«سبع جنّات» للمصري منير مطاوع: هل ما زال «سلطان» في غيبوبته يحلم بالنصر؟

«لقد تجلّى الله للأنبياء ونحن أحوج ما نكون لذلك التجلّي وحين ننظر لأنفسنا في ذلك البيت الكبير المُسمّى العالم فلن يصيبنا إلا الدوار»- مقتطف من رواية «ميرامار» لنجيب محفوظ؛ هل كان الأدب ولايزال قادرا على التنبؤ، واستشراف المستقبل في ما يخص أحداثا سياسية بعينها ترتبط بالثورة - أي ثورة؟ كيف نقرأ نصا تتشابك خيوطه الإبداعية بما يبدو أنه تنبوء بثورة ما أو ما يبدو أنه ثورة في حد ذاته، على المستوى الفكري - الإيديولوجي أو على المستوى الإبداعي؟ مقاربة ما عرف بثورات «الربيع العربي» انطلاقا من تونس مرورا بمصر وليبيا، ليس انتهاء باليمن وسوريا، رصد كل ذلك وتجلياته في نصوص إبداعية، أكثر من ذلك قراءتها نقديا؛ ربما تبدو تلك المقاربة مجازفة كون أنها تخوض في بحر متلاطمة أمواجه ولاتزال، نحن نكتب هنا عن نص إبداعي ارتبط بصورة أو أخرى بثورة 25 يناير/كانون الثاني المصرية - مرت ست سنوات عليها الآن، نستنطق النص هنا بأسئلة من قراءة متونه وحواشيه، ونستنطق الكاتب أيضا بأسئلة ذات صلة، ونحن على أعتاب ست سنوات من انفجار الثورة، ونطالع يوميا مآلات ما حدث هناك في الميديا والسوشيال ميديا وربما نتساءل بيننا وبين أنفسنا، هل ما تحقق هو ما حلم به الشهداء ومن هم الآن بين قضبان السجون والمعتقلات ومن هم بين من يكتبون بيننا، كمن كتب حلما بالثورة في أقصى احتمالات تحققها؟ ست سنوات ليست بالضرورة هي السنوات التي أنتجت الرواية التي نحن بصددها الآن.

«سبع جنّات» للمصري منير مطاوع: هل ما زال «سلطان» في غيبوبته يحلم بالنصر؟

[wpcc-script type=”c555459db78b978638ee0fd8-text/javascript”]

«لقد تجلّى الله للأنبياء ونحن أحوج ما نكون لذلك التجلّي وحين ننظر لأنفسنا في ذلك البيت الكبير المُسمّى العالم فلن يصيبنا إلا الدوار»- مقتطف من رواية «ميرامار» لنجيب محفوظ؛ هل كان الأدب ولايزال قادرا على التنبؤ، واستشراف المستقبل في ما يخص أحداثا سياسية بعينها ترتبط بالثورة – أي ثورة؟ كيف نقرأ نصا تتشابك خيوطه الإبداعية بما يبدو أنه تنبوء بثورة ما أو ما يبدو أنه ثورة في حد ذاته، على المستوى الفكري – الإيديولوجي أو على المستوى الإبداعي؟ مقاربة ما عرف بثورات «الربيع العربي» انطلاقا من تونس مرورا بمصر وليبيا، ليس انتهاء باليمن وسوريا، رصد كل ذلك وتجلياته في نصوص إبداعية، أكثر من ذلك قراءتها نقديا؛ ربما تبدو تلك المقاربة مجازفة كون أنها تخوض في بحر متلاطمة أمواجه ولاتزال، نحن نكتب هنا عن نص إبداعي ارتبط بصورة أو أخرى بثورة 25 يناير/كانون الثاني المصرية – مرت ست سنوات عليها الآن، نستنطق النص هنا بأسئلة من قراءة متونه وحواشيه، ونستنطق الكاتب أيضا بأسئلة ذات صلة، ونحن على أعتاب ست سنوات من انفجار الثورة، ونطالع يوميا مآلات ما حدث هناك في الميديا والسوشيال ميديا وربما نتساءل بيننا وبين أنفسنا، هل ما تحقق هو ما حلم به الشهداء ومن هم الآن بين قضبان السجون والمعتقلات ومن هم بين من يكتبون بيننا، كمن كتب حلما بالثورة في أقصى احتمالات تحققها؟ ست سنوات ليست بالضرورة هي السنوات التي أنتجت الرواية التي نحن بصددها الآن.

عن الحرية، عن الأمل والثورة:

*كيف تُخلق الثورة/الثورات، بالأحرى كيف تتخلّق الثورة/الثورات، في رحم الشعوب من زخم الحياة العادية، الحياة اليومية تلك التي يعيشها أي شخص عادي مثلي ومثلك، لا يعرف كيف ولماذا ومتى وأين ومن أجل من؛ يمكن أن تتخلَّق ثورة ما، بغتة، فيتغيّر العالم؟ هل تغير العالم من قبل حقا؟ كم مرّة في العمر يمكنك أن تحظى بعالم متغير، بعالم تغيّر فعلا ولو لمرة واحدة؟ كم ثورة حقيقية يمكن أن يشهدها شخص عادي مثلي ومثلك، بمقدورها أن تغير العالم فعلا؟ ربما كان الأمر ـ مختلفا عني وعنك ـ نسبة للفيلسوف وللسياسي المحترف ولأناس من شاكلة أن يزعم بعضهم أنهم من خُلاق الثورات لا صُنّاعها، من يسهر يوميا ـ مرّ التاريخ ـ على ضوءٍ خاص؛ يضع الساق على الساق ويتأمل الكوكب، يقولب الزوايا أو يدرس على طاولة صدئة جمجمة الوقت؛ لكن ماذا عن الفنَّان؟ ليس الفنان مجردا، ليس أي فنان، الفنان ملتحما بالحياة في كينوناته المتعددة والمختلفة.
حياة مستقلة للنص في اللغة:
في رواية «سبع جنات» للكاتب منير مطاوع تتكشف لنا عوالم «سلطان» وهو فنان تشكيلي درس الفنون الجميلة وبرز نبوغه الفني منذ وقت باكر في دراسته، من خلال فن البورتريه تحديدا، وعمل رساما في مجلة، اسمها «الوعد»، مفضلا العمل الصحافي بوصفه عملا حرا؛ حين يسقط «سلطان»- بغتة، في غيبوبة، تصبح غرفة العناية المركزة في المستشفى مسرحا لاستحضار حياته كلها، بأسرارها الخاصة والمغلقة وبتفاصيلها المعلنة، بوصفه فنانا مؤثرا ومهتما ومهموما بقضايا بلده، وبالثورة، صعود مدها وانحدارها في آن، لا أحد يروي الحكاية كلها، كل شخص في الرواية يحكي قصته وحسب، لتتشابك الخيوط، في يد حائك بارع ينسج مسرودة شائقة وممتعة عن الحب في أقصى احتمالاته، عن الحرية، عن الأمل والثورة. لكن هل البراعة في نسج أسرودة شائقة وممتعة في آن، تغني عن فتح أبواب الأسئلة على مصراعيها؛ الأسئلة النقدية الشهية التي تتفتّق حين مطالعة نص إبداعي، النص الإبداعي يستنطق الذاكرة التي تحفل بالأسئلة، حيث أن النصوص لا تنتج عن فراغ، بالضرورة، تُنْتَجُ محمّلة بذاكرة الكاتب والقارئ المعرفية معا، بالذاكرة النقدية والإبداعية، وبين ما هو نقدي وإبداعي تتخلّق الأسئلة جدليا، كما تتخلّق بالضرورة بين الكاتب والقارئ. هل في مقدور النص الإبداعي أن يكون ثورة في حد ذاته، دون أن يكون نبوءة لثورة تحققت على أرض الواقع أم لم تتحقق؟ أي، هل في مقدوره بناء حياة مستقلة في اللغة دون أن تنفرط خيوط ارتباطاتها بالحياة نفسها في الواقع، نسقا يبِّشر بثورته المستقلة لتتسق القيم التي يتبناها مع الأحداث والمواقف التي ترويها حكايته مع ذاتها أولا، دون حاجة لفحصها مقارنة بقيم المجتمع الذي زعم النص أن حكايته انبثقت عنها وتنتمي إليها بل وتعبر عنها وتبشِّر بثورتها؟

إضاءة مكتملة العتمة

في رواية «سبع جنات» نقرأ سيرة «سلطان» الفنان، بلا راوٍ، ربما لأن الرواية نفسها لا يمكن كتابتها إلا باستلاف أسلوب وطريقة نجيب محفوظ في روايته القصيرة «ميرامار»، حيث لم يك من راوٍ هناك، كانت حيلة نجيب محفوظ الروائية في «ميرامار» أن تسرد كل شخصية حكايتها بلا رقيب، ويلحظ القارئ من خلال تشابك السرديات ما هو مشترك بالضرورة من تطابق الأحداث، وما هو مختلف في تفاصيل زوايا النظر للأحداث المشتركة في الحكاية الأصل، كل من حيث موقعه في الرواية. ما يلحظه القارئ حقا في هذه الحال من أحابيل الكاتب- الراوي، هو ما يريد الكاتب أو الراوي- الخفي، أن يلحظه القارئ، في نسجه لحكاية بلا راوٍ أو بلا كاتب بالأحرى؛ هل كان بمقدور «سلطان» لولا الغيبوبة، التي تمثلها من أول في فصل في الرواية إلى آخرها، أن يتمرأى في مسرح حياته البوهيمية بوصفه فنانا تقدميا أيضا، في مجتمع شرقي محافظ، بتلك الصورة التي قدمته فيها «سبع جنات» وبذات النبل، لولا حنكة الراوي الخفي نحو استقطاب تعاطف ثوري – وإنساني، انطلاقا من مسرح الأحداث «غرفة العناية المركزة» وتوارد الشخوص تحت إضاءة مسلطة على صاحبة أو صاحب المونولوج، وإضاءة مكتملة العتمة على بقية المشهد؟

الحب والحرية:

*هل شكلت أحداث ثورة 25 يناير، حين انفجارها سنة 2011، في مصر بصورة أو أخرى، حافزا لكتابة هذا النص، لأي مدى كان هناك أثر سياسي على «الإبداعي» حقنه بطاقة ممكنة للكتابة في الحب والحرية؟ يقول مطاوع: ربما الحقيقة هي العكس، فقد كتبت الرواية قبل ثورة 25 يناير، بسنة كاملة، ربما انفعالا بالإرهاصات التي سبقت ثورة المصريين المدهشة: حركة «كفاية» و»اللجنة الوطنية للتغيير» ومسيرات القضاة وإضراب عمال المحلة الكبرى وتحركات القوى الوطنية.. ومع ذلك فهي ليست رواية سياسية. أما عن تأثير السياسي في «الإبداعي» فهو قائم على مدى تاريخ كليهما، لو قرأنا نجيب محفوظ مثلا سنجده في أعمال روائية بديعة فنيا، يتناول ويناقش ويعارض ويفضح السياسي، وإذا قرأنا ما قاله زعيم وطني رفيع مثل عبد الناصر، من أن قراءته لرواية «عودة الروح» لتوفيق الحكيم كانت من العوامل القوية لتوجهه الثوري، لالتقطنا مثالا على تأثير الإبداعي في السياسي.. والأمثلة ليست قليلة. ولا يخفى أن كليهما يسعى نحو هدف واحد، كل بوسائله، وهو الحرية والحب والتقدم والرقي الإنساني.
حملت فصول الرواية اسماء الشخصيات في شكل مونولوجات متوترة ومتقطعة، تبدأ بفصل «جنّات» حبيبته الأولى والأخيرة وتطرد الفصول التي تتناوبها خمس حبيبات أخريات بجانب «جنّات» لنكتشف إثرها أن «جنات» الأخيرة ليست سوى الحلم الذي حلم به سلطان ولم يظفر به، ربما ظفر به إثر الغيبوبة، في تحقق الثورة التي كان يحلم بها، هل كان يحلم بالثورة حقا، أم بالحبيبة المستحيلة، أم كان يحلم بالـ»الحبيبة – الثورة»/ «الثورة- الحبيبة»؟

ليست أزمنة منقطعة الأواصر:

ثمة شيء من روح العتاقة في الرواية يتجول بين السطور ويسكن جسم السرد، كيف امتزج الماضي وانصهرت عناصره بالحاضر- إن جازت العبارة؟
يقول مطاوع: يبدو أن الماضي والحاضر والمستقبل، ليست أزمنة منقطعة الأواصر، هي نسيج واحد، فما جاء في الجملة السابقة هو ماض، وما يكتب الآن حاضر، وبعد لحظة يكون المستقبل حاضرا، وفي اللحظة التي تليها يكون قد أصبح من الماضي، فهي حالات متداخلة ودوارة، ونحن نفصلها عن بعضها بعضا على سبيل الدرس والتمييز فقط، فلا مستقبل دون ماض ولا حاضر دون ماض ولا ماض دون ماض سابق عليه! فلو قطعنا هذا النسيج، نفقد القدرة على التقاط المعاني ورصد المشاعر وتصوير الحركة الدائمة، فلا يُنتج أدب ولا فن ولا فكر. والسرد في الأدب هو كل هذا النسيج، في حال كينونة وحركة ودراما.. وفي حكمة أمتنا «من فات قديمه تاه».

لا كتابة من فراغ:

السؤال القديم المتجدد، يطرح نفسه أيضا حين نقرأ بعضا من سيرة الكاتب، ونحن نطالع الرواية: «هل ثمة شيء من سيرة الكاتب يتسلل لمتن النص ولو بمقدار؟» يقول مطاوع: بالطبع الكاتب لا يكتب من فراغ، وحتى الخيال لا يأتي من فراغ، وحضور الكاتب في أعماله لا يعني تأريخاً لذاته، فهو حاضر بالضرورة بأفكاره وأسلوبه وخياله وقدراته الإبداعية وروحه وثقافته وخبراته وتمنياته ومعاناته وخيباته، وليس من كاتب لم يتسلل شيء أو أكثر، من كل هذا في ما كتب، لكن السيرة الذاتية فن آخر، وفرع أدبي له مكان آخر، مختلف عن فن الرواية.

الرواية ديوان العرب؟

في خضم تيارات عديدة ومختلفة يضج بها عالم الرواية العربية الآن، كثافة في الانتاج وتعدد أجيال ومناخات فكرية وأسلوبية، كيف يمكن أن نقرأ عملا روائيا مثل «سبع جنات» وأين يمكن أن نموضعه في بحر الرواية المتلاطم حاليا؟ يقول «مطاوع»: بالطبع ليست تلك مهمة كاتب الرواية، بل هي مهمة الناقد والباحث؛ على أي حال أعتقد أن الفوران الروائي القائم يعود في واقع الأمر لأسباب غير أدبية أو فنية أو حتى ثقافية، هو رد فعل لثورة وسائل الاتصال، وانتشار استعمال الإنترنت والمدونات من جهة، ورواج فكرة «الرواية ديوان العرب» وتفاقم ظاهرة الجوائز وركاكة بعضها.. وعجز أو اختفاء حركة النقد (إلا قليلاً) وتدهور مستوى الصحافة الثقافية، وغياب المعايير الصحيحة، لكن ذلك لن يعمّر طويلا، سيأتي وقت، أرجو أن يكون قريبا، تعود فيه الأمور إلى وضعها الصحيح.. فالبقاء لما يستحق أن يبقى.. ولا يصح إلا الصحيح».

أخيرا:

أخيرا، ننتظر أن نقرأ ما يجود به النقاد والباحثون حول رواية «سبع جنات» يقول مطاوع: لن يطول انتظارالقراء لمطالعة أعمال جديدة، هناك رواية تحت الطبع الآن لدى هيئة الكتاب المصرية تحت عنوان «أنا لست هاني الحلواني» وتعرض لنموذج بشري لا يتعرّض له الروائيون كثيرا لأنه من طبقتهم، هو المثقف الانتهازي. وهناك رواية ثالثة «البحث عن الشمس» لدى الناشر محمد هاشم، عن أجواء الصحافة العربية في لندن، لا أعرف موعد صدورها بعد، ورابعة «معجزة زماننا»عند الدار المصرية اللبنانية.

٭ شاعر وصحافي سوداني مقيم في لندن

«سبع جنّات» للمصري منير مطاوع: هل ما زال «سلطان» في غيبوبته يحلم بالنصر؟

الصادق الرضي

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *