روابط الألتراس المصرية: أجهزة الأمن عدوهم الأول واعتبارهم إرهابيين مجرد تصفية حسابات
[wpcc-script type=”d9171acd34e61f0510f2e1be-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: لفتت روابط «الألتراس» أنظار الجميع في مصر بعد دخولها إلى عالم السياسة بمشاركة أفرادها في أحداث ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ليفرضوا بعد ذلك أنفسهم على الساحة بفضل قدرتهم على التنظيم والحشد، وكان لهم دور محوري في إسقاط جهاز الشرطة يوم جمعة الغضب، ومقاومة الهجوم على ميدان التحرير يوم موقعة الجمل. ثم جاءت مذبحة ستاد بورسعيد في فبراير/شباط 2012، وقت حكم المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي، لتؤكد الحالة الانتقامية التي لن تتراجع عنها الأجهزة الأمنية تجاههم، وأخيراً اشترك القضاء في اللعبة، وأصدر حكماً قضائياً بحظر هذه التجمعات واعتبارها تجمعات إرهابية. وعقدت مؤخراً في مركز «دال» للأبحاث في القاهرة، التابع لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، ندوة بعنوان «الألتراس بين تفكيك الأنا والاغتراب»، تحدث فيها كل من الباحث سامح إسماعيل، المختص بدراسة الأقليات الدينية والتدين الشعبي، والباحث علي الرجال، المتخصص في علم الاجتماع السياسي، لمناقشة أوضاع هذه الفئة، التي لم تزل تمثل دوراً وقوة لا يُستهان بها في بداية يشير مفهوم الـ(Ultra) إلى الشيء الفائق والزائد عن الحد، وكان يستخدم في شكله التقليدي لوصف مناصري قضية معينة بشكل يفوق ولاء أصحاب القضية الأصليين لها، ثم انتقل المفهوم إلى مجال الرياضة، حيث استخدم لوصف مشجعي ناد معين. وفي العالم العربي تشكلت فكرة الألتراس بداية بتونس مروراً بالمغرب ثم مصر. وكان إشهار أول مجموعة ألتراس مصرية من نصيب ألتراس «وايت نايس» المنتمي لنادي الزمالك في مارس/آذار 2007، وتبعها ألتراس «أهلاوي» المنتمي للنادي للأهلي في أبريل/نيسان من العام نفسه، لتنطلق بعدها روابط الألتراس لتغزو أندية مصر ومحافظاتها. وتعتبر تجمعات الألتراس مجتمعات مستقلة، تضم أبناء الرابطة وفق دستور يحكم الجميع بدون أي تفرقة بين فقير أو غني، متعلم أو أمي، مسلم أو مسيحي، إلا بالعمل والتفاني من أجل المجموعة.
مع الظهور القوي لمجموعات الألتراس داخل المدرجات، حاول نظام مبارك المخلوع استمالة قياديي الرابطة واستثمار إمكاناتهم التنظيمية وقدرتهم على الحشد، لخدمة النظام والترويج له، وهو ما رفضته الرابطة. ومع زيادة الضغوط الأمنية بدأت روابط الألتراس المصرية في تغيير عقيدتها التي كانت تحظر المشاركة السياسية، وتقصر الأنشطة على المجال الكروي، وتخلى شباب الرابطة عن شعارهم القديم «خذوا كل شيء واتركوا لنا المدرجات» ليتولوا تدريجياً أدوار بطولة في معارضة النظام، وفرض تأثير فعلي على الأرض. جاءت الإرهاصات الأولى لمشاركة الألتراس في ثورة 25 يناير قبيل اندلاعها بعشرة أيام في مباراة كرة السلة بين ناديي الاتحاد الإسكندري والجزيرة، حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين ألتراس «غرين ماجيك» المنتمي للاتحاد الإسكندري وبين قوات الأمن، هتف خلالها شباب الألتراس «تونس.. تونس» في إشارة إلى الثورة التونسية.
ورغم تحذيرات أجهزة الأمن للألتراس من النزول إلى الشارع، فإن قياديي الروابط أظهروا استجابة علنية لمطالب الشرطة، وأعلنوا على صفحاتهم الرسمية عدم نزولهم إلى التظاهرات، ثم نزلوا إلى الميادين فرادى من أول يوم للثورة حتى يوم 28 يناير 2011، الذي شهد الإعلان الرسمي عن تواجدهم كمجموعات في الشوارع والميادين بهدف إسقاط الشرطة التي تمثل عدوهم الأول بحكم عقيدتهم.
استمر التوتر في علاقة الألتراس بالسلطة خلال عهد المجلس العسكري، وبلغ التوتر ذروته بعد مذبحة ملعب بورسعيد في فبراير 2012 التي راح ضحيتها 62 من أعضاء ألتراس النادي الأهلي، وقد اعتبر الألتراس أن المذبحة جاءت انتقاما من الرابطة لدورها البارز في ثورة الخامس والعشرين من يناير وإسقاط النظام، حتى تم استصدار حكم قضائي باعتبار مثل هذه الجماعات أو التجمعات عبارة عن تجمعات إرهابية، وبالتالي محظور نشاطها.
الهامش محل النخبة
ويفسر سامح إسماعيل دلالة ظهور مجموعات الألتراس في المشهد المصري، الذي يعتبره مؤشراً مهماً على تشكل قوة منظمة خرجت من الهامش، وامتد نشاطها إلى مساحات مغايرة لما هو متوقع، خاصة في ظل النقلة النوعية التي أحدثتها في الملاعب، من حيث أساليب التشجيع الحديثة، والتنظيم الفائق، والقدرة على الحشد والتوجيه. ومع قيام ثورة يناير، أبدت تلك المجموعات تفاعلاً كبيراً مع الحدث السياسي، وقد تجاوزت في حراكها «محدودية التأثير» الذي اكتنف القوى الثورية والنخب التقليدية، فيما يخص قدرتها على تنظيم نفسها والتواجد في الشارع الثوري وتوظيفه، كما نحجت في إدخال معطيات جديدة للتفاعل بين الشباب، وهو تفاعل يحمل في مكوناته الاهتمامات المشتركة، وأبجديات لغة خاصة لا يفهمها غيرهم، وهو ما منح المد الثوري رئة جديدة للتنفس، بظهور نموذج غير مألوف فرض نفسه على الشارع الثائر بلا توقف، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات الممزوجة بالدهشة ونظرات الإعجاب حينا، أو التوجس والرفض حينا آخر، في حين واصل الألتراس نشاطهم على خطوط المواجهة الأولى دونما أدنى اكتراث بما يقال عنهم.
من الـ(أنا) إلى الـ(نحن)
من ناحية أخرى يرى علي الرجال أن مجموعات الألتراس تمثل نمطاً من أنماط تفكيك الأنا في صالح تكوين ذات جماعية، وأن هذه الذات تجاوزت في تطلعاتها أبعاد المشهد المعتاد في المدرجات، سواء على مستوى التنظيم أو الانتماء البديل، وسرعان ما تفككت الفردانية لصالح حالة جماعية كلية، ألهمت القوى الثورية في مرحلة المد الثوري تطلعات أكثر تفاؤلا واستشرافا لحراك أكثر تنظيما. وأضاف، أن القوى الثورية سقطت في فخ الانتهازية في ما يخص محاولاتها توظيف الألتراس، واستخدام الحالة التنظيمية الفائقة، التي تفتقدها كل التيارات والأحزاب، لكن طبيعة الألتراس الانفجارية أيقظت الجميع من أوهام محاولات التسييس المغرقة في التمثلات الافتراضية، فظل الألتراس بمنأى عن الانحياز هنا أو هناك، وظلت مطالبهم التي تخصهم وحدهم هي المسيطرة على كل حراك قاموا به.
محمد عبد الرحيم