«سطوة النَص… خطاب الأزهر وأزمة الحُكم» لبسمة عبد العزيز: أزمة المؤسسة الدينية في ظِل السلطة السياسية

القاهرة - «القدس العربي»: للمؤسسات الدينية في المجتمع المصري سُلطة راسخة، وبالتالي يُشكل خطاب هذه المؤسسات قوة فاعلة في حياة المصريين. ويأتي الأزهر على رأس هذه المؤسسات، خاصة أنه يمثل الجهة الرسمية في صياغة المفاهيم والرؤى، التي تباركها الدولة وتعترف بها.

«سطوة النَص… خطاب الأزهر وأزمة الحُكم» لبسمة عبد العزيز: أزمة المؤسسة الدينية في ظِل السلطة السياسية

[wpcc-script type=”6f072e79bac5b322c9e948bf-text/javascript”]

القاهرة – «القدس العربي»: للمؤسسات الدينية في المجتمع المصري سُلطة راسخة، وبالتالي يُشكل خطاب هذه المؤسسات قوة فاعلة في حياة المصريين. ويأتي الأزهر على رأس هذه المؤسسات، خاصة أنه يمثل الجهة الرسمية في صياغة المفاهيم والرؤى، التي تباركها الدولة وتعترف بها.
تحاول الباحثة بسمة عبد العزيز في مؤلفها المعنون بـ»سطوة النص.. خطاب الأزهر وأزمة الحُكم»، أن تتطرق إلى دور الأزهر كأهم مؤسسة دينية في مصر، من خلال مواقفه من الأحداث السياسية، ومدى تفاعله مع هذه الأحداث، ودرجة التواطؤ مع السلطة السياسية، واعتناق وجهة نظرها، ومحاولاته إقناع الجمهور بها، نظراً لأن الخطاب بالأساس يستند إلى ما يوحي بالأساس الديني. واعتمدت المؤلفة في الكتاب منهج التحليل النقدي للخطاب ــ الكتاب في الأصل كان بحثاً لنيل درجة الماجستير، لكن الجامعة رفضته في النهاية حسب قول المؤلفة ــ هذا المنهج الذي تراه مناسباً تماماً للموضوع، حيث يلفت الانتباه نحو السلطة وعلاقاتها، وكشف أساليب السيطرة والهيمنة الاجتماعية التي تحققها من خلال اللغة، وبالتالي تصبح المؤسسة الدينية أحد أوجه السلطة المؤثرة في المجتمع، كما أنها تتفاعل مع سلطة أخرى هي السلطة السياسية. صدر الكتاب بداية هذا العام، عن دار صفصافة للنشر، في 296 صفحة من القطع الكبير.

من 25 يناير وحتى انتهاء حُكم الإخوان

حاول الأزهر أن يكون محايداً ويُصدر عبارات تحث على تلاحم طوائف الشعب، وتحريم الدم، ومباركة سُلطة ولو في فترة انتقالية ــ سلطة المجلس العسكري ـ رغم أحداث ماسبيرو ومحمد محمود، إلا أن هذه اللهجة في الخطاب تغيّرت إبان حُكم الإخوان، فخطاب الأزهر في تلك الفترة لم يكن داعماً لشرعية السلطة القائمة، المُمَثلة في جماعة الإخوان المسلمين، ولم يقف أمام الداعين للخروج عليها، خاصة حملة (تمرّد) الذي تفاعل الأزهر تماماً مع خطابها. إلا أن هناك جبهات خرجت عن الأزهر نفسه، مثل (علماء ضد الانقلاب) و(جبهة علماء الأزهر)، والأخيرة لم تكن مُستحدثة أو وافدة على المؤسسة الدينية، بل كيانا قديما، لكنها لم تكن تتصدر المشهد، نظراً لمواقفها التي لم تلق في مُجملها الترحيب، وهنا أصدرت الجبهة بياناً شديد اللهجة، جاء فيه، «إن الفتنة التي ألمّت بالأمة نتجت عن غفلة الصالحين وكيد المتربصين ومكر الطامعين، وقد كان لفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر سهم وافر في ذلك».
ورداً على ذلك أعلن مجمع البحوث الإسلامية أنه لا يوجد ما يُسمى بجبهة علماء الأزهر، مُشيراً إلى أن الأشخاص الذين يدّعون انتماءهم لها، لا يمثلون الأزهر. من ناحية أخرى أفتى (القرضاوي) بصفته رئيساً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأن الخروج على حاكم منتخب حرام شرعاً، فقام أعضاء هيئة كبار العلماء بالرد، حتى تم إسقاط عضوية القرضاوي من عضوية هيئة كبار العلماء، مع امتناع شيخ الأزهر عن التصويت.

نيّة الاعتكاف

أعلن شيخ الأزهر تزامناً وأحداث الحرس الجمهوري عن احتمالية لجوئه إلى الانسحاب من المشهد العام، قائلاً إنه «قد يجد نفسه مُضطراً إلى الاعتكاف في بيته إذا استمرت أعمال العنف». وهو سابقة غير مألوفة للمؤسسة الدينية الإسلامية، على العكس من مثيلتها المسيحية. إلا أن الأزهر لم يتخذ سوى دور الوسيط، وبدون أن يتضمن خطابه مبادرة واضحة المعالم، وبدون أن يتورط في تفاعلات أكثر عمقاً، هذا الموقف يتعلق بأحداث رابعة.

الموقف من شيخ الأزهر

لم تلبث ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني أن وضعت شيخ الأزهر في محل اتهام، باعتباره جزءاً من النظام السابق، لكنه نجا من محاولات العزل أو الإقصاء. لكن الأمر عاد مرّة أخرى بسبب موقفه من عزل محمد مرسي، وهنا أصبحت عدة جهات تدافع عن الأزهر وشيخه، وجهات أخرى تنتقد موقفه وموقف الأزهر في لهجة شديدة.

تحليل الخطاب

ومن خلال تحليل اللغة في نصوص الأزهر تستكشف المؤلفة طبيعة هذا الخطاب ومدى ما يمثله من سلطة، تتفق مع السلطة السياسية والعسكرية، أو تنفي ما عداها من خطابات دينية معارضة، بألا تقوم بتسميتها على سبيل المثال، كان يكتفي الخطاب بالتوصيف، مثل «الفرق المنحرفة»، وهو صراع بالأساس على شرعية وأهمية التمثيل، وهو صراع بالأساس على امتلاك السلطة، لأن الممثل الشرعي للسلطة الإلهية والمتحدث باسمها، يمتلك بالضرورة خطاباً غير قابل للنقض أو المراجعة. من ناحية أخرى تقوم المؤلفة بإحصاء بعض المفردات في هذه الخطابات، محاولة اكتشاف دلالتها.. كتوجيه الخطاب إلى (المصريين) أو (الشعب)، وبالتالي لا يأتي أي تصنيف على أساس ديني، كذلك محاولة رسم صورة قومية للمؤسسة الدينية، وهو ما يسهم عن طريق غير مباشر في دعم خطاب السلطة السياسية الحاكمة.

تحوّل الخطاب وتوابعه

وتواصل المؤلفة في دأب تقصي أوجه خطاب مؤسسة الأزهر، فترى على سبيل المثال أن خطاباته التي اتسمت بالدعوة إلى الحوار، اختلفت بعد تبدّل مواقع السلطة عما قبلها، مع اختلاف أهداف ودوافع هذه الدعوة، فكانت دعوة الحوار قبل الثالث من يوليو/تموز تستهدف إيجاد حل للرفض الشعبي لحكم الإخوان، أما بعد عزل الرئيس محمد مرسي فالدعوة استهدفت التراضي على الوضع القائم، وتأييد نظام الحكم الجديد. حتى أن بيان عزل الرئيس، الذي ألقاه وزير الدفاع وقتها، كان في حضرة شيخ الأزهر نفسه.
فمن الدعوة إلى المصالحة، إلى الدعوة بتفويض في مواجهة عنف وإرهاب، وهو ما يوضح إلى أي مدى تبدو علاقات السلطة بين المؤسسة الدينية والمؤسسة العسكرية، ولا يخفي إذعان الأولى للثانية. الأمر نفسه لا يختلف عند التعرّض إلى الأجهزة الأمنية، ففي أحداث الحرس الجمهوري والنصب التذكاري، يصفها الأزهر بـ (التصرفات الدموية)، ومرتكبيها بـ(المجرمين). بينما تبدّل الموقف في أقل من شهر، ليصبح دعماً ومُساندة للأجهزة الأمنية ورجالها، ذلك بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة.

الحراك الثوري ومأزق الخطاب

وجدت المؤسسة الدينية نفسها في مأزق بمجرد اندلاع ثورة 25 يناير 2011، ذلك لأنها تمجد السلطة الأبوية، ولا تستطيع تصوّر وجودها، إلا من خلال هذه السلطة، التي لا تتجلى إلا من خلال السلطة السياسية، فأخذت موقفاً مضاداً في بداية الثورة، ثم القبول الاضطراري وعلى استحياء، ثم الارتداد ومعاودة الرفض، مع كل هزة تصيب الثورة. فالثورة في الأخير تعني انهيار السلطة الاجتماعية للمؤسسة الدينية تماماً.
لكن هذا لم يمنع الخروج عن هذه السلطة الأبوية في فترة حُكم الإخوان. فالعداء واضح ما بين السلطتين، على العكس من حالة الإذعان التي تتنفسها المؤسسة الدينية أمام السلطة العسكرية، التي تحوّلت إلى سياسية بعد ذلك.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *