريكا في حال معاداة نظامها السياسي، ويذكر إيران كمثال. ويعتقد أن الحل وإن كان صعباً ويستغرق وقتاً طويلاً، فيبقى الاستمرار والمساعدة في تطوير المؤسسات الحرة، رغم القوى الداخلية التي تعمل بكل طاقتها ضد هذه المؤسسات، فالمحاولة صعبة، حسب رأيه ، ونتيجتها غير مؤكدة، ويختتم بعبارته الدالة: «إما أن نأتي إليهم بالحرية أو أن يدمرونا».
برنارد لويس: «الإيمان والقوة … الدين والسياسة في الشرق الأوسط»
ترجمة: أشرف كيلاني
المركز القومي للترجمة ودار الكتاب العربي، القاهرة 2017.
محمد عبد الرحيم