تجربة عبد السلام الريحاني: حروفية تتصل بموروث المغربي الحضاري

يتميز الفنان الحروفي، عبد السلام الريحاني، بأسلوبه الإبداعي الذي يروم الشكل التراثي الحروفي المميز لأبي عبد الله سيدي محمد بن قاسم القندوسي، وهو أسلوب غني بثراه الجمالي الفخم في مجال الخط المغربي.

تجربة عبد السلام الريحاني: حروفية تتصل بموروث المغربي الحضاري

[wpcc-script type=”c341b2614f34d821ae774062-text/javascript”]

يتميز الفنان الحروفي، عبد السلام الريحاني، بأسلوبه الإبداعي الذي يروم الشكل التراثي الحروفي المميز لأبي عبد الله سيدي محمد بن قاسم القندوسي، وهو أسلوب غني بثراه الجمالي الفخم في مجال الخط المغربي.
ويقدم الريحاني باكورة من تجربته الغنية في هذا الاتجاه، الذي غفل عنه العديد من الخطاطين والدارسين، وقد غطت بصمته الخاصة في هذا المجال أعماله التي تكتسيها إيقاعات الحروفيات الفخمة، وامتزاج الخطوط المغربية بتنويع يتجه نحو التعبير بحركات يبسط أشكالها بأكبر كمية ممكنة في الفضاء.
في المنظور النقدي، يبدو أن القاعدة الخطية لديه هي فن يحقق به أشكالا نوعية يطلق من خلالها تفحيم وتفخيم الحرف بأبعاده التراثية، حفاظاً على المكتسب الذي قدمه القندوسي، وفي إبداع الريحاني اعتراف وتقدير للتراث المغربي وتوجه نحو الاستمرارية ورسالة للرأي العام وللباحثين والخطاطين، لكي يقفوا على هذا الإرث الحروفي الخالد.
وينوع هذا الفنان، في الشكل وفي الكثافة والتموقع أفقياً وعموديا، علويا وسفليا بالطريقة القندوسية الرائقة، داخل الفضاء. وهي مكونات تترسب في ذهن الخطاط فيطبقها بقدر ما يستدعيه العمل. وهذا من مميزات الخط المغربي في التشكيل العربي عموماً، فضلا عن العلاقة بين جماليات الخط وجماليات التعبير بالخط المغربي.
وفي هذا المنحى نجد نوعا كبيرا من التوازن الإبداعي بين مجاله والمجال الخطي على نمط القندوسي، حيث يخلق انسجاما وتوليفة عن طريق انصهار الحروف في اللون الأسود وتشكلها وفق النمط القندوسي.
وهذا يتأتى عن طريق تطويع الحروف وتطويع اللون الأسود لخدمة هذا الأسلوب، وهو ما ينم عن بلاغة الخطاط الفنية وقدرته الإبداعية ومرونته في التفاعل مع الأنماط التعبيرية الحرفية المغربية القديمة، وأيضا ينم عما أنتجته تجربته التي تتسم بقيمة جمالية فائقة.
أعمال الريحاني، تحمل خصائص معينة فريدة ونوعية، وذلك ناتج عن استلهامه من عناصر الخط في التراث المغربي بالغايات الإبداعية المفيدة، ومن جماليات الخط القندوسي كل حركياته وسكناته وكتله وتركيباته ولونه الأسود واسترسالاته وتدويراته وكل أساليبه التي تزرع الحركة في اللوحة الحروفية. فهو يستطيع عن جدارة عملية توظيف هذا الأسلوب وطريقة توزيعه في المساحة واللون، لينسج الإبداع الفني الحقيقي الرائد، ويبدي الجماليات في نسق حسي بديع.
إن تجربة الريحاني تحققت في لغة حروفية خاصة دالة على مرامي كثيرة من التعابير التي تحددها مجموعة من العلائق بقيمة كبيرة في الموروث الحضاري المغربي، وفي المشهد الثقافي والحروفي الآني، وفي الوعي الفني باعتباره أسمى قيمة ترسم أجمل الأهداف. وهي أيضا غاية للخطاط الذي رمز بمقطعية غذت التجربة المغربية في السابق، ويوظفها بعناية فائقة لتغذي التجربة العربية في اللاحق بتعدد جمالياتها واتجاهاتها الثقافية، بقدر ما تشكله تقنيات الخطاط عبد السلام الريحاني من غنى ووظيفة، وما يشكله الخط المغربي لديه داخل فضاءات أعماله من أنساق في المنظومة الحضارية بتكوينها وبنائها الفني.
الريحاني يسعى لتقديم الحرف القندوسي في إطاره الرمزي المجرد إلى قيمة فنية بذاته، وقيمة جمالية في نسيج الحروف المركبة، وهو ما تؤكده أعماله من خلال إيقاعات الحروف باللون المفحم والشكل المفخم المتناسق، وخطوطها الفارهة، بصيغ جمالية وقيم تعبيرية تدخل ضمن المنطق الجمالي للموروث الحضاري المغربي.
وإن جرأة هذا الفنان جعلته يطوف بالفكرة أولا، ويستخدمها بتنظيم موفق للمادة القندوسية ويطوعها وفق ما يتلاءم والعمل الفني الذي يشكله. إنها مغازلة حميدة لأسلوب القندوسي وتجسيد لطيف للتقنيات المتنوعة وتوظيف مفردات الثقافة الحروفية في نطاقها الحضاري القديم المتجدد، إنها سمات تلوح في التجربة الحروفية المغربية المعاصرة، وهذا يجعل حضوره قويا ضمن تموقعات الفن الحروفي المغربي المنسجم مع متطلبات النفس والروح والثقافة بإمكانات تقنية هائلة يوظفها لتثبيت هذا الأسلوب الفريد الذي يختص به المغاربة.

٭ ناقد مغربي

تجربة عبد السلام الريحاني: حروفية تتصل بموروث المغربي الحضاري
انسجام بين انصهار الحروف في اللون الأسود وتشكلها وفق النمط القندوسي
محمد البندوري
Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *