حصد 8 جوائز عالمية وطرح قضايا السلطة والحرية: «تانغو» للاسباني كارلوس ساورا: عاهة الروح التي يجب الاعتراف بها

القاهرة «القدس العربي»: عُرض ضمن البرنامج السينمائي لسينما (الجزويت) بالقاهرة فيلم Tango للمخرج الإسباني كارلوس ساورا. الفيلم إنتاج إسبانيا والأرجنتين عام 1998.

حصد 8 جوائز عالمية وطرح قضايا السلطة والحرية: «تانغو» للاسباني كارلوس ساورا: عاهة الروح التي يجب الاعتراف بها

[wpcc-script type=”c1e852c6cc9e5988a44e5a09-text/javascript”]

القاهرة «القدس العربي»: عُرض ضمن البرنامج السينمائي لسينما (الجزويت) بالقاهرة فيلم Tango للمخرج الإسباني كارلوس ساورا. الفيلم إنتاج إسبانيا والأرجنتين عام 1998.
فاز الفيلم بـ 8 جوائز عالمية منها.. جائزة التقنية الفنية الكبرى/فيتريو للتصوير السينمائي عام1998 ، وجائزة مهرجان جويا لأفضل صوت1998 ، وترشح للحصول على 11جائزة أخرى، منها الأوسكار والغولدن غلوب لأفضل فيلم بلغة أجنبية عام 1999. لم يكن Tango أول أفلام كارلوس ساورا التي تناولها من وجهة نظر الدراما الإيقاعية/الراقصة، وقد قدّم من قبل كلا من «كارمن والحب الساحر» على سبيل المثال، ليصنع بذلك لوحات سينمائية تتخذ من لغة السينما وحدها مفرداتها، إضافة إلى استعراض عملية الخلق الفني في المشهد السينمائي، وأخيراً إخفاء الحد الفاصل أو تجاوزه، ما بين الواقع والخيال، أو الحقيقة والوهم، محاولاً كسر الإيهام ما بين الذاتي والموضوعي من تاريخ شخصي وسياسي، ومناقشة أفكار مجرّدة كالسُلطة وطبيعتها ومشكلة الحرية التي دوماً يدفع أصحابها أرواحهم ثمناً لها.

الراقص الأعرج

يبدأ الفيلم بهذه المفارقة، فمخرج العرض المسرحي ماريو سواريز، الذي يعتمد على موسيقى التانغو، مُصاب في حادث سيارة جعله لا يسير إلا مُعتمداً عُكّازه، ويُعاني من حالة عَرَج ستلازمه طوال التحضير للفيلم، عاهة مثل هذه مع مخرج عرض مسرحي راقص علامة جسدية دالة لما ستؤول إليه الأمور، وبالتالي حالة عدم التوازن التي يعيشها بطل الفيلم.
وتصبح أكثر دلالة من الناحية المعنوية، فهو يفشل في استعادة صديقته (لورا) راقصة الفرقة الأولى، التي تتركه من أجل راقص آخر بالفرقة، ويشعر (سواريز) أن الحياة تنتهي، وأنه وقد تجاوز الأربعين لا يعي ما يفعله وسط كل هذا الفراغ والخواء الروحي. إلا أن القدر يرسل له راقصة جديدة (إلينا)، التي تُصادق أحد رجال الأعمال/المافيا (لاروكا)، الذي يوصي (سواريز) بها، حتى تنضم إلى فرقته، فرجل الأعمال أحد شركاء إنتاج العرض المسرحي، وإن كان أهمهم على الإطلاق. يتحوّل الأمر إلى ولع المخرج بالراقصة الشابة، التي تبادله الحب وتنفصل عن رجل المافيا المرهوب، هنا تبدو العلاقة غاية في التوتر ما بين (سواريز) و(إلينا)، وكل منهما يعرف المصير الذي ينتظره من صاحب المال والسلطة والنفوذ.
الحكاية لا تخلو من تكرار لحكايات سابقة، امرأة بين رجلين، أحدهما تحبه، والآخر مهجور لا يشغله سوى الانتقام، إلا أن تبادل الأدوار يتم هنا، فالمخرج المهجور في السابق، أصبح الآن مُطاردا هو وحبيبته من المهجور الجديد، وكأن لكل منهما وجها يتبادلانه، هناك عاهة في كل منهما، جزء فاسد لابد من الكشف عنه، مخرج يتوكأ عصاته، ورجل أعمال يتوكأ سُلطته.

غويا وبورخيس

«الماضي هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن تدميره، إذ إنه عاجلاً أو آجلاً سيظهر»، هذه العبارة التي قالها بورخيس، يستشهد بها سواريز، وربما هي ملخص حالة العمل بالكامل، هذه الحالة التي تتحكم في حالة السرد التي يُكررها كارلوس ساورا في العديد من أفلامه.
هذا الاستشهاد يأتي عندما يبدأ مخرج العرض تجسيد لوحات راقصة من أعمال (غويا) التي صوّرت ووثقت للحرب الأهلية الإسبانية، من تعذيب ومذابح وهجرات إجبارية، هرباً من الموت. هنا يأتي اعتراض منتجي العرض المسرحي، وعلى رأسهم لاروكا، لأن العساكر الذين يحكمون البلاد لن يغفروا لفعلة النبش في الماضي، فالعرض المسرحي في البداية والنهاية لابد أن يخرج عن إطار الترفيه، رقصات جميلة ونساء أجمل، هذا ما يريده الجمهور.
إلا أن سواريز لا يقبل بهذا التسليع للفن، ويستشهد بمقولة بورخيس، بينما يُصر منتجو الفرقة على حذف المشهد من العرض المسرحي.

الخلق الفني

يحاول كارلوس ساورا أن يُجسد عملية الخلق الفني على الشاشة، من خلال البروفات والتدريبات الراقصة، من حيث طبيعة الموسيقى المختارة وتصميم الرقصات، والديكورات والملابس، والأهم تفاصيل الإضاءة ومدى تعبيرها عن الشخصيات وحالتها الدرامية من ناحية، وطبيعة المواقف السردية من ناحية أخرى، إضافة إلى العازفين ومدى إحساسهم في العزف، وحياة مُصمم الرقصات العجوز، الذي يستغرب سواريز من أين يستمد الرجل كل هذه الطاقة، فيجيبه بأنها حياة بأكملها.
تحضير العرض المسرحي يُقابله قلق الفنان/المخرج في ما يقدمه من حكاية، فالحكاية بسيطة ومُكررة مئات المرّات، فما الذي سيفعله، وأين ما يُسمى بالإلهام؟ وهل يوجد بالفعل، أم أنه عمل، عمل مُستمر، لابد من إنجازه.

الواقع والخيال

كل هذه التفاصيل تتداخل ما بين العرض المسرحي والواقع على مستوى العلاقات بين الفتاة وحبيبها ومن هجرها، الذي لن ينسى فعلتها كما صرّح لها، فيبدو أحد الراقصين صاحب النظرات الحادة، الذي علّمه سواريز كيفية الإمساك بالسكين وتوجيهه، يبدو أحد رجال رجل المافيا (لاروكا)، الذي يحضر كمتفرّج في بروفة المشهد الأخير من العرض، وهنا يعطي الإشارة لتابعه/الراقص، الذي يتقدم من (إلينا) ويطعنها بالسكين، لينهض (لاروكا) قبلها بلحظة صارخا بـ (لا) لينهض الجميع في صمت، وقد سقطت الفتاة على المسرح، فيهرول نحوها (سواريز) يجُر عَرَجه، متألماً مبهوتاً، يحتضنها، لتستفيق الفتاة بعدها، ويبدأ الجميع بالتصفيق، حتى أن (لاروكا) يسأل مُحيطيه عن مدى توفيقه في إطلاق صرخته في الوقت المُناسب، وأنه سيتدارك مدى تزامنها مع حركة الراقص صاحب السكين في المرّة القادمة! فالجميع ممثلون، تختلط أدوارهم على المسرح وأدوارهم الحقيقية، من دون معرفة أي من هذه الأدوار يمثل الحقيقة، كسر إيهام مُستمر، ودائماً يُخالف التوقعات، خاصة شخصية رجل الأعمال، الذي بدوره لم يعد مجرد شكل نمطي لهذه الفئة، بل ربما يمثل هو الآخر أحد الأدوار.
لا فارق عند ساورا ما بين الخيال والواقع، فالفن حياة مُمتدة من جهة، كما قالها مدرب الرقص العجوز، والواقع بكل مآسيه ومجازره يفوق الخيال بكثير.
وللتاكيد على حالة المزج ما بين الواقع والخيال، وبالتالي اللحظة الآنية والتاريخية، يلجأ ساورا إلى الأغنيات والرقصات القديمة المصوّرة، يستخدم لقطات سينمائية من زمن الأبيض والأسود لمشاهير الغناء والرقص، وكأنه يستحضر التراث، تأكيداً لمقولة بورخيس، وهو شكل تقني أكد الحالة وجعلها أكثر إدهاشاً، مما أضفى جماليات سينمائية على المشهد المسرحي، كما انه شكل آخر من أشكال التوثيق والاحتفاء بتراث التانغو الشهير، الذي يتنفسه الجميع بالفيلم، هناك مأساة كامنة في كل الشخوص، والأكبر منها مأساة التاريخ الذي خلقهم فوق خشبة الحياة.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *