جرت ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ37: حلقة بحثية بمناسبة مئوية ميلاد صلاح أبو سيف وكامل التلمساني
[wpcc-script type=”29d913ce7afe637874aa5f0d-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: ما بين صلاح أبو سيف (10 مايو/أيار 1915 ــ 22 يونيو/حزيران 1996) وكامل التلمساني (15 مايو 1915 ــ 3 مارس/آذار 1972) الكثير من الاختلافات، سواء على مستوى الأسلوب السينمائي، أو وجهة النظر الفنية والسياسية والثقافية بوجه عام.
وإن كان كل منهما انتمى إلى ما اصطلح عليه بـ«تيار الواقعية» في السينما المصرية، إلا أن نقاط الالتقاء بينهما قد نتلمسها بالكاد. نظراً لاتساع المصطلح أو المُسمى من ناحية، ومن ناحية أخرى وهو الأهم يتجسد في وجهة النظر التي عالج كل منهما من خلالها حكاياته عن طريق فن السينما. وربما توحدا من خلال الميلاد في العام نفسه (1915) فأقيم ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الدورة الـ37، حلقة بحثية على مدار يومين، احتفالاً بالذكرى المئوية لميلاد فناني السينما الراحلين. نظم الاحتفالية كل من جمعية نقاد السينما المصريين، بالتعاون مع قسم السينما في الجامعة الأميركية في القاهرة، التي أقيمت في المجلس الأعلى للثقافة، في دار الأوبرا المصرية. وسنحاول استعراض أهم النقاط التي أثيرت من خلال هذه الأبحاث، خاصة مع تباين جيل النقاد الذين تناولوا سينما أبو سيف والتلمساني، وربما كشفت بعض الأوراق عن وجهة نظر جديدة، بخلاف الأوراق البحثية النمطية والمتكررة في مثل هذه المناسبات، التي تقدم على سبيل تحصيل الحاصل.
الحِس الشعبي في أفلام صلاح أبو سيف
يأتي بحث ناجي فوزي تحت هذا العنوان، ويتخذ من المكان نموذجاً يتحدث من خلاله عن عالم صلاح أبو سيف الفيلمي، فيرى أن أهم هذه الأمكنة تتمثل في كل من الحارة، المقهى، الحمام، المعصرة، سـوق الخضراوات والفواكه، الورشة، المصعد الكهربائي ــ ما علاقة المصعد الكهربائي بالمكان الشعبي؟ ــ هذه هي الأماكن الرئيسية في أفلام صلاح أبو سيف، بخلاف الأماكن الثانوية الأخرى.
وبعد تنظير وتعريف لهذه الأماكن ــ كعادة أغلب الأبحاث الأكاديمية ــ يُشير الباحث لافتاً إلى المقارنة بين المقهى في كل من فيلمي «بداية ونهاية 1960» وفيلم «الكداب 1975» … ويدعونا الحال إلى عقد المقارنة بين ما نرى أنه «حيــوية الدرامــا» في المقهى كمكان شعبي في فيلم «بداية ونهاية»، والدراما المناظرة لها في فيلم «الكداب»، فمع أن المقهى وما حوله في الفيلم الأخير هو مكان تجري فيه أهم أحداث الفيلم، إلا إنه يفتقد إلى الحيوية الفنية/الدرامية، بل تبدو الأحداث التي تدور فيه وكأنها مصطنعة أو ملفقة، بينما – وفي المقابل – في فيلم «بداية ونهاية» فإن الوقائع الدرامية، في المقهى تتسم الأحداث فيهما بالحيوية الفائقة، خصوصا أنها تناسب المكان السينمائي منسوبا إلى كل من زمن الوقائع وملابساتها الاجتماعية في الوقت ذاته. ويأتي سرد أحداث الفيلم بعد ذلك من خلال الحديث عن المكان بصفة عامة. ويستخلص الباحث في النهاية أن المكان السينمائي في أفلام أبو سيف، كثيراً ما يكون مُتصفاً بالشعبية، أو أنه ذو طابع شعبي.
المرأة في أعمال كامل التلمساني
وتحت هذا العنوان يأتي بحث نادر رفاعي ليتلمس من خلاله كيف رأي التلمساني المرأة وأدوارها المُتعددة. ويبدو أن ما يميزه ــ بخلاف الاستشهادات النظرية الكثيرة ــ هو البحث عن الدلالة التقنية التي استخدمها التلمساني، من أحجام اللقطات وحركة الكاميرا، فيذكر الباحث على سبيل المثال أن للشخصيات النسائية نصيبا واضحا من لقطات الـ (close up) داخل هذه الأفلام، ففي فيلم «السوق السوداء» يتم استخدام المنظر الكبير المزدوج لأيدي كل من نجية/عقيلة راتب، وحامد/عماد حمدي، عندما يقوم حامد بمساعدة خطيبته على ارتداء خاتم الخطوبة. وفي فيلم «الناس اللي تحت» يعبر المنظر الكبير لوجه «فاطمة» عن شعورها بالسعادة عقب استلامها مفتاح غرفة رجائي. وفي فيلم «معهد الرياضة والرقص» يتم استخدام المنظر الكبير لوجه «نادية» تعبيراً عن شعورها بالتوتر، عقب معرفتها بالتصرفات المشينة لحبيبها الممثل كمال الشناوي. كذلك يستشهد الباحث بحركة الممثل ومدلولها الدرامي، كصعود «منيرة» في فيلم «الناس اللي تحت» السلم الذي يصل البدروم بمدخل العمارة، عند خروجها من المسكن لأول مرة على مدار الفيلم بصحبة حبيبها فكري، بينما «عبد الرحيم» يبادر بالهبوط إلى البدروم مستخدماً السلم نفسه، تعبيراً عن انسحاقه الناتج عن وجوده في أسفل السلم الاجتماعي.
المونتاج في أفلام صلاح أبو سيف
يبحث الباحث ياقوت الديب في تقنية البناء الفيلمي لدى صلاح أبو سيف، ويذكر بداية أنه من قلائل المخرجين في مصر، ممن امتهنوا حرفة الإخراج السينمائي (مثل نيازي مصطفي، هنري بركات، وكمال الشيخ)، بعد ممارستهم حرفة المونتاج على وجه الخصوص، منذ بدايه عملهم في السينما، تلك الحرفة التي مارسها مدة لا تقل عن عشر سنوات في استوديو مصر، مكّنته من رؤية العديد من الأفلام، وبالتالي معرفة كل التفاصيل الفنية لمراحل خلق الفيلم السينمائي وصناعته. ويدلل الباحث على استخدام أبو سيف لعدة أساليب بنائية، مثل المونتاج السريع، هذا الأسلوب الذي ظهر بوضوح في مشهد قتل الراقصة في فيلم «ريا وسكينة»، وهو من أقوى المشاهد في أفلام أبو سيف، بالنسبة لعنصر المونتاج والإخراج عموما. كذلك مشهد الثلاجة في فيلم «الفتوة»، ومشهد حلم اليقظة لسناء جميل ومشهد تطليق فاطمة من أبي العلا، ومشهد المعركة بين الزوجتين في فيلم «الزوجة الثانية»، ومشهد غرق نفيسة في فيلم «بداية ونهاية». ويطلق الباحث أسلوب التقابل على اللقطات المفارقة، كما في فيلم «الفتوة»، حيث نرى هريدي/فريد شوقي يجر عربة الخضار، والحمار يجر عربة مماثلة، ثم إظهار قدمي هريدي وقدمي الحمار، وجلوس هريدي للغداء في الوقت الذي يستريح فيه الحمار ويتناول طعامه. وهكذا تتوالى الأمثلة. وكانت لعبة التشبيه التي استهوت أبو سيف حتى وصلت إلى الثقل والمباشرة الفجة، كحالة محجوب عبد الدايم/حمدي أحمد الشهيرة وهو يتزوج من إحسان/سعاد حسني، في فيلم «القاهرة 30»، وشفاعات/تحية كاريوكا وهي تتقدم أمام/شكري سرحان نحو المأذون لعقد قرانهما، بينما امرأة تسير في الحارة تمسك بزمام خروف. وهي تشبيهات تعرفها جيداً الفئات الشعبية، التي تعوّض يأسها في انتقامها من أي شيء.
مؤلفات كامل التلمساني
ويتعرض الباحث محمد الروبي إلى مؤلفين من مؤلفات التلمساني، هما «سفير أمريكا بالألوان الطبيعية» و«عزيزي شارلي». وهي لفتة مهمة توضح فكر التلمساني وكيف كان يرى العالم من حوله، في وقت كانت السينما الأميركية ــ ولم تزل في الكثير منها ــ هي المأوى. ففي الكتاب الأول يحذر التلمساني من السينما الأميركية الهوليودية، فيقول التلمساني على سبيل المثال «إن (هلودة) الفيلم العربى هي مآساته. وسفير أمريكا بالألوان الطبيعية هو السبب الرئيسى لهذه (الهلودة) في الحياة وفي الفن وفي الفكر». ويسترسل الباحث في الكشف عن فكر الرجل من خلال بعض العبارات الواردة في الكتاب.. فالنجوم حسب التلمسانى هم «اختراع أميركي يتلخص فى خلق دعاية خرافية مثيرة حول ممثل أو ممثلة تبرزها إبرازا خاصاً، ثم تجيد تعريفك بها وقد بنتها بناء ثابتا».
ويؤكد التلمساني على أن «كل نجم أو نجمة من النجوم تمثل رغبات طبقة معينة من الجماهير ترمز لأحلامها الخاصة، وما تتوق له نفوسها.. وبذلك يصبح لكل رواد الأفلام نجمه المفضل أو نجمته المفضلة. وفي جنة عاصمة السينما كثير من النجوم حسب طلبات الزبائن». ولكن كيف يتحقق هذا الدور وبأي طريقة، إنه التنويم المغناطيسي – حسب وصف التلمساني – الذي تحققه مجموعة من العوامل يحددها في «طبيعة الظلام الذي يكتنف العرض، والصمت المطبق اللازم لتتبع الحوار والمؤثرات الصوتية والموسيقى المصاحبة للمشاهد.. ثم الثقة التي توليها أنت كمتفرج لنجمك المحبوب … كل هذه العوامل مجتمعة تهيئ الجو والفرصة للقيام بدور المنوم المغناطيسى». وهي بالأساس آراء تحركها قناعات وأفكار التلمساني، المُستمدة من البيئة الاجتماعية والثقافية، التي نشأ فيها وحاول الوصول إليها في الوقت نفسه. وفي كتابه الثاني «عزيزي شارلي» يحكي التلمساني قصة حياة شارلي شابلن من وجهة نظره، في احتفاء كبير بتجربة شابلن السينمائية والإنسانية في المقام الأول. هذه نظرة سريعة إلى بعض الأبحاث، وما أثارته من نقاط نرجو أن تكون جديدة أو كاشفة عن جديد في سينما كل من صلاح أبو سيف وكامل التلمساني.
محمد عبد الرحيم