ثقافة التعبير بالانطباعية التجريدية والرمزية
[wpcc-script type=”7f8a2ff56252d5d6a26752e3-text/javascript”]
ينجز الفنان التشكيلي أحمد البار العملية التشكيلية بانسيابية وعفوية، لكن بصياغة تجريدية منبثقة من الواقع الطبيعي، وبرؤية فنية تمتح من الطبيعة العربية مقوماتها الأساسية، وتنهل من الفن المعاصر تقنياته الجديدة. وترتشف من التجريد المعاصر بعض ملامحه على نحو من الهدوء، فيتجلى حسه الفني في الكثافة اللونية، والأطباق الصباغية المتوالفة والمترددة، وفي الحركة الممزوجة ببعض من الخيال، وفي التقاطعات العلاماتية والاختزالات الرمزية، والوصل بين مختلف المفردات، التي تشكل العمل التشكيلي لديه.
واستناد إلى العمل النقدي التشكيلي، فإن أعماله الإبداعية تنبض بالمادة التجريدية المنبثقة من الطبيعة، التي يقارب بينها وبين الفضاء المدجج بالألوان الذي يرتكز على مقومات العمل الفني الإبداعي، وهو ما يجعله مثقلا بالإيحاءات والإشارات، والأيقونات الدالة على جملة من المغازي والعوالم الخفية. والتشكيلي أحمد البار يهدف من خلال ذلك إلى التأصيل لثقافة التعبير بانطباعية تجريدية ورمزية ملفوفة ببعض من الخيال المنبثق من مشهد من الطبيعة يتصوره ثم يحاول إعادة تشكيله وفق منظر آخر معين، الشيء الذي يفضي به إلى فضاء يضحى لغة تجريدية معاصرة، يخف فيها مجال الحجب ليشمل بعضا من الفضاء، حيث يفتح بعض منافذه. فيدحض البناءات الفراغية في اللوحة ببعض الأشكال والكثافة اللونية التي تشكل أرضية العمل الفني لديه، ومن حيث الطلاء الجزئي باللون المنفرد أو بالطلاء الجزئي بالألوان المجاورة. وهو ما يجعل رصده لمحيط الألوان تطغى فيه القيمة الفنية التعبيرية التصورية، حيث يساهم في تدفق الألوان التعبيرية، فيضحى التعبير مفتوحا على الأشكال والرموز والعلامات، وبذلك يجر القارئ إلى المادة التشكيلية الأساس، بدقة، وموازنة بين المادة التراثية الجادة، والأصناف التعبيرية، فهو يمتح بعضا من مقوماته من الأسلوب الطبيعي، يتجاوز الخيال حينا، ويعود بالمادة التشكيلية إلى حدود الواقع الذي انبثقت منه حينا آخر، وهو ما يؤشر إلى نوع من الوعي الذي يشكل أسا في عملية ربط المجال الطبيعي بالمادة التجريدية، ثم بالمادة التشكيلية المعاصرة. وهذا ناتج عن التفاعل الجدلي بين المكونات الفنية الثابتة في أعمال الفنان أحمد البار، وبين عملية التوظيف الإبداعي المتحرك الذي يعتمد تدفق اللون المعاصر وتكثيفه بطريقة دقيقة وسلسة، وأسلوب رائق ينتقل به من الطبيعة إلى التجريد. إنه انزياح عن المعتاد وتلمس للجديد في مجال التشكيل، وارتماء في التعبير وفق طقوس جديدة ومفردات فريدة، إنه يقوم على أبعاد واقعية من الطبيعة ثم يحولها إلى مادة تخييلية واسعة المرامي والأبعاد والدلالات، قابلة لتعدد التأويلات، مما يفضي إلى اكتمال المادة الفنية في بعدها الجمالي. يعضد ذلك وجود علائقي بين مختلف الأشكال والألوان والعلامات، وبين بعض العناصر المكونة للأعمال، فضلا عن تشكيل نسيج من العلاقات الجدلية، والأساليب التحاورية، والأدوات التحولية، وبعض الأنماط التعبيرية، والتداخلات الرمزية والتخييلية، التي تصنع أفقا تعبيريا وتصوريا، وتقدم المادة التشكيلية في نسيج تعبيري ينطق بالعديد من المعاني المحسوسة.
لقد استطاع الفنان التشكيلي أحمد البار أن يثبت لنا فنيا ما يحمله من تقنيات جديدة في فن التشكيل للتدليل على آرائه وتصوراته وفلسفته في التعبير بالطبيعة والتجريد المعاصر، إذ يبدي قدرته الفائقه على توظيف الجمال بصور تخييلية متعددة، فسخر لذلك التكوين والأداء والتقنيات والتعبير بما تحمله كل المعالم الجمالية من مفاهيم وأفكار ورؤى تتجسد في التقنيات التي يستعملها لبعث القيم الفنية والجمالية في التشكيل. فهو الذي يجسد كل مقومات التشكيل المتكاملة والمتناسقة في مختلف المضامين التي تنفذ إلى الأعماق والتي تتضمن القيم الفنية والطبيعية والإنسانية. موظفا من خلال الإشارات التي تحتويها أعماله: الأيقونات والتماثليات والمؤشرات التي ترصد العلائق المختلفة بين الدوال والمدلولات، تحضُر في أعماله الإبداعية التي يؤسسها على البعد التقني والجمالي، عن طريق إخضاع المادة للتصورات الجمالية، مؤولا الفضاءات التشكيلية، برؤيته الفنية والجمالية إلى منتوج بلاغي جديد، حيث ينطلق من واقع طبيعي معيّن ومركَّز لأخذ الواضح بطريقة فنية، تجعله يعيد تأسيس المشهد التخييلي، ويعطيه أبعادا ودلالات أخرى، تسمح له بالانفصال عن المشهد الواقعي، والانصهار في المشهد الجمالي الفني، ليمنح للقارئ فرصة قراءة العمل أو بتعبير دقيق، قراءة اللوحة الفنية، في أبعادها الجمالية والفنية، ومضامينها الفلسفية، وللتدليل على ذلك، مشاهد الطبيعة بصيغة تجريدية… فهو يتميز بجودة التخييل والتصور المسبق، وصياغة محتوى الصورة الذهنية في حلة تشكيلية فنية تحتوي جهازا مفاهيميا وتعبيريا، وهذا طبعا يتأتى بتوظيف قدرات الفنان أحمد البار وموهبته في الإبداع والابتكار وبعث الجديد، لأن ذاكرته تشتغل في مختبر المواد المختلفة، بتفاصيلها وحيثياتها التي ترسخت في تصوراته، ينسُج منها موقفا أو قضية فنية، ليضع القارئ أو الناقد أمام عوالم استطاعت مخيلته أن تبلورها في شكل تجريدي جديد، بروح فنية عالية، ليُشكّل منها موضوعا أساسيا ورمزيا إلى أن تكتمل الرؤية التي تقود عمله الفني إلى التعبير الدقيــــق عن قــــيم وفضـــائل وميزات إنسانية بعمق تعبيري وثقافي واضح المعالم. والظاهر في هذه التجربة، هي تلك الرؤية الانتقالية من المجال الطبيعي إلى المجال التجريدي المعاصر.
٭ ناقد مغربي
قراءة في أعمال التشكيلي السعودي أحمد البار
محمد البندوري