شهدتها القاهرة مؤخراً وتنوعت بين الفوتوغراف والتشكيل: معارض فنية تتلمس حياة المصري في يومه العادي

القاهرة ــ «القدس العربي»: عدة معارض تشكيلية شهدتها القاهرة مؤخراً، تنوعت بين الفوتوغراف والرسم بالألوان الزيتية والمائية. إلا أنها اجتمعت على تلمّس حالات الإنسان المصري في يومه العادي. لا بطولات زائفة لشخصية ما، ولا احتفاء بحالات استثنائية، الاستثناء الوحيد هو معجزة كونهم يواصلون محاولاتهم لخلق صيغة للحياة يواصلون من خلالها رحلتهم. نساء ورجال وأطفال من فئات اجتماعية تمثل أغلبية المصريين، والاحتفاء بهم من خلال الفن، دون مبالغات أو تسويق سياحي لما هو معهود في السائد من الأعمال التي تتناول المصري كموضوع فني. الملمح الآخر لهذه الأعمال المتباينة هو الحِس الإيماني لدى الشخصيات، والواضح في أغلب اللوحات، هناك صِلة ما بين ما يحدث على الأرض، وبين الأمل المُعلق في السماء، يقين يُثير الدهشة، لكنهم يعيشونه ويحيون من خلاله. هذا الانطباع يأتي بداية من اقتراب وإحساس الفنان بموضوع، ومعرفته التامة بالعالم الذي يُعيد تجسيده عبر لوحاته، فلا وجود لحالة التعالي التي يمارسها الفنان على شخصياته وعالمهم ــ وهي سِمة الكثير من الأعمال الفنية ــ هذا التواصل خلق حالة من التآلف بين الفنان وعمله وفي الأخير المُتلقي. سنتخيّر ثلاثة معارض تجمعها هذه الملامح، الأول معرض الفنانين عزيز ومحسن رفعت، بعنوان «ألوان مائية»، والذي أقيم في قاعة زياد بكير، في دار الأوبرا المصرية. والثاني معرض فوتوغرافي للفنان مصطفى الشرشابي بعنوان «على اسم مصر» أقيم في ساقية الصاوي، والأخير معرض الفنانة أماني زهران، الذي أقيم في قاعة صلاح طاهر، بدار الأوبرا المصرية، بعنوان «حالة».

شهدتها القاهرة مؤخراً وتنوعت بين الفوتوغراف والتشكيل: معارض فنية تتلمس حياة المصري في يومه العادي

[wpcc-script type=”2274a2c6684a6cdf3c0432b2-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: عدة معارض تشكيلية شهدتها القاهرة مؤخراً، تنوعت بين الفوتوغراف والرسم بالألوان الزيتية والمائية. إلا أنها اجتمعت على تلمّس حالات الإنسان المصري في يومه العادي. لا بطولات زائفة لشخصية ما، ولا احتفاء بحالات استثنائية، الاستثناء الوحيد هو معجزة كونهم يواصلون محاولاتهم لخلق صيغة للحياة يواصلون من خلالها رحلتهم. نساء ورجال وأطفال من فئات اجتماعية تمثل أغلبية المصريين، والاحتفاء بهم من خلال الفن، دون مبالغات أو تسويق سياحي لما هو معهود في السائد من الأعمال التي تتناول المصري كموضوع فني. الملمح الآخر لهذه الأعمال المتباينة هو الحِس الإيماني لدى الشخصيات، والواضح في أغلب اللوحات، هناك صِلة ما بين ما يحدث على الأرض، وبين الأمل المُعلق في السماء، يقين يُثير الدهشة، لكنهم يعيشونه ويحيون من خلاله. هذا الانطباع يأتي بداية من اقتراب وإحساس الفنان بموضوع، ومعرفته التامة بالعالم الذي يُعيد تجسيده عبر لوحاته، فلا وجود لحالة التعالي التي يمارسها الفنان على شخصياته وعالمهم ــ وهي سِمة الكثير من الأعمال الفنية ــ هذا التواصل خلق حالة من التآلف بين الفنان وعمله وفي الأخير المُتلقي. سنتخيّر ثلاثة معارض تجمعها هذه الملامح، الأول معرض الفنانين عزيز ومحسن رفعت، بعنوان «ألوان مائية»، والذي أقيم في قاعة زياد بكير، في دار الأوبرا المصرية. والثاني معرض فوتوغرافي للفنان مصطفى الشرشابي بعنوان «على اسم مصر» أقيم في ساقية الصاوي، والأخير معرض الفنانة أماني زهران، الذي أقيم في قاعة صلاح طاهر، بدار الأوبرا المصرية، بعنوان «حالة».
لقطات ليست تذكارية
تكمن قيمة الفوتوغراف في اللحظة التي تخلدها، هنا يبدو حِس الفنان ووعيه، ويبدو أن الفنان مصطفى الشرشابي يمتلك الكثير من هذا الحِس، عنوان المعرض يوحي بمِسحة سياحية ــ ما عهدناه للأسف من أي عنوان يُذكر به اسم مصر ــ لكن الرجل احتفى بالإنسان والحجر والأثر المصري، دون دعاية أو تسليع، لقطات يكمن عمقها في بساطتها، والتلقائية الظاهرة، التي يتخفى وعي صاحبها خلفها بالطبع. لحظات تبدو عادية ومتكررة يومياً، لكن من خلال الصورة يمكن إعادة قراءة المألوف، الذي من كثرة اعتياده أصبحنا لا نراه. مجموعة تتناول الإطار أمام عربة الفول الصباحية الشهيرة، أو امرأة تجلس في زيّها الفلاحي أمام الفرن، نقش آية قرآنية على أثر قديم، لطالما مررنا أمامه بلا مبالاة، وكأنه نقش فوق مقبرة، إلا أن وجوده يتأكد من خلال الصورة، ولو في أعيننا على أقل تقدير. زوايا اللقطات تشير إلى دلالات ووعي صاحبها، لكَ أن تفسر أو تستنتج كما تشاء، الزاوية المرتفعة والعين التي تطل على مجموعة المخاليق المُتحلقين حول الطعام، وكأن السماء تطل عليهم، أو نيران الفرن في العمق، والخط الواصل بينها وبين وجه المرأة الجالسة. كلها للإيحاء بعالم أكثر عمقاً من مجرد لقطة فوتوغرافية تم التقاطها كيفما اتفق.
لحظات العمل
معظم اللوحات في معرض «ألوان مائية» للفنانين عزيز ومحسن رفعت، جاءت لتجسد لحظات العمل في حياة المصريين، ومن خلال بيئات مختلفة ومهن متباينة، الريف والمدينة وعالم الصحراء، الاحتفاء بهؤلاء وعوالمهم، راعيات الأغنام/ عمال بناء البنايات الشاهقة في المدن، الفلاحات وعملهن. الجميع هنا في لحظة فعل، بينما الفنان من بعيد يرقبهم. وجهة النظر هذه في التناول خلقت حالة تامة من الاستغراق في تفاصيل ما يقومون به، وهو ما انعكس على المُتلقي، وكأنه فجأة يصبح داخل عالمهم، لا توجد شخصية في اللوحات تنتبه لعين ترصدها، فقط تعمل وتفعل. من ناحية أخرى نجح الفنانان في تجسيد هذه اللحظات، من خلال تقنية الألوان المائية، وهي تقنية تتطلب حرفية كبيرة لصعوبتها، ضربة فرشاة لم تضل في الغالب عن تجسيد التفاصيل. كذلك محاولات خلق إضاءة من خلال ما يوحي به المشهد البصري، كأن تصبح الشمس في بيئات الريف أو الصحراء، حيث المساحات الواسعة وتنوع الألوان الأخضر والأزرق في الأولى، أو الأخضر والأصفر في عالم الصحراء. على العكس من تفاصيل عالم المدينة، ومساحات الإسمنت الصمّاء.
«حالة» أماني
كل ما سبق من تفاصيل أو وجهة نظر ترى الحياة بعين المصريين الحقيقيين، يمكن أن نجدها في أعمال أو «حالة» الفنانة أماني زهران. هنا من الواضح تماماً التآلف ما بين عالم السماء والأرض، والآمال المعقودة على السماء في ظِل المعاناة الشديدة على الأرض. لا استجداءات هنا، بل حالة من التسليم الخفي، دون التهاون في المواصلة والسعي الدائم. ما بين العمل والرقص واللعب يتشكل الخط العام للوحات، أطفال في أراجيح الموالد والمناسبات الدينية في الريف، وجوه من الجنوب، حالات السعي اليومي للبحث عن ضروريات الحياة (الرحلة الشاقة للحصول على اسطوانة الغاز مثلاً)، فعل بسيط، لكنه يجسد شقاء لا يُحتمل، يبدو ذلك في وجه الشاب، أو المرأة العجوز المُنكفأة فوق الاسطوانة، في قِلة حيلة. لكن هناك عالم أرحب وأجمل نلتقيه في الرقص والغناء الصوفي، بحثاً عن حالة من التوازن أو التماهي ما بين الإنسان ووجوده، لحظات من الممكن أن يتنفس الإنسان فيها على هواه، أو كما خلقه ربّه. تلعب زهران هذه اللعبة حت من خلال بعض اللوحات القليلة التي تجيد تكوينات من أدوات فخارية ــ أعمال الطبيعة الصامتة ــ البحث عن دائرة، سواء دائرة يخلقها المتوسل بالفن الصوفي في نفسه أو من خلال رقصاته، أو من خلال زاوية النظر وتراص الجرار الفخارية، فهي أيضاً تتشكل في دائرة، وكأنها في حالة من التآلف والتناغم الكبيرين. وإن كانت الدائرة تبدو مباشرة في هذه الأعمال، والإيحاء بمدلولها، إلا أنها تأتي على استحياء في لقطات أخرى، كالأطفال وهم يجتلسون أحجار وسلالم أحد البيوت في الجنوب، الأقبية مع وجوههم ونهاية أجسادهم تشكل دائرة. هذا التوازن لا نجده على سبيل المثال في اللقطات التي تجسد رحلات الشقاء اليومي، التي لا تفرّق ما بين رجل أو امرأة. ما يميز حالة الفن الصوفي في هذه الأعمال أنها تبدو تلقائية وغير مُفتعلة كما يحدث في الكثير من الأعمال الفنية الحالية، الأمر الذي أصبح يُشبه الموضة إلى حدٍ كبير، لا يخلو عمل فني إلا ويستغرق في تهويمات غير مُبررة عن الصوفية وعالمها. وفي لفتة ذكية تستشهد الفنانة برموز الغناء الصوفي المؤثرين كالشيخ أحمد التوني، والذي تقترب ملامحه كثيراً من ملامح أغلب المصريين، فلم يكن دخيلاً على عالم اللوحات، أو فقط تعبيراً عن حالة أو مقولة تريد الفنانة تجسيدها.
التفاعل مع الأعمال الفنية
هناك حالة من التباعد بين الجمهور والأعمال التشكيلية، ذلك ما رسّبته العديد من الأعمال في وعي المتلقين ــ المتلقي العادي ــ باستغلاق هذا الفن عن الجماهير، ولهم الحق، فالفنان التشكيلي قلما يهتم بقطاع عريض من الجمهور العادي، فقط ببعض النقاد وطلبة الفنون والأصدقاء، إضافة إلى التعالي المزمن على الجمهور، والذي في الأغلب يتخذهم وسيلة لعمله. الأمر أشبه برجل ثري يتحدث ليل نهار عن الفقراء وعالمهم، وماذا قدّمت؟ ألا ترى إنني أتحدث! فلا يعرفهم ولا هم يعرفونه أو يهتمون به، وبالتالي تأتي قائمة الاتهامات أولها وأبسطها تجهيل المُتلقي، وأن ما يُنتجه من فن لا يجد صداه في مجتمعه!! فالمشكلة مشكلة الفنان في المقام الأول، عليه أن يبدأ بالتواصل ولا يفقد الأمل، خاصة وأن تراث طويل من القطيعة خلقته بعناد أجيال تسبقه بكثير.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *