رحيل الروائي والناقد المصري علاء الديب صاحب «عصير الكتب» و«وقفة قبل المنحدر»
[wpcc-script type=”af8f8ae9bf25e8b4e3a108ef-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يكن (علاء الديب 1939 ــ 2016) سوى صوت استثنائي في الأدب المصري والعربي، ربما لأنه الأكثر تعبيراً عما مرّ به جيله من هزائم متواترة، لم نزل نحياها حتى الآن.
قد توصف كتابته بالتشاؤم أو اليأس، ولكن ثمّة حقيقة وواقع استشعره الرجل، وعرف جيداً دور الأدب ومعناه وقيمته في الحياة. تكمن المفارقة ما بين زاويته النقدية التي أصبحت ترتبط باسمه «عصير الكتب» والتي قدّم من خلالها العديد من التجارب الإبداعية الأولى لأصحابها، الذين شقوا طريقهم بعد ذلك، لتصدق نبوءة الرجل في قيمة ما يقدمون، إضافة إلى التعريف بالعديد من منجزات الأدب والثقافة العالمية بشكل عام. كل ذلك في صمت ودأب، ويحمل الأمل في ما هو مقبل، بينما مؤلفات الرجل ــ رغم قِلتها ــ تلعب على نغمة اليأس، من دون غنائية أو تباك، بل من خلال واقع مأزوم، يزداد كلما مرّت السنوات. وهو ما تجلى في كتابه «وقفة قبل المنحدر» الذي يخط فيه ما يشبه السيرة الذاتية، مجسداً آلاماً ومعاناة عاشها في شجاعة وصبر واختيار، وكأنها اختبار لإنسانيته قبل كل شيء. هذه إطلاله سريعة على عالم علاء الديب، الذي رحل مساء أول من أمس الخميس عن 77 عاما، بعد رحلة شاقة من العمل، انتهت بالمرض، ومحاولة بعض المثقفين أن لفت انتباه الدولة الغافلة لتحمّل نفقات علاج الرجل، ولكن كما عاش بعيداً عن مفاسدها، رحل في هدوء بعيداً عن واجباتها، ولو حتى تمثلت في العلاج.
بديل الانتحار
من الحياة التي تخفت وتبدو هزائم شخوصها تأتي ثلاثية .. «أطفال بلا دموع، قمر على المستنقع، وزهور البنفسج»، لترصد تطورات عائلة مصرية متوسطة، وتجسد مدى الغربة والاغتراب اللذين عاشت فيهما وآل إليهما مصيرها، ما بين حُكم بشّر بثورة على ما كان، لوضع أكثر مأساوية لما هو كائن.
وفي «زهر الليمون» تتساوى الهزائم بين صاحب الرؤية الدينية وأخيه اليساري، وكل منهما في النهاية لا يجد سوى العزلة بديلاً. (سعيد) و(عبد الخالق)، الأول أستاذ الشريعة، الذي هرب من اشتراكية عبد الناصر الكاريكاتيرية، لتتردد مقولته «أنتم تخدعون أنفسكم»، والذي فرّ إلى إحدى دول الخليج ليعمل في جامعاتها، ويعود أكثر اغتراباً وعزلة عما كان يشعر به. في المقابل نجد الشقيق الأصغر، وقد لجأ إلى عزلته بدوره، فما كان يحياه حلماً، أصبح كابوساً. وللحظة ينكشف أن الصراع بينهما لم يكن سوى ضد حلم لم يتحقق … «أنت لم تكبر أبداً، مازلت بالنسبة لي أخي الصغير التائه. وأنا هناك في الغربة كنت أراك في أحلامي وقد اشتعلت نيران في رأسك. أقرأ لك آيات القرآن. وأدعو الله أن يتوب عليك من الشيوعية والشعر/تاب الله علينا، لا شيوعية ولا شعر/كلنا مذنبون. لا نحن من هؤلاء، ولا نحن من هؤلاء». إنها العزلة حتى النهاية، وفي صمت تام، فلا أحد يريد أن يثبت أنه كان على حق يوماً، أو يتجادل ويسجل انتصاراً وهمياً. إنها لحظة من الوعي تحمل قدراً كبيراً من شجاعة مواجهة النفس في المقام الأول.
وفي «وقفة قبل المنحدر .. من أوراق مثقف مصري» يذكر الديب أنها جاءت بديلاً عن الانتحار، فيقول: «هذه الأوراق أراها، محزنة، محيرة، وكئيبة. لكنها صادقة، صدق الدم النازف من جرح جديد.هي أوراق حقيقية، كان من الضروري أن تكتب؛ لأنها كانت البديل الوحيد للهروب مع أي شيطان أو للانتحار. ماذا حدث لنا في تلك السنوات 1952 إلى 1982؟ ماذا حدث للناس وللبلد؟ من أين لإنسان يشعر ويفكر أن يحتمل في حياته كل هذه التقلبات والتغيرات؟ أليس من حق الإنسان أن يلتقط أنفاسه، ينعم بحياة مستقرة بعض الشيء، هادئة بعض الشيء، مفهومة بعض الشيء؟! لكن هذا الحق أو هذا الأمل بمعنى أدق لم يتحقق ولن.
هل هذا عيشنا؟
صاغ علاء الديب في لغة رصينة، تقترب من الشعر الترجمة العربية لحوار فيلم «المومياء»، الذي أخرجه شادي عبد السلام. ويبدو أن حكاية الفيلم توافق تماماً هوى علاء الديب، ورؤيته في التعامل مع الإرث القديم، الذي أصبح يتمثل في انتهاك حُرمة الموتى، هذا هو الحاضر الآن، وما التغني بالأمجاد سوى انتهاك دائم لهذا التاريخ، لتظل جُملة (ونيس/بطل الفيلم) صادقة وصادمة، وكاشفة عن عار مقيم يطول الجميع .. «هل هذا عيشنا؟!»، وهي عبارة لطالما أكدها ودلل عليها عبر أعماله الكاتب الراحل، لتصبح عنواناً كبيراً وشهادة على عصر عاشه، ومازلنا نحياه حتى الآن.
بيبلوغرافيا
ولد علاء الديب في ضاحية المعادي في القاهرة عام 1939. وحصل على ليسانس الحقوق عام 1960.
أصدر عدة أعمال أدبية ما بين الرواية والقصة، إضافة إلى الترجمة.
المجموعات القصصية .. «القاهرة 1964، صباح الجمعة 1970، المسافر الأبدي 1999».
الروايات .. «زهر الليمون 1978، أطفال بلا دموع 1989، قمر على المستنقع 1993، عيون البنفسج 1999، أيام وردية 2002». وكتاب في السيرة الذاتية بعنوان «وقفة قبل المنحدر»، أصدره عام 1990.
الترجمة.. «لعبة النهاية. مسرحية لصموئيل بيكيت 1961، الصياغة العربية لحوار فيلم المومياء لشادي عبد السلام 1969، عزيزي هنري كسينجر لدانييل أونيل 1976، امرأة في الثلاثين، مجموعة من القصص المختارة لهنري ميلر، بيتر فايس، وآخرون 1980، الطريق إلى الفضيلة لـ لوتسو 1992».
تعد زاوية «عصير الكتب» التي ظل يكتبها الديب هي الأشهر في المتابعات النقدية لأهم الإصدارات والأعمال الأدبية في مصر وخارجها، كذلك ما يسترعي انتباهه في الموسيقى والسياسة والفن التشكيلي، هذه الزاوية التي تنقلت معه بداية من مجلة «صباح الخير»، مروراً بجريدة «القاهرة»، ثم جريدة «الأهرام»، وحتى جريدة «المصري اليوم».
حصل علاء الديب على جائزة الدولة التقديرية عام 2001.
محمد عبد الرحيم