جمال الصليعي: تتّسع الهوّة بين الإبداع والنّقد كلّما لبس النّقد جبّة الوصيّ
[wpcc-script type=”daf377428a64dcc560d71cb7-text/javascript”]
يرى الشاعر التونسي جمال الصليعي أن الجنوبَ العربي أوسعُ من جغرافيا، وأعمقُ من تاريخ، وأوجعُ من شعر، وأشدّ ولعاً من قافلة، وأن واقع حال البلاد العربية أوصل النّاس إلى هذه الثّورات بلا تأسيس، فأمكن استغلالها من غير أهلها.
جمال الصليعي شاعرٌ تونسي من أبناء مدينة دوز الغافية في قلب صحراء الجنوب التونسي الحُبلى بالأساطير وذكريات من مرّوا. ابن الصحراء التي كانت وما زالت أوسع الفضاءات التأملية لأبنائها المبدعين، والتي ظلت ترفد أدبهم بأسرارها وتلهم أخيلتهم بقسوتها وجمالها.
لجمال الصليعي الفخور بقوميته وعروبته منذ ثمانينيات القرن الماضي حضورٌ فاعلٌ ومؤثرٌ في تونس، والعالم العربي، بصوتٍ جهوريٍّ يهز قلوب المستمعين، وينتصف للشعر واللغة، وقصيدةٍ موزونة تميزت بجمالها مبنى ومعنى، وتأنقت بقوميتها وعروبتها، وحملها رسالاتٍ ساميةً لا تخفى على قارئ/مستمع.
والصليعي شاعرٌ مقل في النشر، يميل للشفاهة أكثر من الكتابة للشعر حسب تصريحاته. فقد صدر له ديوانان فقط، رغم تاريخه الشعري الحافل، الزاخر بأعداد كبيرة من القصائد التي ربما تجد طريقها للصدور يوما..
التقيناه عبر أثير مضمخ بجمال الكلمة فكان هذا الحوار:
■ هلا أشرعت لنا أبواب قلبك لتحدثنا عن بداياتك الشعرية، وما رافقها من ذكريات؟
□ تبدأ علاقتي بالشّعر قبل أن أعرف الخط والكتابة أصلا في عائلة نشأ رجالها الأُول على رفقة القرآن، وكان أبي إضافة لذلك ولوعًا بالأدب، فوجدت بستان الأدب ظليلاً عامراً فنهلت منه وبين يديه بنهم الصّبا حتى أفقت على صحبة كريمة رافقتني من وقتها.
■ للجنوب في كل بلد ذاكرة محتشدة بالأسرار، التراث، الحزن، والجمال، فماذا خبأ الجنوب التونسي في جيوب قصيدتك؟
□ الجنوب العربي أوسع من جغرافيا وأعمق من تاريخ وأوجع من شعر وأشدّ ولعا من قافلة. خبَأ جنوبي في ثنايا روحي أنّ هناك شعرا وأنّ الشّعر أوسع من الأزمنة وأنّ الأمكنة أضيق من الشّعر وأنّ الشعر أحفظ للأنسنة وأنّه، قد يكون المتحوّل أوثق من الثابت.
■ «أصدقاء جيدون وكتب جيدة وضمير نائم! تلك هي الحياة المثالية كما يراها مارك توين»، فكيف يراها جمال الصليعي؟
□ ونحن بشرقيّتنا كاملة نقول: الحياة عفّة بالمعنى الواسع للكلمة.
■ كنت وما زلت زاهدا جدا في نشر شعرك رغم تاريخك الشعري الحافل، ورغم مشاركاتك العربية الواسعة فلم هذا الانزواء؟
□ ليس انزواء ولكن، لعلّها البداوة، فحتى الكتابان اللّذان صدرا لي تولّى إصدارهما مشكورين صديقان لي، أمّا أنا فبي ولع بالشّعر عينِه، وأشدّ الولع عندي أن أقرأ قصيدا على مسمع أهل الشّعر أو أَسمَع وكفى.
■ لك إلقاء مميز جهوري الصوت، تتماهى فيه بكل مشاعرك مع القصيدة، يتحدث عنه كل من حضر أمسية، أو إلقاء شعريا لك، في نظرك: إلى أي مدى يُسهم الإلقاء في وصول النص للمتلقي؟
□ لي إلقاء يحاول أن يقدّم اللّسان العربي على قدر الجهد فنحن حين نقرأ، نقرأ العربيّة وإذ نقرأ العربيّة نعي جيّدا بأي اللّغات (نغامر) تكلّم بها القرآن وخطب بها قس بن ساعدة، وبنا (قلق) المجيء من خلف الأزمنة وبذلك يكون الإلقاء (واجبا) ويكون الإلقاء كذلك كتابة (أخرى) للنصّ فأعتقد أنّ النص السّمعي غير النّص الورقي في أمّة (المشافهة).
■ لاحظ الكثيرون ممن استمعوا لك في أمسيات شعرية، وأنا منهم، نزولك المفاجئ عن المنبر، وأحيانا قبل اكتمال نصك الذي تلقيه، متجاهلا رجاءات الجمهور بالمتابعة، ومكتفيا بقول: «اكتفيت».. فما سر هذا التصرف؟
□ عفوا….أنا لا أخرج خروجا مفاجئا.
فأنا أصعد المنبر لقراءة قصيدة واحدة فلا أحب الزّيادة عن نصّ واحد.
وتعوّدت في بلدي أن أجد بعضا ممّن يكرهون حضوري فعلّمني ذلك أن اتّخذه قياسا فأجتهد في التخفيف عنهم وكذلك تعوّدت.
■ كيف تنجو القصيدة من سلطة الرقابة الذاتية والخارجية؟
□ قدر القصيدة أن تظلّ بين رقابتين اختياريّة وإجباريّة فأمّا الاختيارية فهي غالبا ضروريّة لبقاء القيمة، وهي من أدب الكتابة. وأمّا الإجباريّة فيمكن أن تكون سبباً إبداعياً لكتابة أشدّ نفاذاً لذلك تأخذ فكرة النّجاة من الرّقابة مسلكا إبداعيّا.
■ كُرمت من قبل وزارة الثقافة في تونس في مايو/أيار 2016 إثر تعرضك لوعكة صحية طارئة، فماذا عنى لك هذا التكريم؟
□ تعرّضت لوعكة وأنا في انتظار موعد حدّدته وزارة الثّقافة لتكريمي، وخرجت مباشرة من المستشفى لحفل التكريم وقد كرّمني أهلي من المحيط إلى الخليج والتّكريم أكبر وأكرم دافع للمبدع.
■ تحدثت عن مآلات الثورات العربية قائلا: «إن هذه الأمة قدرها على جبهة القتال مع العدو الصهيوني، وجبهة الجهل والتخلف، فإن تخلت الأمة عنها، تناهشتها الذئاب، كما يحصل حاليا بالثورات العربية»، ألا ترى أن الثورة حققت ولو بعض أغراضها في تونس؟
□ أكيد أنّ الثّورة في تونس حقّقت من بين أغراضها إزالة الماضي، ولكنّها لم تنجز شيئا للمقبل بسبب اكتفاء الثّائرين بالمنجز المتحقّق وعدم التقدّم للبناء فقد شغل المترصّدون المكان والحال.
■ هل أنت مع الصوت القائل إن الثورات العربية ما هي إلا مؤامرة كبيرة لإلهاء العرب والمسلمين عن قضيتهم الأساسية في فلسطين؟
□ لكلّ من الثورات العربيّة خصوصيّة تحكّمت بمآلاتها، أمّا بداياتها فكانت تعبيرا عن واقع الشّعب العربي. وواقع حال البلاد العربية أوصل النّاس إلى هذه الثّورات بلا تأسيس، فأمكن استغلالها من غير أهلها.
■ ماذا عن علاقتك باتحادات الكتاب والكيانات الأدبية في تونس؟
□ أنا عضو في اتحاد الكتّاب التونسيّين لكن الجغرافيا جعلت عضويتي شكليّة.
■ في نظرك، ما هو سبب توسُّع الهوة بين الأدب العربي المعاصر والنقد الأدبي؟
□ تتّسع الهوّة بين الإبداع وبين النّقد كلّما لبس النّقد جبّة الوصيّ، وذلك ما نحن عليه اليوم
واقتنع بعض أهل الإبداع بذلك فرأينا بعض الكتابة تسترضي هوى النقد.
■ حدثنا باختصار عن رؤيتك للمشهد الثقافي التونسي، آخذا بالاعتــــبار المقارنة بين ما قبل وبعد الثورة؟
□ المشهد الثقافي في تونس كان أثرى منه اليوم، ولكنه اليوم أشدّ مضــــاءً إنّما هو أعلق بالإيديولوجيا.
خصوصيّة الثورات العربية تحكّمت في مآلاتها
حوار ـ منى حسن: