رحيل الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي … صوت المصريين وموال النهار الذي لن ينتهي

القاهرة ـ «القدس العربي»: رغم كل التناقضات من مواقف الأبنودي (1938 ــ 2015)، فلا أحد يستطيع أن ينكر موهبته الشعرية، وتأثير كلماته التي أخذها من لسان الشعب المصري، وأعادها إليه مرّة أخرى في شكل مواويل وقصائد وأغنيات، تعبّر عن حال هذا الشعب، فقد تكلم بلغته، البسيطة السهلة والعميقة جداً في الوقت نفسه، لغة تحمل حضارة هذا الشعب، وطبائع الإنسان المصري الحالم والمُسالم دوماً، والغاضب أحياناً.

رحيل الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي … صوت المصريين وموال النهار الذي لن ينتهي

[wpcc-script type=”263f06d6d81983fd6723dab3-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: رغم كل التناقضات من مواقف الأبنودي (1938 ــ 2015)، فلا أحد يستطيع أن ينكر موهبته الشعرية، وتأثير كلماته التي أخذها من لسان الشعب المصري، وأعادها إليه مرّة أخرى في شكل مواويل وقصائد وأغنيات، تعبّر عن حال هذا الشعب، فقد تكلم بلغته، البسيطة السهلة والعميقة جداً في الوقت نفسه، لغة تحمل حضارة هذا الشعب، وطبائع الإنسان المصري الحالم والمُسالم دوماً، والغاضب أحياناً.
كلمات حب وأغنيات حزينة وفرحة قلقة كحال المصريين، وما بين «عدّى النهار» و»ضحكة المساجين» رحلة طويلة شاهدة على نضال المصريين، وتضحياتهم التي لا تنتهي. ورغم بعض المواقف الملتبسة في حياة الرجل، ووقوف العديد ضدها بانه أيد هذا أو ذاك، إلا أن أشعاره ستظل باقية في وجدان المصريين، صغاراً وكباراً.
استقى الأبنودي موهبته من التربة المصرية، نيلها وشمسها وجنوبها، فمنحته خلود الكلمات عن طيب خاطر. هذه شهادات سريعة لبعض من الفنانين والشعراء والكُتاب، في وداع الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي

تميمة المصريين

يرى الشاعر محمود خير الله أن الأبنودي مثَّل جملة شعرية خاصة، في القصيدة العامية المصرية، التي عرفت على يديه نضجاً لم تكن وصلت إليه من قبل، وفي الأغنية التي بقيت في وجدان الناس، تقريباً كان الأبنودي الشاعر المصري الوحيد، الذي ولد وفي فمه ملعقة ثمينة من أقوال الناس، كان دائماً يضيف إليها من خلاصة تجاربه، وما أكثرها، لينحت القصيدة والأغنية المصرية في أمزجة الناس. الأبنودي كان صوتاً غير مسبوق في القصيدة العامية، وطاقة شعرية هائلة غذت الأغنية المصرية الدارجة، التي كانت محظوظة في الستينيات، لأنها سمحت لهذا الصوت الشعري الفريد بالوجود والانتشار، بعدما جاء شاباً إلى القاهرة، وتعرف عام 1960 على من نشر له أول نص في صحيفة مصرية، من ديوانه الأول «الأرض والعيال»، مهما اختلفنا معه وقد كانت حياته ككل الشعراء الكبار، مليئة بالتناقضات، لابد من الاعتراف بأن الأبنودي ملأ فراغاً هائلاً في الثقافة والشعر المصري والعربي، حينما اهتم مبكراً بالوجدان الشعبي، وساهم بدور فعال ونشيط، في إحياء تراث «السيرة الهلالية» ولفت الأنظار إلى عبقرية الوجدان المصري، الذي خلق أبطال ملاحمه، بمواصفات خاصة جداً، واستغل نشأته في أقصى صعيد مصر، في نقل جزء غير مسبوق من لغة وحكايات فقراء الصعيد، إلى الثقافة الرسمية المكتوبة، مثلما يمكن أن نلحظ مثلاً في «جوابات حراجي القط، العامل فى السد العالي إلى زوجته فاطمة أحمد عبد الغفار فى جبلاية الفار».
اليوم فقدت مصر ولا شك شاعراً كبيراً، ملأ الدنيا و شغل الناس، وكانت قصيدته حاضرة في كل المناسبات الكبيرة في الحياة المصرية، من نكسة 67 حيث كتب «عدّى النهار والمغربية جايّة تتخفّى ورا ضهر الشجر، وعشان نتوه في السكة شالِت من ليالينا القمر، وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها جانا نهار مقدرش يدفع مهرها …»، التي غناها عبدالحليم حافظ، بعد النكسة بيومين، إلى أغنية «إحنا الشعب» التي غناها المطرب الشاب كايروكي، بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، التي ألقى جزءاً منها بصوته المبحوح، الذي أصبح تميمة للعامية المصرية.

شاعر الشعب

ويصفه المخرج السينمائي سميح منسي بقوله.. عبد الرحمن الأبنودي .. ذلك العمود المصري الأسمر أبو اللهجة الصعيدية .. كنت شخصياً أحبه كموهبة شعرية رغم اتهامات البعض له بـ «خيانة» رفاقه اليساريين من أجل الارتباط بالسلطة عند خروجه من المعتقل لكتابة أغنيات وطنية كمحاولة لخروج مصر من هم هزيمتها، محنتها في 67 وأعتقد ده دور مهم، فموهبته هي شفيعة له، وتجب كل خطاياه السياسية .. لقد سنحت لي الفرصة أن آراه مباشرة أيام كنت طالباً في المعهد العالي للسينما، فالمخرجة التسجيلية عطيات الأبنودي ـ زوجته السابقة ـ طلبت مني تصوير عيد ميلاده بكاميرا فيديو صغيرة وجديدة علينا – قرأناها فهمناها من الكتالوج .. كانا قد اشترياها أثناء مهرجان الجسرة الثقافي والشعري .. وتقابلت معه لفترة قبل بداية مراسم عيد الميلاد .. فكان ودوداً وسخياً بحكاياه عن الفن والغناء، وكانت له مواقف كثيرة في المضمار السياسي أيضاً .. فكانت جلسة هائلة وجميلة .. كم سعدت بتلك الفرصة العظيمة، التي لا أنساها .. ويوماً ما – في فرصة أخرى – سأكتب تفاصيلها .. فقد كان الموهوب شعراً – عامياً – بالخصوص فهو أحد من خاضوا معركة تثبيت وتأكيد – خانة – العامية في الشعر المصري.. حيث أنه لا يقل أهمية عن الشعر الفصيح .. وكان عبد الرحمن عاشقاً بحق للحياة وساعياً لها بالمساهمة والمشاركة في الأحداث الوطنية المصرية .. ولا ننسى وقوفه في وجه ظلام وقاتلي ثورة 25 يناير الشعبية .. فالرحمة له بكل طاقة موهبته الإبداعية التي تغفر له أي خطيئة إنسانية عابرة .. وأعتبره أحد تنويريي مصر .. وأنه شاعر الشعب بحق.

أنشودة المصريين وتناقضاتهم

ويقول الشاعر مؤمن سمير.. بقي الأبنودي في العمق من الوعي وكذلك في دائرة الضوء لعقود طويلة، ويرجع ذلك لأسباب عديدة من أهمها وأبقاها أنه فنان حقيقي حيث لو عددنا المجددين في مسيرة قصيدة العامية المصرية بعد البدايات والتأسيس سنجد بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي وسيد حجاب وأحمد فؤاد نجم .. ورغم الفوارق الفنية والمواقفية بينهم فإنك لن تستطيع تجاهل واحد منهم مهما اختلفت مع توجهاته أو تقلباته، أو بالأحرى مع علو وانخفاض ترمومتر علاقته مع السلطة، أو قرار السلطة باعتبار الشاعر عروة في قميصها أو عدواً …الأبنودي شاعر ماكر يجمع بين البساطة والتعقيد في شعره، واستطاع أن يبدع قصيدة تدخل القلوب و«تعمَّر الدماغ » في الآن .. إن «جوابات حراجي القط» مثلا عمل قار في الضمير بغض النظر عن أنه جزء من توهج المرحلة الناصرية، وهكذا الفنان الحقيقي يسرق مما هو عابر أوراد خلوده واستمراره .. ومن يستطيع تجاهل « الموت على الأسفلت « الأنشودة الأكثر عذوبة في استشهاد ناجي العلي .. حتى كتابه « أيامي الحلوة « تكتشف وأنت تقرأه شخصاً ليس بعيداً عن ملامحك وروحك أبداً .. ليسوا كثر من هم قرأوا شرطهم التاريخي وتعاملوا معه بكثير من الإبداع وكثير من الذكاء أيضاً .. لكنهم يبقون يشكلون وعينا ونظرتنا للدنيا.. وإضافته لفن الأغنية العربية إضافة مبهرة لا يمكن تجاهلها وحذفها من روحنا المجهدة، حيث حول الأغنية إلى صور غنية بالدهشة، وباكتشاف أبعاد أخرى وطبقات متعددة للحب والموت والفرحة والحياة، وأدخل المفردات والعوالم الشعبية وعمقها العبقري لدائرة الانتباه والاكتشاف بحذق ومهارة وفنية عالية .. جمع الأبنودي بين حب البسطاء واحترام قطاعات كثيرة من المثقفين، وكذلك سخط قطاعات أكثر منهم ربما لأنهم اندهشوا مما اعتبروه توليفة عجيبة لا يقدر عليها إلا جبار.. كيف تكون فنانا لا خلاف على دوره التجديدي وعلى ثقافته، ويساريا لا اختلاف على انتمائه للمهمشين، وكيف تكون قريبا طول الوقت من السلطة ولا تستغني عنك أبدا، رغم وضعك في السجن حتى.. كيف يدخلك رجال الأعمال إلى صالوناتهم ويدخلك المعدمون إلى قلوبهم في اللحظة نفسها .. لم يستطع الجميع الاستغناء عنك لأنك تستحق وتقدر .. كتبت في أعياد ميلاد مبارك لكنك انتقدته بعنف في السنوات الأخيرة .. لفت النظر للسيرة الهلالية وأخرجتها للإعلام ولقطاعات كانت بعيدة عن بريقها، رغم اتهام الباحثين لك بتهميش الطيب «جابر أبوحسين « .. الخ الخ .. وفي النهاية سيبقى هذا الفنان الكبير صفحة مهمة في مشروع التجديد المصري في القصيدة العامية وفي الأغنية وصفحة براقة لاقتراب المثقف الحاد والواضح من الحياة المعاشة وتحطيمه لأسطورة البرج العاجي

موهبة طاغية

ويرى الكاتب والروائي ناصر عراق أنه برحيل عبد الرحمن الأبنودي يفقد شعر العامية المصرية الضلع الثالث والأخير في المثلث الذهبي لهذا الشعر الفواح.
لقد كان الأبنودي ثالث الثلاثة العظام وأصغرهم وأقصد الفذ فؤاد حداد… الرائد المجدد… وهو يمثل القاعدة الصلبة المستقرة لشعر العامية… ثم صلاح جاهين الضلع الأول الذي يتسم شعره بالفرح والحزن… بالحكمة والنصيحة… ثم أغلق الأبنودي هذا المثلث المدهش. لم يسر شاعرنا في ركاب أي من الرجلين… وإن كان قد استفاد من تجربتهما بلا ريب، لكنه ابتكر لنفسه قاربا آخر يسبح به في بحر شعر العامية المتلاطم الأمواج… وقد اتكأت تجربته العريضة على اللهجة الصعيدية التي يتحدث بها أهلنا في الجنوب، حيث استطاع أن يقتنص من هذه اللهجة طاقات لغوية وخيالات مذهلة… ولعل ديوانه «جوابات حراجي القط» خير دليل على موهبته الطاغية.
أذكر أني أجريت معه حوارا مطولا في بيته في المهندسين في القاهرة قبل عشرين عاما ونشرته جريدة «البيان « الإماراتية… وقد أصر طوال الحوار على أن يتحدث بلغة عربية فصيحة بالغة الرشاقة والجمال… الأمر الذي يكشف مدى ثقافة هذا الرجل وقدراته المعرفية المتنوعة وهذا ما جعله يتقن شعر العامية ويتفوق فيه. رحم الله الأبنودي الذي ربطتني به علاقة طيبة.

وجدان الأمة

ويقول الشاعر عادل جلال إن الأبنودي ببساطة هو أحد من شكلوا وجدان الأمة وأنا منهم منذ كنت طفلا أسمع في الشوارع عدى النهار ويا بيوت السويس وغيرها، هذا عن الجانب الوطني وكذلك الجانب العاطفي عبر أغنيات بديعة وجميلة وأصوات مدهشة مثل حليم رشدي شادية وغيرهم وهذا يكفيني منه حتى ولو كتب «عدى النهار» فقط لا غير، وهو وللحق حلق بالعامية المصرية بعيدا وخارج حدود الوطن وقد حاول في السنوات السابقة القليلة دعم بعض شعراء العامية المصرية رحمة الله عليه

ببلوغرافيا:
الدوواين الشعرية
الأرض والعيال (1964 – 1975 – 1985).
الزحمة (1967 – 1976 – 1985).
عماليات (1968).
جوابات حراجى القط (1969 – 1977 – 1985).
الفصول (1970 – 1985).
أحمد سماعين (1972 – 1985).
انا والناس (1973).
بعد التحية والسلام (1975).
وجوه على الشط (1975 – 1978) قصيدة طويلة.
صمت الجرس (1975 – 1985).
المشروع والممنوع (1979 – 1985).
المد والجزر (1981) قصيدة طويلة.
الأحزان العادية (1981) ديوان مكتوب
السيرة الهلالية (1978) دراسة مترجمة.
الموت على الأسفلت (1988 – 1995) قصيدة طويلة.
سيرة بنى هلال الجزء الأول (1988).
سيرة بنى هلال الجزء الثاني (1988).
سيرة بنى هلال الجزء الثالث (1988).
سيرة بنى هلال الجزء الرابع (1991).
سيرة بنى هلال الجزء الخامس (1991).
الاستعمار العربي (1991 – 1992) قصيدة طويلة.
المختارات الجزء الأول (1994 – 1995).

الجوائز:
حصل الأبنودي على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية. كما فاز بجائزة محمود درويش للإبداع العربي عام 2014

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *