صالون الشباب في دورته الـ 26 في «قصر الفنون» في دار الأوبرا المصرية: أعمال تقليدية تتخبط في مسارات التجريب التقني

القاهرة ـ «القدس العربي»: يعتبر انعقاد صالون الشباب مناسبة هامة لاستعراض الفكر الجديد للفنانين التشكيليين الشباب. فعلى مدار الدورات السابقة ظهرت مواهب أصبحت الآن صاحبة صوت مميز في عالم الفن التشكيلي المصري. إلا أن المُلاحظ خلال الدورات الأخيرة، والتي لم تختلف عنها دورة هذا العام، أنها عبارة عن تكرارات واستنساخات لأفكار تقليدية، رغم التوسل بتقنيات جديدة إلى حدٍ ما في تنفيذ العمل الفني. وتعد السِمة الغالبة على الأعمال رغم تفاوتها، هي السرد الحكائي، فهناك حالة مسيطرة للحكي، وأن تصبح اللوحة أو العمل الفني موحية بحكاية ما، أو تحكي صراحة قصة شخص أو مكان أو حالة فنية واجتماعية. ورغم مشاركة ما يُقارب من 150 فنانا هذا العام، وتزيد الأعمال عن هذا العدد، فالعديد من الفنانين لديهم أكثر من عمل، إلا أن أغلبهم لم يستطع الخروج من أسر الأفكار التقليدية، رغم الزخم التقني والإيهام بالتحديث. هذا الزخم والاهتمام بالتقنية جاء على حساب الفكرة وموضوعها، فلم يفلح الفنان في خلق حالة جديدة، بل ساقها إلى حالة من التقليدية الباهتة. اللهم بعض التجارب التي حاولت موضوعاتها الخروج عن التقليدية بعض الشيء. نذكر من هؤلاء الفنانين... محمد بسطاوي، نهلة رضا، رمزي عبده، أسماء العماوي، إسراء أنور، هادي برعي، وائل فرج، سمر صالح، محمد عبد التواب، أحمد أبو العلا، دعاء عبد الواحد، سارة ماهر، شيماء عبد المنعم، فاطمة سالم، ونورهان جاد.

صالون الشباب في دورته الـ 26 في «قصر الفنون» في دار الأوبرا المصرية: أعمال تقليدية تتخبط في مسارات التجريب التقني

[wpcc-script type=”d6f46490bd825fa61cb390a2-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: يعتبر انعقاد صالون الشباب مناسبة هامة لاستعراض الفكر الجديد للفنانين التشكيليين الشباب. فعلى مدار الدورات السابقة ظهرت مواهب أصبحت الآن صاحبة صوت مميز في عالم الفن التشكيلي المصري. إلا أن المُلاحظ خلال الدورات الأخيرة، والتي لم تختلف عنها دورة هذا العام، أنها عبارة عن تكرارات واستنساخات لأفكار تقليدية، رغم التوسل بتقنيات جديدة إلى حدٍ ما في تنفيذ العمل الفني. وتعد السِمة الغالبة على الأعمال رغم تفاوتها، هي السرد الحكائي، فهناك حالة مسيطرة للحكي، وأن تصبح اللوحة أو العمل الفني موحية بحكاية ما، أو تحكي صراحة قصة شخص أو مكان أو حالة فنية واجتماعية. ورغم مشاركة ما يُقارب من 150 فنانا هذا العام، وتزيد الأعمال عن هذا العدد، فالعديد من الفنانين لديهم أكثر من عمل، إلا أن أغلبهم لم يستطع الخروج من أسر الأفكار التقليدية، رغم الزخم التقني والإيهام بالتحديث. هذا الزخم والاهتمام بالتقنية جاء على حساب الفكرة وموضوعها، فلم يفلح الفنان في خلق حالة جديدة، بل ساقها إلى حالة من التقليدية الباهتة. اللهم بعض التجارب التي حاولت موضوعاتها الخروج عن التقليدية بعض الشيء. نذكر من هؤلاء الفنانين… محمد بسطاوي، نهلة رضا، رمزي عبده، أسماء العماوي، إسراء أنور، هادي برعي، وائل فرج، سمر صالح، محمد عبد التواب، أحمد أبو العلا، دعاء عبد الواحد، سارة ماهر، شيماء عبد المنعم، فاطمة سالم، ونورهان جاد.

الجسد

اتخذت أغلب الأعمال الفنية ثيمة الجسد بمختلف تنويعاتها، سواء الجسد الكامل، أو شذرات من تفاصيله، وخلق حالة من الحكي حول تاريخ الجسد أو مأزقه بمعنى أصح. وببعض الرتوش يتم تحوير وتشكيل محيط الموضوع، والإيحاء بالحكاية. الأمر في ذاته يعد طموحاً غير متفق عليه بين المُشاركين، لكن المعالجات جاءت تقليدية في أغلبها كما أسلفنا. هناك المهرج على سبيل المثال، ووضعيته الجسدية الحادة والمتشنجة، الخطوط الصلبة، والإكسسوارات اللازمة من حيث الملابس وألوانها المتداخلة وماكياج الوجه الصارخ، إضافة إلى التباين بين النسب في الأيدي والأقدام. من ناحية أخرى نجد تصوير الجسد الأنثوي العاري، واللعب على تقنية النور والظل، وإضفاء هالات ضوئية على بعض من أجزاء الجسد، وخلق حالة من التقديس إذا جاز التعبير لتفاصيل الجسد. وتبدو الحركة من ناحية أخرى من خلال تكرار الجسد في العمل الفني، سواء في ترتيب متواز، أو ترتيب أجساد لها الشكل نفسه ووضعها في نظام يشكّل مقدمة وخلفية الكادر، ليُرشد العين إلى طبيعة الحركة ومسارها.
الجسد أيضاً قد يصبح مجرد شكل خارجي، دون تفاصيل توضح كُنهه، ودون تحديد هويته الجنسية، وتصبح أوراق الجرائد على سبيل المثال، المانشتات وما شابه، وبعض الصور لأشياء أو مواد، هي التي تغطي الجسد، وبالتالي تحكي حكايته، كيف يرى وكيف يصبح ناقلاً وعاكساً لأفكار وأشياء/عالم، وهو يتمثل في اللوحة فارغ الرأس؟ يُقابله الجسد المنطوي على نفسه، الأشبه بالجنين المرتعب، ومانشتات الصحف تغطي جسده الضخم. هنا يتماس الاجتماعي والسياسي مع الجسد، وصولاً إلى تشويهه وتغييبه تماماً. أو نجد في عمل فني آخر أن الاعتماد الوحيد يستند إلى الوجه الأنثوي الأشبه بالوجه المصري القديم، وكأنه مصنوع من حجر، اللوحة تصوير لعدة وجوه حجرية، نالها التشويه في بعض التفاصيل إذ يتآكل الوجه في جزء منه. وفي تجربة أخرى نجد توضيحا لوضع رأس أنثوي، من خلال الرسم على الورق في طبقات ورقية، من جمجمة وتشكيل للمخ في لون مختلف، وصولاً إلى الشعر الطويل المعقود، دلالة على أنوثة صاحبته. وقد يصبح الوجه الأنثوي جزءا من مدينة خربة، حيث يطل عليها الوجه بملامحه المتأسية، والفكرة هنا مباشرة للغاية، دون أن تشفع لها التقنية الفنية.
ومن السياسي والاجتماعي نجد حالة الجسد (الأنثوي) والحط منه، والنظر إليه من خلال ثقافة متدنية أصبحت تتنفسها غالبية المجتمع ونظرته الذكورية الاستعلائية، والمتهافته في أساسها، كحالة التحرشات المتكررة، أو النظر إلى الجسد على أنه مجرد سلعة يتم التفاوض والمساومة عليها، إضافة إلى بعض العبارات المكتوبة، وكأن اللوحة نقلت مُناخ الشارع، حتى على مستوى اللفظ.
وصولاً إلى التغييب التام لصاحب الجسد، والاستعاضة عنه بشيء يمثله «جاكت بذلة معلق» ــ وهو ما يشبه لقطة شهيرة في فيلم «أرض الخوف» لداود عبد السيد ــ حالة التغييب الجسدي، رغم احتلاله التام والكامل للمكان، فهو لم يزل في تمام حضوره المعنوي.
لم تتحقق الأجساد في فراغ، هناك أجساد لكائنات أخرى، تشارك الجسد الإنساني العمل، وتصوغ مفرداته وعالمه السردي، القطط ودلالتها في الحضارة الفرعونية على سبيل المثال، وما يؤكد ذلك وضعية الأجساد البشرية وتشبهها في ملمح كبير منها. كذلك بعض الطيور، حمام أو غربان حسب الحالة وطبيعة الموضوع، إضافة إلى الأسماك والحيوانات البريّة.

الأسلوب

تنوعت الأساليب التي انتهجها الفنانون وفقاً للتقنيات والخامات، من تصوير زيتي وفوتوغرافي، أو نحت، أعمال غرافيك، ولوحات الكولاج متعددة العناصر، إضافة إلى أعمال الفيديو آرت. إلا أن طريقة وأسلوب معالجة الموضوعات، ووفق تقنيات تبدو حداثية أو توحي بذلك، جاءت ترديدات لصدى المدارس الفنية الكلاسيكية، بداية من العصور الوسطى، كأسلوب دافنشي على سبيل المثال، وصولاً إلى تكعيبية بيكاسو ممتزجة بروح من السيريالية. قليلة هي الأعمال التي حاولت التوسل بالتجريد، وأنعدمت الأعمال التي حاولت كسر طوق التقليدية. وكما أسلفنا سواء على مستوى الموضوع أو الأسلوب الفني، الأمر أقرب إلى تطبيق فكر وأسلوب مدرسة معينة، بحيث يبدو الفنان يزن مدى نجاحه في مدى الالتزام بقوانين وقواعد هذه المدرسة الفنية أو تلك. واختفت روح المخاطرة والتجريب تماماً، على العكس من دورات كثيرة سابقة. من ناحية أخرى كانت المدارس الغربية هي نقطة الانطلاق في معظم الأعمال، لم يستند الفنان إلى تراثه الضخم ــ لا نقصد النقل الحرفي الأشبه بكروت البوستال السياحية، كالشمس المشرقة على وجه رمسيس، أو جدران المعابد وأبو الهول والأهرامات خلفه ــ نقصد التقنية في تنفيذ العمل الفني، ومفردات البيئة المصرية التي غابت تماماً، وكأن الأمر أصبح أفكاراً تدور في الهواء. وهو ما يدعونا إلى الشخصية الفنية للفنان وعمله الفني إلا في ما ندر ــ حالة الفنان أحمد أبو العلا على سبيل المثال ــ والذي يستعرض محاولة هجرته للبلاد من خلال تصاوير قديمة ورسومات وصولاً إلى جواز السفر، فالفكرة تم التعبير عنها ببساطة وهدوء شديد بلا استعراض أو تكلف. والمؤلم أنها دارت حول فكرة وأمل الهجرة، إلا أن الأكثر ألماً أن الأعمال الفنية جاءت أكثر تعبيراً لهجرة أصحابها مما يعيشونه ويتنفسونه، فقط بعض الألعاب الفنية الاستعراضية، التي تتشابه والكثير من أعمال الهواة في أي مكان في العالم. ولا نقصد أن يعبّر الفن بمباشرة فجة عن روح المكان وبيئة الفنان، ولكن لنا في أعمال أجيال سابقة من الفنانين أسوة حسنة، استطاعوا الوصول إلى صوتهم الخاص، والتحاور مع المدارس الفنية العالمية، وإنتاج ما يؤكد شخصيتهم. وربما الوقت والتجربة والخبرة تتيح لفناني الصالون فرصة عثورهم على صوتهم الخاص… ربما!

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *