شهداؤنا في الجنة قتلاهم في الجحيم

ثمةَ وجهانِ يتوازعانِ المشهدَ: أحدهما حالمٌ يقترب من الطوبى، وآخر واقعي، أو هكذا يراد منه، ليكونَ الصورة العقلانية بمواجهةِ الطوبى والتهويم، داخل كلّ صورة تيارات عدة باردة وحارة، متصادمة حيناً ومتوافقة حيناً، وهو ما يجعل التشكيكَ بأصالة كلّ الصور أمراً ممكناً ومفزعاً في الآنِ ذاتهِ، أبداً لا صحةَ في القول: «وجهانِ لعملة واحدة» هذا الشائع خطّاءٌ وفتاكٌ إذ يساوي بينَ أمرين مختلفين، تيارين متنافرين، في ما لو تجاذبا ولدّا طاقة حسنة، أما في حالهما الحالية، سيولدانِ تصادماً تعقبهُ شرارة، ثمّ تشتعلُ النار، هذا في التوصيفِ الذي يسبقُ الحقيقة، ويلي الواقعة بتداول طرفي الأزمةِ النفسية لها: الحالم والواقعي على حدّ سواء.

شهداؤنا في الجنة قتلاهم في الجحيم

[wpcc-script type=”78625ecbed40343158040695-text/javascript”]

ثمةَ وجهانِ يتوازعانِ المشهدَ: أحدهما حالمٌ يقترب من الطوبى، وآخر واقعي، أو هكذا يراد منه، ليكونَ الصورة العقلانية بمواجهةِ الطوبى والتهويم، داخل كلّ صورة تيارات عدة باردة وحارة، متصادمة حيناً ومتوافقة حيناً، وهو ما يجعل التشكيكَ بأصالة كلّ الصور أمراً ممكناً ومفزعاً في الآنِ ذاتهِ، أبداً لا صحةَ في القول: «وجهانِ لعملة واحدة» هذا الشائع خطّاءٌ وفتاكٌ إذ يساوي بينَ أمرين مختلفين، تيارين متنافرين، في ما لو تجاذبا ولدّا طاقة حسنة، أما في حالهما الحالية، سيولدانِ تصادماً تعقبهُ شرارة، ثمّ تشتعلُ النار، هذا في التوصيفِ الذي يسبقُ الحقيقة، ويلي الواقعة بتداول طرفي الأزمةِ النفسية لها: الحالم والواقعي على حدّ سواء.

الوجهُ في مواجهةِ الوجه
الوجهُ في مواجهة نفسهِ:

ينقسمُ السوريونَ ثقافياً إلى عالمين، عالمٌ يرىَ في نفسهِ أهل الحقيقة والحقّ، وسوّق من قبلِ أهل الحلّ والربط إعلامياً على أنّهم كذلكَ، فعاشوا الدور، وصار اجتماعياً تتلقّفُ مقولاتهم ولطمهم وترحمهم وذمهم وأهواؤهم على أنّها صورة الإنسان السوري المثقفة والاجتماعية، والجديرة بحمل مزاج الثورة وتمثيلها بوصفِ هؤلاء العرابين سدنة لها، وهم أي السدنةُ إمّا معتقلين سابقين أو موظفين مرموقين في مؤسسات (الدولة) (مع تحفظنا نحن وهم على المصطلح بين قوسين) ثمّ أخِذ بيدهم ليكونوا المتصدرين ثانية، وتبدو عملية التغيير كما لو أنّها إعادة تدوير مع تكحيل بعض المواضع قليلا بأناس لا لسان في فمهم ولا عين لهم ترى ولا أذن تسمع، حتى يأخذ المشهد بدورهِ المشروعية ويصانَ أمامَ الهزّات بين الفترة والأخرى، إذا عرفنا أن الإنسان السوري رغم خذلان ثورته وتركها يتيمة فإنّه اكتسب صلابة ومناعة ضدَّ الخوف. العالم الآخر هو صاحب المظلومية، ليس من القوة السالبة له تاريخياً والمتمثلة في السلطة/ النظام البعثي/ الشعاراتي/ بمنظومتهِ الأمنية العصاباتية، فهو على مدى سبعِ سنوات يعتقد بتحقيقهِ شرط التحول والانتهاء، من النظامِ الذي قدّم نفسهُ كحامي حدود وكائد للأعداء، إنّما بدأت مظلومية جديدة من طبقة باطنية مختلطة الجنس، تزاوج بين الكهنوت والثيوقراطية والتوليتارية والجحيمية وهذا بغيابِ سلطتها الواقعية على الأرض، وتواجدها ضمن (مؤسسات) وهمية، وبمسميات مبهرة توحي بأنها حقيقية في حين هي ظواهر ابتزاز للثقةِ التي منحتها الطبقة المظلومةِ، أو صاحبة المظلومية للطبقةِ المتسيّدة للمشهدِ بحكم تاريخها الذي لابد وتراهُ منةً وحقّا وعلى الآخر بصورتهِ الخافتة اللون أن يكونَ مصدّقا لما بينَ أيديهم وطائعاً، والخلاف هنا: قبلَ التحول كان طائعاَ غير مقتنعٍ، وفي الراهن طائع يائسٌ إذ لسان حاله يقول: «ماذا بعد هذا»؟
ماذا بعدَ هذا؟
تكادُ الصورتانِ أنْ تندغما في أماكن كثيرة، تطوش البوصلةُ، وتتماهى التوصيفات، وأنفسهم الرعاة الثقافيون ينزلقونَ إلى طائفيتهم أو قوميتهم أو مناطقيتهم، فيسير خلفهم قطيعٌ، لا يشاكلهم في أمرٍ ولا يحاججهم، ويصبحُ القتيلُ الشبيح في نظر آخرين شهيداً، ويصبحُ الشهيد قتيلاً ولا يجوز الترحم عليهِ، ولو لهم من الواقع أرضاً، سيتركون جثته لوحوش الفلاة تنهشها.
إلى الآن ثمة سوريون لا يعرفونَ جيداً مناطقهم وثيمة كل منطقة، ولهذا ترى على سبيلِ المثال عندما يتم الحديث عن كردية الجزيرة يصفق الكثيرون منهم، دونَ إيلاء الأهمية لمقالاتهم أو تنظيراتهم التي تجانب الحقيقة لصالح طرف دون غيره، والحقّ هو تناول موضوع كهذا ضمن معطاه وسوريته ومن ثمّ مساندة مفاهيم كالفيدرالية أو غير ذلك، لأن شحناً ما في ما لو لم يؤخذ بالمكونات والقانون والسياسة وتاريخية وجود الجميع، سيؤدي إلى حرب أهلية، سيتحمّل هؤلاء المتسرعون بالموافقة على ما تطرحه فصائل مشكوك بأمرها جزءاً من كارثيتها، على أنّ هذا يساق مثالاً على مناطقَ كثيرةٍ، وهو ما جعلَ الفرقةَ أكبر والهوة أوسع، واتسعَ الرتق على الراتق، وصار على السوري أن يدقق في هوية الضحية من أي قومية أو طائفة أو منطقة قبل القول: «رحمه الله»، وعليه إجراء بحث يطول الظروف المحيطةِ بالواقعة ليطلق لفظة شهيد، ويدعو له بالجنة أو لفظة قتيل ويدعو له بالدركِ الأسفل في الجحيمِ.

شهيد وشهيد
قتيل وقتيل:

تزخم وسائل التواصل الإجتماعي، ويمكن القول عنها وسائل التقاتل الاجتماعي بشدّ الشعر بين طرفٍ يرى في مراسل القناة الروسية، الذي قضى حين مرافقته لسير المعارك شهيداً وطرف يراه قتيلاً ومثلبة لمن يترحــــــم عليه، ويتزامن في هذا خبر تصفية الخبير في البرمجيات الفلسطيني السوري باسم خرطبيل، الذي يتفق الجميع على الترحم عليه باعتباره قضى تحت التعذيب، ومهما يكن من أمر هذا التعاطي نجد أنّه بعدَ مئات الآلاف من المعتقلين والضحايا، لا تذكر إلّا اسماء قلة، والأمر لا يحتاج تحريّا عنها فذكرها يرجع إلى الشخصنةِ والعلاقة المباشرةِ مع من تمّ توصيفهم كأدوات تمّ تدويرها، وتمــــوضعت في أماكن يحسبُ حسابها وصار تزلف الآخرين لها جزءاً من منظومة التفكير الجديدةِ. وإلا ما معنى تهميش قصص وحكايا بأبطالها الذين يفوقون القلة المروّج لها، قصص وأبطال حقيقيون يتبادل قصصهم أناس من طبيعتهم في حين تتعالى عليهم النخبة.

٭ شاعر وناقد سوري

شهداؤنا في الجنة قتلاهم في الجحيم

محمد المطرود

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *