صالون الشباب الـ (27) أقيم في قصر الفنون دار الأوبرا المصرية بمشاركة 171 فنانا: أعمال فنية معظمها مُفتعَل يدّعي التجريب
[wpcc-script type=”6674e178b20eb96e27f2aee5-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: تعود أهمية صالون الشباب لكونه البوصلة الحقيقية لرؤية الجيل الجديد وأفكاره من شباب التشكيليين المصريين، كذلك كيفية صياغة هذه الأفكار من خلال تجربة فنية جمالية لها دلالتها. من ناحية أخرى يُفترض في هذه الأعمال أن تمتلك روحاً على قدر كبير من الجرأة والسعي إلى التجريب، إلا أن الملمح الرئيسي في أعمال هذا العام هو المزيد من التقليد لأعمال وأفكار غربية، أو مُنتحلة لأساتذة مصريين، قام أغلبهم أيضاً بنقل أفكار بعينها وتقليدها في تهافت. لم يشفع المظهر الصاخب لهذا العمل أو ذاك، أو اللافت للوهلة الأولى، والذي مع التدقيق نكتشف قدراً كبيراً من التماثل أو التكرار لأعمال سابقة، أو أن هذه الأعمال هي الأساس الذي انطلق منه الفنان. هذا لا ينفي وجود تجارب حاول أصحابها أن يكونوا أنفسهم، وأن تصبح تجربتهم الجمالية قاصرة على عالمهم وموهبتهم وأفكارهم، حتى وإن طال هذه الأفكار بعض التشوّش والقصور، لكنها تجربة الفنان في جميع الأحوال. ولنا محاولة استكشاف الخطوط والأفكار العامة للأعمال المشاركة ومناقشة أفكار أصحابها. كذلك رؤية الدولة مُتمثلة في وزارة الثقافة إلى الفن والحالة الفنية في مصر الآن.
الرؤية الفكرية والجمالية
شارك في الصالون ــ حسب بيان مسؤوليه ــ 171 فنانا بأعمال وصلت إلى 189 عملاً فنياً، تنوعت ما بين التصوير والنحت والتصوير الرقمي والتجهيز في الفراغ، وأعمال الغرافيك، والخزف والفيديو آرت، وأقيم لمدة شهر، وانتهى في الثلاثين من كانون الأول/ديسمبر الفائت. ومع تنوع المجالات والتقنيات تتواتر الأفكار الغارقة في التقليدية، رغم الإصرار على الإيحاء بمدى التجريب وتجاوز الشكل التقليدي الذي نطالعه في العديد من المعارض الجماعية مؤخراً، خاصة التي تتم بمشاركة الشباب الفنانين، إلا تجارب قليلة يمكن أن تخرج عن هذا النطاق. لم يشفع الصخب التقني أن يخفي قصور الفكرة أو عدم القدرة على صياغتها، فالإدهاش عن طريق التقنية وتعقيدها المقصود هو سمة هذه التجارب. ويرد على ذلك أعمال بعض الفنانين التي انتصرت للفكرة أولاً واتسمت ببساطة وعمق التقنية، هنا يمكن اكتشاف مدى الوعي الفني، وأن الفنان تمكن من فكرته التي اتضحت في مخيلته أولاً، بغض النظر عن تهويمات فنية، وهلوسات لونية تدّعي شكلاً جمالياً لم يتحقق إلا في مخيلة صاحبه فقط. قد نتفق وذكريات الطفولة وبعض من ملامح حيوات قديمة لأشخاص يحضرون من جانب أوراقهم الرسمية، كالبطاقة الشخصية وبعض أجزاء من ملابس، كذلك حالة السخرية من السلطة، وهذا الكرسي السلطوي الذي يجتلسه في مهابة تتنافى وملابس وملامح مُهرّج أو هيكل عظمي، كما في عمل الفنان أحمد داود. بخلاف الأعمال المباشرة والأسماء التي حملتها كالحرية والحلم والصمت، لنصل في النهاية إلى عمل أو عدة أعمال تحمل اسم «بدون عنوان».
ولا ندّعي أن يصبح الفن معادلاً للوقائع التي نعيشها، أو يكون ترجمة مباشرة لما نحياه، ولكن أن يصبح بعيداً واغترابياً عن مناخنا السعيد العام، فهو أمر يثير التعجب، أكثر ما يثير الدهشة، بما أننا نتحدث عن أعمال فنية.
أعمال النحت والتصوير الرقمي
ربما جاءت أعمال النحت والتصوير الرقمي في شكل مقبول إلى حدٍ كبير، وقد اتسم بعضها بالحد الأدنى من الادعاء، وحاول أصحابها التواصل مع المتلقي، دون ادعاء إبهام مقصود. كما أن موضوع الأعمال جاء تجسيداً لهموم أصحابها، وبحثهم عن لحظة آنية، وإقامة حوار مستمر ووعي المتفرج، كأن يتم إدهاشه من خلال ما يراه ويعرفه، لا من خلال التجهيل المقصود أو اللعب الفارغ بدعوى الفن. نذكر هنا أعمال كل من الفنانين، ثامر ناثان، وسارة فؤاد، وأحمد عباس، ونيللي الشرقاوي، ومحمد عبد الناصر.
فراغ في التجهيز
«فراغ في التجهيز» كانت هذه العبارة هي التي قالتها فنانة تشكيلية صديقة، تعليقاً على مُجمل الأعمال المعروضة، والتي انتمى أغلبها إلى الصخب الفارغ. ويبدو العمل المتميز للفنانة آية عبد المنعم، والموسوم بـ «بيت» ليدل على وعي حاد بالتفاصيل وكيفية توظيفها، إضافة إلى اهتمامها بالضوء والصوت، غير الدخيلين على العمل، بل من أهم مفرداته، كذلك استغلال المكان، والذي حوّلته بدوره من طرقة ضيقة في مكان العرض إلى حارة في أحد الأحياء الشعبية، وأكسسوارات تتفاعل تماماً مع هذه البيئة وأصحابها.
الدولة وسياساتها الفنية
الانطباع العام للمعرض يبدو في البحث عن معيار يتم من خلاله اختيار الأعمال المشاركة، لا يهم أن يكون الفنان من الدارسين النظاميين للفن في الكليات المتخصصة، أو أحد أعضاء هيئة تدريس في هذه الجامعة أو تلك ــ وهم كُثر ــ حتى يتم قبول أعمالهم بالمشاركة، وهي لم ترتق لمستوى الكثير من أعمال لم يدرس أصحابها الفن بشكل أكاديمي. من ناحية أخرى يبدو أن أهمية الحدث والدعاية الإعلامية له في الصحف أهم من النتائج الفعلية للحدث نفسه، أو الهدف منه. فيكفي التهليل في الصحف، ويكفي أن يحضر وزير الثقافة في الافتتاح والختام، حتى يُكتب النجاح لأي مظهر ثقافي تقيمه الدولة وترعاه. ورغم صعوبة النشاط التشكيلي ــ خاصة في حال الأجيال الجديدة ــ من إقامة معرض شخصي أو حتى جماعي، إضافة إلى التجاهل المُتعمّد للعديد من الأصوات الجديدة الواعدة، والتي لا تمثل سوى نفسها، ولا تتبع تقاليد فارغة وموهمة بحداثتها، أو ما بعد حداثتها حتى نكون على مستوى الحدث. كم من هذه الأصوات يعانون بعيداً عن مهازل مظلة الدولة الثقافية، ويصبحون تحت رحمة هذا المسؤول الفنان أو ذاك، لأنه يريد الفنان الشاب على شاكلته، وأن يلتزم بنصائحه ووصاياه ــ أوامره بالمعنى الأدق ــ حتى تتم مشاركة عمله في هذه المسابقة أو عدة مسابقات على شاكلتها، وبالطبع ستكون النتائج منسوخات من أفكار مسؤولي لجان الاختيار، أو بالكاد لا تخرج عن نطاق تذوقهم الفني.
لم تتغير السياسات الثقافية للدولة، حتى أن الكُتيّب التعريفي الخاص بصالون الشباب الـ (27) يستقي من كلمات رئيس الجمهورية توجهاته ومعاييره الفنية، من قبيل تشجيع الشباب وما شابه من العبارات والكليشيهات بأنهم حلم الأمة ونبضها، وسواعدهم التي ستنهض عليها هذه الأمة.
الأمل الحقيقي إذاً يكمن في المؤسسات الثقافية المستقلة، وأنشطتها التي يمكن إلى حدٍ ما الوثوق بها، بالطبع ليست الثقة المطلقة، خاصة أن بعضا من هذه المؤسسات لها معاييرها بدورها، لكنها أقل وطأة من الانتساب إلى مؤسسات الدولة، والتي أصبحت في شتى المناحي الثقافية تعتمد سياسة المصالح المتبادلة، أو أصحاب الحظوة لدى هذا المسؤول أو ذاك، مسؤول عن معرض أو دار نشر، فالأمر سواء، والفنان في الأخير هو الذي يدفع من موهبته ثمناً لهذه المهازل.
محمد عبد الرحيم