«صور ممنوعة» في السينما المصرية: حكايات سينمائية مُمَسْرَحة من المُباشرة إلى التجريب

القاهرة ـ «القدس العربي»: من التجارب الفنية في السينما المصرية تناول عدة حكايات بممثلين ومخرجين مختلفين، من خلال فيلم واحد يحاول عنوانه أن يكون الرابط بين هذه الأفلام القصيرة نسبياً، وهو لم تعتده السينما المصرية ولا جمهورها. لكنها كانت تجارب لها السبق في مثل هذا الشكل الفيلمي.

«صور ممنوعة» في السينما المصرية: حكايات سينمائية مُمَسْرَحة من المُباشرة إلى التجريب

[wpcc-script type=”deb728b9effa9225de5f04e1-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: من التجارب الفنية في السينما المصرية تناول عدة حكايات بممثلين ومخرجين مختلفين، من خلال فيلم واحد يحاول عنوانه أن يكون الرابط بين هذه الأفلام القصيرة نسبياً، وهو لم تعتده السينما المصرية ولا جمهورها. لكنها كانت تجارب لها السبق في مثل هذا الشكل الفيلمي.
على سبيل المثال لا الحصر فيلم «البنات والصيف» 1960 الذي كتب قصصه الثلاث إحسان عبد القدوس، وقدمه كل من عز الدين ذو الفقار، صلاح أبو سيف، وفطين عبد الوهاب. وفيلم «3 قصص» 1968، عن قصص لنجيب محفوظ، يوسف إدريس، ويحيى حقي، ومن إخراج إبراهيم الصحن، حسن رضا، ومحمد نبيه، على الترتيب. وفيلم «الكدابين الثلاثة» 1970 عن قصص لكتاب مختلفين، كتب لها السيناريو وقام بالإخراج منير التوني. ليأتي «صور ممنوعة» إنتاج المؤسسة المصرية العامة للسينما عام 1972، امتداداً لهذا الشكل الفيلمي، وليكون أكثر طموحاً من التجارب السابقة.

الهاجس الطبقي

العامل المشترك بين الفيلم الأول والثاني في الترتيب هو كاتب السيناريو رأفت الميهي، فالأول بعنوان «ممنوع» تأليف الميهي وإخراج محمد عبد العزيز. بطولة ماجدة الخطيب، توفيق الدقن، نور الشريف، زيزي مصطفى. والثاني بعنوان «كان» قصة محمد صدقي، وسينايو وحوار رأفت الميهي. المسألة في البداية تبدو في استعراض التفاوت الطبقي ــ لم يكن التفاوت الفئوي قد اتضح بعد للفنانين والمُنظرين. ــ خاصة بعد إشارة لوسيان جولدمان إلى أن الفئة هي التي تحاول الحفاظ على مصالحها، من دون الاقتصار على الطبقة ــ إلا أن المُلاحظ بداية هو التعامل المسرحي مع الحكايتين، من حيث المكان الواحد الذي يجمع معظم الأحداث، سواء الكازينو الشهير على النيل في الحكاية الأولى، أو حمّام السيدات الشعبي في إحدى الحارات في الحكاية الثانية.

ممنوع

حامد السُفرجي/نور الشريف من إمبابة يعمل في كازينو شهير على النيل، يرى عالما آخر غير الذي اعتاده طوال حياته، نساء ورجال وكأنهم كائنات فضائية، لا يستطيع الحلم بهم، يذهب إلى بيته وتحت إلحاح شقيقته/ماجدة الخطيب، نتيجة سماعها حكاياته عن هذا العالم، يأخذهم في رحلة إلى المكان أشبه بالحلم، مع محبوبته روحية/زيزي مصطفى، وزوج شقيقته/توفيق الدقن، الذي يعمل سائق عربة كارو. في وردية الحراسة الليلية والمكان أصبح ملكاً لهم، يعيشون هذا الحلم لفترة، من أكل وشرب ورقص، حتى لحظة دخول عسكري الدرك، الذي يبدو انه من طبقتهم الاجتماعية نفسها، ويحلم هو الآخر ويجلس كأحد الزبائن الذين طالما طالعهم مشدوهاً. حتى يأتي رجل وصديقته للمكان كزبائن فعليين، وينكشف الأمر، ويتشاجر معه سائق الكارو تحت تأثير الخمر، ويدفع حامد ثمن حلمه، بفقدانه وظيفته وغرامة عما حدث من خسائر تقدّر بـ 50 جنيها، خسر معها الجميع «الحمار» الذي يجُر العربة الكارو، ليحل محله سائقها، وهو يُكرر جُملته التحريضية في الفيلم … إحنا لوحدنا ما ينفعش، لازم إمبابة كلها تيجي المكان، ساعتها ما حدش هيعملنا حاجة. «إمبابة كلها يا بلاش» وهي جملة ثورية رومانتيكية، تأتي على لسان الواقعي الوحيد بين الحالمين.

كان

يعكس الميهي الأمر في الحكاية الثانية، فالمكان الشعبي تأتي إليه الممثلة الشهيرة ابنة الحارة في الماضي سنية/نبيلة عبيد، لتقوم بدور فتاة شعبية في الحمام الذي شهد قصة حب حسونة/حمدي أحمد لها، والذي مازال يراها فتاة أحلامه، والتي تنقلت بعد موت أمها للعمل مع أحد الحواة، ليبدو الأمر بعد ذلك وكأنه شغل حواة، خاصة في لقطات نصب أدوات التصوير في الحمّام الشعبي، من كاميرا وشاريوه وأدوات إضاءة ــ هالة النجومية الخائبة ــ وإشعار الآخرين أن هذا العمل لا يقوم به سوى السَحَرة وأصحاب الخوارق، ليشترك حسونة في العمل بصفته نجاراً، ويحضر التصوير، لتتعرف عليه سنية بالكاد، وتخرج له النقود فيرفضها، وترحل عن الحارة في ضيق وغضب شديدين.
هنا العنصر المتبرئ من ماضيه هو الذي يرحل، ويُطرد رغم شهرته الزائفة، وهو انتقام فني ــ عدالة شعرية ــ أكثر منه حلا واقعيا، بما أن حسونة الحالم دوماً كان لابد من الرد على حلمه بصفعة واقعية، لم يستطع كاتب السيناريو أن يتركه خائباً، بل انتقم له بطرد ممثلته ومحبوبة طفولته وصباه، حتى تستريح نفسية الجمهور قليلاً، ويلقى التعويض المناسب وهو يُكيل للمُمَثلة ــ لاحَظ مهنتها ــ أشد اللعنات!

«حكاية الأصل والصورة» … ما بين الرمزية والتجريب

عن قصة «صورة» لنجيب محفوظ يقدم المخرج وكاتب سيناريو الفيلم مدكور ثابت فيلمه «حكاية الأصل والصورة» محاولاً استخدام المنهج البريختي في الدراما، وذلك من خلال قصة رمزية كتبها نجيب محفوظ في فترة القصص الرمزية بعد عام 1967، تلك الفترة التي كانت عصيّة على التفسير، وكان الأسلوب الرمزي أكثر تعبيراً عنها، وقد فاقت نتائجها الواقع. إلا أن مدكور ثابت حاول تحويل الرمزية إلى تجريب، مما جعل من الفيلم تجربة متميزة في تاريخ السينما، رغم صعوبة الفيلم، وما أضافه المخرج إلى القصة الأصلية من تفاصيل وبنيات درامية، تحيل دوماً إلى إشارات ومواقف في التاريخ الإنساني ككل، بداية من يوحنا المعمدان ورقصة الغلائل السبع لسالومي، وحتى تمثال كاتمة الأسرار لمحمود مختار، الذي أصبحت له دلالة كبيرة في الفيلم … فبجوار التمثال يصرح البطل للبطلة بحبه، وأيضاً تحكي الطفلة عن القتيلة صاحبة الصورة!

الحكاية

جثة ملقاة عند سفح الهرم، وخبر في الجريدة لصورتها التي لم تظهر بوضوح، يقول إنها لسائحة أجنبية عند الهرم. صحافي/محمود ياسين، وصحافية/شهيرة، يبحثان الأمر، يريدان معرفة القتيلة وسرّها، بينما ضابط الشرطة يهمه معرفة القاتل. والسؤال يصبح لمن ستنسب البطولة للقاتل أم المقتول؟ ثم أشخاص خارج نطاق الجريمة يتعرفون الصورة وصاحبتها، فهي … «شلبية» الخادمة عند أحد الموظفين، وكان دائم التعرّض لها، وهي «سميرة»، العاملة بمصنع نسيج، يملكه أحد رجال الصناعة، الذي يتزوجها عُرفياً، ويسعى لإجهاضها، ويطردها بعد ذلك، وهي «فافي» إحدى صديقات رجل الأعمال، الذي يعمل في أعمال مشبوهة، ويُتاجر بالفتاة نفسها، ثم يتدخل المخرج ويكتفي بهؤلاء المتورطين، لأنه لا يقتنع بهم، ويذهب بعيداً، في خمارة وبيت هوى، لتصبح إحدى فتياته الشهيرات «درية»، وينتظرها عاشق وحيد، طالب في إحدى الجامعات، ربما يكون هو مَن فعلها، ليصل الأمر أخيراً إلى بيئتها الحقيقية/الريف المصري، فهي «فكيهة» المتمردة، التي تحلم بالهجرة للقاهرة، والتي دفنها أبوها رمزياً آتياً بها في نعشٍ خال، حتى يتقي شر الفضيحة. ويتحدث الأب العجوز بعبارة مباشرة أضعفت تماماً من البناء الفيلمي والأحداث المتشابكة، وكأنها نغمة تقريرية نشاز، إذ يقول «صورة المقتولة صورة بلدنا كلنا»!

البناء الفيلمي

حاول المخرج مدكور ثابت اختبار منهج التجريب حتى مداه، من خلال حكاية رمزية، وبتطبيق نظرية بريخت في المسرح الملحمي، التي حاولت الوقوف ضد نظرية أرسطو في الدراما، حيث التماهي والتطهير، بل هناك الحد الفاصل الدائم بين ما يحدث وبين الجمهور/كسر الإيهام، حتى يحاول الأخير استيعاب الأمر والتفكير فيه، بديلاً عن تنظيرات أرسطو التي تخدم السُلطة في المقام الأول. من هنا ورغم الطابع المسرحي في عدة مشاهد، وكان من الممكن أن يستسهله المخرج، إلا أنه كان أكثر سينمائية من الفيلمين السابقين، فاللغة السينمائية ومفرداتها من كادر وتكوينات، ومونتاج مختلف الإيقاع ما بين الحدث من الداخل والخارج، عمّقت الحالة التي يريد المخرج إيصالها، وكذلك.. الكادر ذو التكوين الأقرب إلى المدرسة الروسية، من تباين الإضاءة الواضح، والقطع السريع المتواتر على بعض أجزاء الجسد، أو الأشياء الصمّاء، تمثال/صورة وما شابه.
الأمر نفسه ينطبق على الأداء التمثيلي، والحديث إلى الكاميرا فجأة أثناء المشهد، أو حتى في اللقطة الواحدة، وهو ما يفصل الخط التجريبي عن القصة الدرامية لنجيب محفوظ. إضافة إلى تنويع شريط الصوت… من مُعلق من الخارج، صوت يقرأ الجريدة/ أصوات الطائرات/ إلقاء مقطوعة من هاملت.
إضافة إلى إحالات إلى تاريخ ووعي الإنسان… المسيح/المعمدان/الرقص البدائي/ أقنعة الحيوانات «رجال الأعمال» لتجسيد حالة البدائية والتوحش وانعدام القيم.
لقد حاول «ثابت» أن يخلق نهجاً من الصعب أن يلقى المتابعة من جمهور دأب على رؤية السينما كأداة للتسلية، وكان الجانب النظري هو المسيطر عليه تماماً عند التطبيق، ولكن… هل نجح بريخت نفسه في تطبيق نظرياته المسرحية على أعماله، أي التطبيق المطلق لهدذ النظريات والأفكار؟!

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *