«خرافة التقدمية في الأدب الإسرائيلي» للمصري حاتم الجوهري: محاولة للكشف عن الدور الأساسي لليسار في الحركة الصهيونية
[wpcc-script type=”f48c1464a55f1b5b5ee83ca0-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: ضمن سلسلة «كتابات نقدية» التي تصدرها «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، صدر قي القاهرة العدد رقم «221» الذي يحمل عنوان «خرافية التقدمية في الأدب الإسرائيلي» للباحث المصري حاتم الجوهري، وهو بحث نظري وتطبيقي في آن، يحاول الكشف عن دور اليسار الإسرائيلي في الحركة الصهيونية، ويحاول إثبات أنه لا يختلف عن نظيره من التيارات الإسرائيلية الأخرى، التي دعّمت الصهيونية ودعت لها، كأحد الحلول المُمكنة لشعب إسرائيل.
وهو ما يخالف ــ هكذا يرى المؤلف ــ السائد عن اليسار الإسرائيلي، وأصواته التي تحاول توفيق الأوضاع في الأرض المحتلة، والبحث عن أسلوب للتعايش السلمي بين كل من الفلسطينيين وشعب إسرائيل. كاشفاً التناقضات ما بين الفكر الماركسي المؤسس للتيار اليساري، وبين الواقع الذي لعب فيه اليسار الإسرائيلي الدور المهم في البناء النظري للصهيونية، وإقامة المستوطنات الاشتراكية، وأجنحتها العسكرية، التي كوّنت في ما بعد ما يُعرف بجيش الاحتلال. وبعد التقديم النظري يأتي التطبيق من خلال دراسة الشاعر الإسرائيلي يتسحاق لاؤور، خاصة في ديوانه «مدينة الحوت».
الأدب كوسيلة من أهم وسائل الصراع
في تقديمه للكتاب يذكر عمار علي حسن أن الصهيونية العالمية أدركت أهمية الأدب في التغلغل إلى عقل الأمم المُغايرة ونفسها، قدر توسلها بالإيديولوجيات السياسية ذات الطابع الأممي لتحقيق الغرض ذاته، ولهذا ظهر ما يُسمى بالأدب الصهيوني التقدمي، نازعاً إلى خداع الآخرين، ودفعهم إلى التسامح والتساهل والتغاضي عن التصرفات العنصرية للصهيونية في الواقع المعيش. لذلك ترجع أهمية الدراسة في إزالة كل ما علق في الأذهان من أوهام حول إمكانية أن تكون هناك نزعة تقدمية أممية وإنسانية في هذا الصِنف من الأدب، وتفضح هذا النوع من الاحتلال الناعم الذي يقوم به الصهاينة لعقول الأغيار. نكتفي بهذا القدر من التقديم، الذي جاء في عدة صفحات، ونلحظ نغمة التعميم في الحديث عن الأدب الإسرائيلي، خاصة هذا التيار الأدبي الذي تتقصده الدراسة، فأين سنصنّف أعمال كل من سامي ميخائيل وديفيد غروسمان على سبيل المثال؟ وهو الأمر الذي يتنافى ومنطق البحث العلمي. هذا التعميم نفسه ينتهجه الباحث طوال مؤلفه، وسنحاول تبيّن ذلك من خلال مناقشة بعض أجزاء الكتاب، الذي يكاد يقترب من 450 صفحة من القطع المتوسط.
نشأة اليسار اليهودي
بعد تجمع عدد كبير من اليهود في روسيا القيصرية، دخل اليهود مرحلة اجتماعية وثقافية جديدة، وكانت حركة التنوير التي قادها موشيه مندلسون في نهاية القرن الـ18، لها أكبر الأثر في اندماج اليهود في الشعوب التي يعيشون بينها، وتقليل مظاهر الديانة في الحياة اليومية، وهي محاولة لعلمنة الدين اليهودي. فاندمج اليهود بالفعل في المجتمع الروسي. ظاهرة أخرى تعتبر هي الأهم، وهي اقتصادية بالأساس بعد صعود الحِس الرأسمالي، الذي أدى لفقد اليهود العديد من وهنهم في مجال الصناعة والتجارة، فتحوّل قطاع عريض منهم إلى عمال، فنشأت بذلك طبقة عمالية يهودية واسعة في روسيا ــ الأمر لا يقتصر على اليهود فقط، إذ طال كل مَن هم على شاكلتهم من أصحاب المهن والحرف الأخرى ــ ويرى المؤلف أن هذه الأسباب أدت لانخراط الكثير منهم في صفوف الحركات الثورية اليسارية ــ فالذي وحّد الأمر إذن وضع اقتصادي وفكر ثوري ناتج عنه لا يرتبط بعقيدة دينية.
التحول نحو القومية
يواصل الباحث سرد الحجج في تحول اليسار اليهودي إلى الفكر القومي، خاصة أن الماركسية لا تؤمن بالقوميات، لا سيما إن كانت تستند إلى أساس ديني، فيرى أن ذلك يعود لنشأة القوميات في أوروبا، مما جعل يهود روسيا يبحثون عن قومية ووطن يجتمع اليهود فيه. إلا أن الأمر الأشد تأثيراً يبدو في الملاحقات الدائمة والطرد الذي لحقهم آواخر القرن الـ 19. مما دفع يهود روسيا للهجرة نحو الغرب، والتفكير في القومية، وعلى رأسهم تيودور هرتسل، الذي تتلخص صهيونيته في كونها علمانية لا تكترث بالدين، ولكن تستغله، وجماعية تسعى لتجميع كل اليهود، ودولية تعتمد على موافقة الدول الكبرى، وأخيراً عملية، مستعدة للقبول بأي أرض تقيم عليها وطنا، إذا حال الأمر دون الحصول على فلسطين، وهو الأمر الذي استوعب كلا من الدينيين والعلمانيين والاشتراكيين والرأسماليين.
الماركسية والدولة الدينية
يرى المؤلف أن اليسار الصهيوني وقع في فخ التناقض، حينما تشارك واليمين في إقامة دولة على شعارات وأحلام أو أوهام دينية، وبالتالي تنافي فكرتي الدولة الدينية والماركسية. ولكن النظر إلى الأمر من زاوية أخرى نجد الحِس الأممي لدى كل من الفكر الديني والماركسي، وإن كانت هناك حالة من التضاد للوهلة الأولى، لنأخذ التيارات الأصولية في كل دين، خاصة الأديان التوحيدية، ألم تكن تبشيرية بالأساس، وتنتفي معها فكرة القومية، فهي لا تعترف بالدولة ــ بخلاف الفكر العلماني/الذي انتهجته الصهيونية رغم استنادها إلى أوهام اليهودية، وهذه هي المشكلة الحقيقية، وسبب التوتر الدائم بين اليسار واليمين في إسرائيل، الديانة كمخدّر للأغلبية، والعلمانية لجني ثمار الغرب ــ الفكر الأممي نفسه نجده في الماركسية وتبشيراتها «يا عمال العالم اتحدوا»، فلا يوجد اعتراف بقومية أو وطن، لذا يراها الكثيرون كالأديان تماماً توسعية تبشيرية، وإن كانت لم تخف كونها ناتجة عن عقل بشري.
الخيال والوضع القائم
وللمؤلف الحق في الحديث عن الحركات اليسارية واختلافاتها حول مشكلة الاستيطان، والبحث عن حل ــ الخلاف والاختلاف آفة اليسار المزمنة ــ فهم يبحثون الحل الآن، ولا يستطيعون العودة إلى الجذور، وكما يقول «فهؤلاء يقفزون على مناقشة البدايات والنشأة وشرعيتها من عدمه… ويرفعون شعارات مثل: فلنتعايش اليوم مع العرب، ونندمج في العالم المتمدن».
ولكن الحل الفعلي الآن يدور حول فكرة التعايش وتقسيم الدولتين، وإعطاء السلطة الكاملة للفلسطينيين لأراضيهم قبل 1967، أما الحديث عن رحيل اليهود عن فلسطين بالكامل، فيُعد درباً من دروب الوهم، الذي لن يخدم القضية بأي حال، اللهم إلا المزيد من التباكي وتسويد الأوراق، وليصبح الأمر أشبه بأسطورة اليهودي التائه، ليصبح الفلسطيني الأكثر تيها، والأمر في البداية والنهاية مسألة قوة وظروف اجتماعية واقتصادية، وإلا ماذا عن الغزوات الإسلامية، وصهر البلاد التي احتلها العرب تحت لواء ديانة الإسلام؟
الأدب الصهيوني
يبدأ المؤلف من مرجعيات الأدب الصهيوني، فيردها إلى التأثر بالحضارة الغربية الحديثة، والفلسفة تحديداً، ليأخذ نيتشه ودارون كمثال، ليصل إلى رأيه المسبق قبل البحث، وهنا يتمثل فكرة نيتشه عن الإنسان السوبر، والتطور عند دارون، ليسقطها على الفكر الأدبي الصهيوني وعنصريته، وبالتالي التعالي واحتقار الآخر. والإنسان السوبر الذي استغله هتلر وسوّقه كفكرة لسيادة الشعب الآري، تتنافى ومقصد نيتشه، الذي لم يقصد أي أعراق أو جماعات، بل كان يصرح برأيه النقدي الحاد للشعب الألماني نفسه. وما فكرة العنصرية اليهودية إلا حالة متضخمة مُنعكسة نتيجة الفكر الديني التوحيدي، يقابلها أبناء الله، وخير أمة أخرجت للناس! ثم الديانة والهوية والعودة إلى أرض الميعاد، ثم الصهيونية وبناء وطن قومي في فلسطين. ومن السمات أنه أدب تبشيري وملحمي وموجه وقومي، وعالمي ليس لمكانته، ولكن بفضل الدعاية الجيدة لهذا الأدب، وأخيراً هو أدب ينتمي معظمه لأدب الحرب، يعيش على مشاعر القتال والعداء والكراهية.
يتسحاق لاؤور
شاعر من مواليد 1948، بأحد الكيبوتسات في الأرض المحتلة، درس الأدب والمسرح في جامعة تل أبيب، الذي درّس بها بعد حصوله على الدكتوراه، إضافة إلى عمله في الصحافة، وإصداره العديد من الأعمال النقدية والإبداعية من شعر ورواية وقصة قصيرة، إضافة إلى الكتابة السياسية، والمتمثلة في كتابه «خرافة الصهيونية الليبرالية» عام 2009. ويرى المؤلف أن الشاعر لا ينظر إلى العرب والفلسطينيين إلا من خلال كونهم ضحايا، لا كأصحاب حق. حتى أن بعض تعاطفه مع المناضلين الفلسطينيين يأتي من كونهم شيوعيين ليس أكثر!
ضالة ما بعد الحداثة
ويرى المؤلف أخيراً أن المشروع ما بعد الحداثي كان الضالة التي يُنشدها الشاعر محل البحث، حتى يتغلب على كل الصراعات والمتناقضات التي عانى منها، خاصة أن فلسفة ما بعد الحداثة لا تؤمن بالمطلقات، وتعتمد على نسبية الحقائق، وبالتالي لا توجد اختبارات لقيم مثل صراع الهوية، التفرقة العنصرية، الصراع الإيديولوجي، وبالتالي هناك التجاور والمساواة والإيمان بالنسبية. والشاعر مشوه الفكر ــ يقول الكاتب ــ كان في حاجة لرؤية ثقافية تبرر له طبيعته، وهي بالضبط أفكار مشروع الاحتلال الصهيوني الماركسي!
مقاطع من أشعار يتسحاق لاؤور
تسوية مرحلية … نحن بالفعل طيبون/نحن أحياناً مُتعَبون/يُميت أولادنا في الليالي مَن ينبغي فقط أن يموتوا/ باستثناء الأخطاء/لكن في نهاية الأمر نحن/طيبون.
العهد الأكثر حداثة … يااااه/أمريكا أمريكا/أخيراً تعلمتِ/شيئاً ما من دودة يعقوب/قضيب للأمم المتحدة وقضيب للعرب/لا تخافي أمريكا/ضدك كل رغباتنا/قولي لنا فقط: أنتِ إسرائيل عبدي الذي اخترتك. جنيزا … نحن لا نجيد الضرب يا بني/إنما الدولة/جنود كثيرون بهراوات كثيرة/هم يضربون
بدلاً منا/ لذا نحن آمنون من الضرب!
محمد عبد الرحيم