سامية قدري في «الجسد بين الحداثة وما بعد الحداثة»: فصام الاحتجاب والتسليع

القاهرة ــ «القدس العربي»: بين اليمين الديني ورؤيته للجسد واعتباره عورة تتوجب الإخفاء والإقصاء، وكذلك النظرة السائدة للرأسمالية التي ترى في هذا الجسد سلعة يتعين ترويجها مضمونة الربح، يحاول كتاب «الجسد بين الحداثة وما بعد الحداثة» لمؤلفته سامية قدري أن تفند تبعات هذه النظرة إلى الجسد الإنساني، وجسد المرأة بشكل خاص، وهو ما نتج عنه تشكيلات من أعراف وقوانين وطقوس تتماس بكل ما هو اجتماعي وثقافي. ومن النظرة الكلاسيكية للجسد ودوره، سواء دور سوسيولوجي أو أنثربولوجي، حتى النظرة الحديثة وصولاً إلى فكرة العولمة، التي محت الحدود إلى حد كبير، وجعلت من الجسد ووظائفه مشروعاً ثقافياً كبيراً يزداد الاهتمام به وبدراسته وفق متغيرات المجتمات التي ضربتها مظاهر الحداثة وما بعدها. وسنحاول استعراض بعض من النقاط التي يثيرها الكتاب، ويتداخل من خلالها مع العديد والأنشطة الإنسانية التي تمثل في الأخير وجهة النظر الثقافية للجسد ودلالاته.

سامية قدري في «الجسد بين الحداثة وما بعد الحداثة»: فصام الاحتجاب والتسليع

[wpcc-script type=”001404597d9a99adb16c6cce-text/javascript”]

 

القاهرة ــ «القدس العربي»: بين اليمين الديني ورؤيته للجسد واعتباره عورة تتوجب الإخفاء والإقصاء، وكذلك النظرة السائدة للرأسمالية التي ترى في هذا الجسد سلعة يتعين ترويجها مضمونة الربح، يحاول كتاب «الجسد بين الحداثة وما بعد الحداثة» لمؤلفته سامية قدري أن تفند تبعات هذه النظرة إلى الجسد الإنساني، وجسد المرأة بشكل خاص، وهو ما نتج عنه تشكيلات من أعراف وقوانين وطقوس تتماس بكل ما هو اجتماعي وثقافي. ومن النظرة الكلاسيكية للجسد ودوره، سواء دور سوسيولوجي أو أنثربولوجي، حتى النظرة الحديثة وصولاً إلى فكرة العولمة، التي محت الحدود إلى حد كبير، وجعلت من الجسد ووظائفه مشروعاً ثقافياً كبيراً يزداد الاهتمام به وبدراسته وفق متغيرات المجتمات التي ضربتها مظاهر الحداثة وما بعدها. وسنحاول استعراض بعض من النقاط التي يثيرها الكتاب، ويتداخل من خلالها مع العديد والأنشطة الإنسانية التي تمثل في الأخير وجهة النظر الثقافية للجسد ودلالاته.

الجسد والدين

يعد الجسد أهم ملمح للتجسيد الديني، مفهوماً وطقساً، وتراوحت الأديان ــ الإبراهيمية في الأساس ــ في نظرتها إلى الجسد وطريقة ضبطه بما يتناسب وسلطة هذا الدين، بهدف انتزاعه من الفوضى كما يزعم. فعند بعض الطوائف المسيحية، التي تفصل ما بين الروح والجسد، يصبح الأخير هو مصدر الخطيئة، ويتم تطهيره دوماً من خلال الجانب الروحي، فهو المدنس دوماً ومصدر الخطر، كما أن إفرازاته المحظورة تحاط بالعديد من مظاهر الطقوس والتحريم. ومن خلال الرؤية الإسلامية ــ تستشهد المؤلفة بدراسة رمضان بسطاويسي المعنونة بـ – فلسفة الجسد/إدراك ما يمكن إدراكه ــ في أنه يرفض الثنائية المسيحية، ويرى أن الجسد يتشكل وفق علاقة الإنسان بنفسه والعالم، فالخطاب الإسلامي يكرمه ويراه (أمانة) لدى الإنسان لا ينبغي له تدميرها، إضافة إلى أن المتصوفة كانت وسيلتهم في المعراج الروحي هو الجسد، فالجسد لديهم هو بوابة للصعود إلى عالم تتوحد فيه الأشياء. من جهة أخرى ترى الدراسات النسوية أن الجسد مكان للخيال الديني، وبالتالي يصبح جسد المرأة بمثابة رسم لخريطة دينية، تتباين ورؤية المجتمعات المختلفة، هو بذلك يعد مسرحاً للسلطة وتراتبيتها، وتجسيدها في صورة تحكم وتضبط تعاملات هذا الجسد ووجوده. وتضرب المؤلفة مثالاً حول الدين وغواية الجسد، من خلال رؤية الحركة الإسلامية في مصر، بعزل جسد المرأة وتطويعه وتحقيره، وقمعه بدعوى منع الغواية وحماية المجتمع من الانهيار الأخلاقي. هذا الجسد نفسه الذي يصبح محلاً للعقاب الإلهي، إذا ما خرج صاحبه (صاحبته) عن هذه الضوابط، فالجسد سيمرض ويعاني، ويتهدد وجوده!

الجسد والمعتقد الشعبي

الاعتقاد الآخر بعد الدين وكيفية النظر إلى الجسد والتعامل معه ومن خلاله، يظهر في المعتقدات الشعبية، والتي تكون ممارساتها أكثر التصاقاً بالجسد في حياته اليومية، فالجسد يعد مسرحاً كبيراً للمعتقد الشعبي وتجلياته، كالكتابة والتدوين على الجسد، الوشم والوخز، الكي والمَس والختان وتحضير الأرواح، والقرين والعلاج بالقرآن. فكل ما تمتلئ به العقلية الشعبية تسقطها على الجسد، وهي ترى فيه بشكل أو بآخر مصدراً من مصادر الإثم، وعن متتابعات الإيذاء تسمو صاحبته وتتطهر، كالبكارة والختان، وهذه المفاهيم التي تتفق والنظرة الدينية كونه مصدراً للإغواء لابد من الحد منه أو القضاء عليه وفق رؤية المجتمع، القضاء عليه باحتجابه وتغيبه قدر الإمكان.

الجسد والموضة

تحت عبارة «حديثة لكن محتشمة» تمت مناقشة قضية الزي وعلاقته بالحداثة، وتضرب المؤلفة مثالاً بالمجتمع الإيراني بعد الثورة الإسلامية، وكيف أن الحداثة والاحتشام مُسمى مائع، وأنه يعد مصدراً للفصام الأخلاقي والاجتماعي والسياسي في إيران ــ الحديث يصلح عن مصر أيضاً ــ هذه الحدود التي لا تتضح إلا في حالة تجاوزها. وفي دراسة هامة بعنوان «الاحتجاج الهادئ» قامت بها الباحثة آرلين ماكيلود حول مجموعة من نساء الطبقة الوسطى العاملات في مصر، وقد ارتدين الحجاب وخرجن للعمل، وهو من ناحية محاولة حتى يثق الرجل في المرأة، وقد تهاوى دوره في ظل الظروف الاقتصادية السيئة، كما أنه المفر الوحيد حتى تستطيع الخروج والعمل. ظاهرة التحجب هنا لم تكن مفروضة من الدولة كما الحال في إيران، لكن من التيارات الدينية، والتي سمح لها النظام بالتصرف على هواها، واعتبر الأمر يمس الحرية الشخصية ــ خطابات الشعراوي ورفاقه ــ ومنذ أن ضرب التشدد مصر من سبعينيات القرن الفائت، وصولاً إلى حالات التحرّش الجماعي المنتشرة، والتي كانت آخرها منذ أسابيع، بحجة أن الفتاة لم تكن ترتدي زياً مناسباً! ونختتم هذه الفقرة بدراسة محمد حافظ دياب المعنونة بـ «ملبس النساء وسؤال العولمة» ليرى أن هناك أربعة أنماط، يمثل كل نمط منها جسداً بعينه، جلباب الفقيرات للجسد المقهور، والحجاب للجسد المروّض من قِبل السلطة البطريركية، وحجاب الموضة للجسد المتراوح بين التقليد والتحديث، وأخيراً الملبس العولمي، الخاص بالفئة المترفة، والذي تتحكم فيه قوى السوق والثقافة الاستهلاكية.

الفصام وتسليع الجسد

بداية من الموضة والجراحات التجميلية، ثم الإعلانات والأغاني، وصولاً إلى مسابقات ملكات الجمال، يبدو جسد المرأة أكثر رواجاً، بينما في المقابل وفي الوقت نفسه هذا الجسد أيضاً هو العورة التي يجب حجبها! فما بين الثقافة الاستهلاكية والتقليدية يتجلى التناقض والفصام الذي نعيشه.
يرى رواد مدرسة فرانكفورت أن التسلط في المجتمع الصناعي لا ينشأ من خلال فئة أو طبقة معينة، وإنما بفعل قوة لا شخصية، هي قوة «العقلانية التكنولوجية» التي تخلق ما يسمى بالـ «الشخصية التسويقية» التي تقوم بممارسة الشخص لذاته كسلعة، حيث أصبح الكائن سلعة في سوق الشخصيات، ومن هنا تخضع الحياة اليومية للأشخاص إلى المؤسسة الرسمية وما تنتجه من أفكار وثقافة.
ومن خلال ميشيل فوكو وكتابه «تاريخ الجنسانية» وقد أصبح الجسد ما هو إلا مقولة اجتماعية، وبالتالي محلاً وصراع للسلطة، ومحاولتها الدؤوب على تدجينه. ومن هنا تأثرت الحركة أو الرؤية النسوية بهذه الأفكار، خاصة وأنه أشار إلى الجسد الأنثوي كمحل لخطاب السلطة، والسيطرة عليه في ظل النظام الأبوي، وتطور الأمر من خلال الفكر النسوي، فالجسد هنا يخضع لسلطة العام، كالنظام السياسي والإيديولوجي، والخاص المتمثل في النظام الأخلاقي، حيث جسد المرأة يعد تجسيداً لقيم الذكورة، فلا يظهر إلا من خلال التمثيلات الاجتماعية، رغم كونه في الوقت نفسه موضوعاً للرغبة، لارتباطه بالجمال والإغراء والإثارة، وبالتالي كانت ضرورة محاصرته وإخضاعه.
أما التسليع نفسه فقد طال ما يُسمى بـ «ما بعد النسوية» فأصبحت ظاهرة يحركها السوق. ونختتم باستشهاد المؤلفة بعبارت من كتاب «المرأة الكاملة» لجيرمين جرير، وتعليقاً على الرؤية النسوية وما بعدها، فتقول، «قال لنا إن المستقبل مؤنث، وقد حققت النسوية الغرض منها ويجب أن تتوقف الآن. إن المرأة في تيار النسوية لها شعر طويل وترتدي زياً خشناً وأقراطاً مدلاة. أما المرأة في ما بعد النسوية فترتدي حلة عالم الأعمال، وترفع شعرها وتستخدم أحمر الشفاه، أما المرحلة الثالثة لما بعد النسوية فتتسم بطبيعة داعرة، بصورة استعراضية وسلوك غير منضبط».

سامية قدري: «الجسد بين الحداثة وما بعد الحداثة»
الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2016
373 صفحة.

سامية قدري في «الجسد بين الحداثة وما بعد الحداثة»: فصام الاحتجاب والتسليع

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *