طوباوية الوصال الإنساني في روايات للبناني إيلي مارون خليل

بعد خمسين عملا أدبيا في المقالة والقصة والرواية وغيرها، وفي محاولة تتبع شخصيات الكاتب اللبناني إيلي مارون خليل وأبطاله، في رباعيته الأخرى، من رواية «مسافات ملتبسة» (دار الفكر اللبناني) إلى «حياة تنسل بين ع وع» (دار الفكر اللبناني)، إلى «دون أنطونيو» (دار سائر المشرق) وأخيرا «عشيق أمي» (دار سائر المشرق 2018)، نرى أنها تتراوح بين خطين: المثالية والواقعية. لذلك ننطلق من السؤال الإشكالي في رباعيته الأخيرة:

طوباوية الوصال الإنساني في روايات للبناني إيلي مارون خليل

[wpcc-script type=”1c059a480223763e0d149f5e-text/javascript”]

بعد خمسين عملا أدبيا في المقالة والقصة والرواية وغيرها، وفي محاولة تتبع شخصيات الكاتب اللبناني إيلي مارون خليل وأبطاله، في رباعيته الأخرى، من رواية «مسافات ملتبسة» (دار الفكر اللبناني) إلى «حياة تنسل بين ع وع» (دار الفكر اللبناني)، إلى «دون أنطونيو» (دار سائر المشرق) وأخيرا «عشيق أمي» (دار سائر المشرق 2018)، نرى أنها تتراوح بين خطين: المثالية والواقعية. لذلك ننطلق من السؤال الإشكالي في رباعيته الأخيرة:
هل انتصر إيلي مارون خليل لإنسان ما بعد الحداثة في التخلي عن طوباوية الوصال الإنساني؟ وفك الارتباط بين السعادة والتضحية؟ من حيز الالتباس والتخفي عند الابتعاد عن مثاليتها، إلى حيز الظهور الطوباوي تمسكا بأصالة المنبت، خاصة في «دون أنطونيو»، تجنح رواية «عشيق أمي» نحو حيز التباهي والتفاخر بتمردها على القيم عينها التي تربت عليها. فهل من رسالة يوجهها إيلي مارون خليل حول انهيار القيم، خاصة في المجتمع الثقافي النخبوي؟ أم أنه يئس من رفع الواقع إلى مقام يؤمن بإمكانات إصلاحه، ولو في حيز الأدب؟ لاسيما أنه من المؤمنين بالكتابة قضية وليس مهنة، كما جاء في كتابه النقدي: «في طقوس الاشتعال»: «الكتابة ليست مهنتي، الكتابة قضيتي. الفارق؟ أن تعيش لتكتب أو أن تكتب لتحيا. بين العيش والحياة هوة لا تردم». وربط القراءة بالإنسانية: انت تقرا أذ أنت إنسان.
بدءا من شخصيات «مسافات ملتبسة»، من العنوان إلى وعي الذات عند إطلاق الأحكام على النفس، ثمة التباس في وعي المفاهيم، بين الحق والواجب، بين حدود المسموح والمرفوض اجتماعيا وأخلاقيا، والانتصار يسجل دوما للواجب.
في «حياة تنسل بين ع وع»، بقي الالتباسُ في الانسلال بين عالمين ناتجا عن صراع بين مفهوم القيمة التي تعادل الفضيلة، والمجتمع وما يقبلُه أو يرفُضه. ومن ثم تقع القرارات في ما ينصب لمصلحة قبول المجتمع، أي تنتصر دائما نظرةُ الآخر، في إعطائها الأولويةَ على حياتنا، وكان أيضا الانتصار لما يريده المجتمع في جعل القيمةِ أولوية.
في رواية «دون أنطونيو»، التي تحتفظ بفضاء خاص، لزمن يعود إلى مئة عام، بين ابن وطى الجوز، وما يحمله من أصالة القيمِ والتعلقِ بالأرض والفضيلة، البطل الذي يشبه إلى حد بعيد شخصيةَ أيلي مارون خليل، وكأنه امتداد له في الحفاظ على الأصالة والتجذر، لم نره يعيش صراعا، فقيمُه المستقاة من تربية تملي عليه مثالية مفرطة في التعاطي مع الآخر، واستخدام القوة وتقديسها، تلك المستقاة من حكايا تمجيد الأبطال المدافعين عن أرضهم، المحافظين على كل شبر فيها، حين يتعلق الأمر بالأرض والعرض.
تظهر شخصياتُ إيلي مارون في روايته الأخيرة «عشيق أمي»، أكثرَ جرأة من سابقاتها بأشواط، وكأن انتقالَ الإنسان إلى مرحلة ما بعد الحداثة جعلته ينتصر لرغباته، ينتصر لوعيه ينتصر لإرادته هو، ينتصر لما يحيي فيه تعلقَه بالغد، ينتصر لسعادته هو، وليس لسعادة الآخرين وإرضائهم، وكأن شخصياتِه قد أتعبتهم التضحية، وقد صار فهمُها مغايرا. ما عادت الشخصياتُ أسيرةَ مفاهيم التضحية، كما كان ينظر إليها. ما عادت الطوباويةُ في التعاطي الاجتماعي هي غائيةَ الحياة، صارت أكثرَ إنصاتا إلى صوت الداخل الذي يقدر قيمة أناه. هل لأن شخصياته صارت أكثر نضجا في إدراك مفاهيم القيم والفضيلة والتضحية بالسعادة الشخصية والمصلحة الفردية من أجل من لا يستحقون. لقد كان الكاتب أكثرَ جرأة في تعرية الواقع وشخصياته، ما عاد يبحث لهم عن مبررات، ما عاد يحاول سترَهم بأقنعة المثال، ولو كان ذلك من باب الازدواجية على قاعدة «وإن ابتليتم بالمعاصي فاستتروا»، ترك للنفاق الاجتماعي أن يظهر، هكذا، عاريا من كل ما يمكن أن يسوغه، صادما، لكنه أراد أن يفصح عن حقيقة المجتمع كما هي.
إذن، كيف يمكن أن نقرأ الصراعات التي يعيشها أبطال روايات إيلي مارون خليل؟ هل هي تصوير للواقع؟ أم محاولةُ تجميل له؟ نقرأها في ضوء مجتمع يسمي نفسه نخبويا، يتعاطى أمور الثقافة والكتابة والفن،. في جميع رواياته توق إلى الكتابة، من أجل التحرر من الصراعات التي يعيشها أبطاله. في «مسافات ملتبسة»: كانت الصراعات هي أساس الحبكة دخولا إلى العالم النفسي لشخصياته، تصويرا لواقع مأزوم، صراع العقل والقلب، الحق والواجب، الواقع والحلم. في «حياة تنسل» أيضا يصور الالتباس بين الواقع والحلم. فكانوا يقعون في فخ الازدواجية بين الواقع والمرتجى، بدون الكشف عن عاطفة يقنعها عقلٌ حييٌ في ضميرهم، فظهر الإخلال بثوابت المؤسسة الزوجية بدون التجرؤ على إشهار العلاقات الخارجه عنها.
في «عشيق أمي» ألغى ايلي مارون الهوة بينهما، (بين الواقع والحلم)، جعلهم يعيشون أحلامهم حقيقة ولو كان ذلك غصبا عن المجتمع. فالشخصيات من العمر عينِه في رواياته السابقة، نضجت في أعمارها، على حافة التقاعد، لكنها في روايته الأخيرة متهورة في تصرفاتها ومتمردة على مجريات حياتها، وجدت في الكتابة والفن سبيلها إلى الحياة والحرية.
في معظم ما كتب، يبني إيلي مارون خليل عمارتَه الفنية على أعمدة أربعة:
– لغة رصينة تحفُر في النبل المتأصل في الذات الإنسانية من خلال حشد مترادفات القيم والشفافية ونقاوة الروح ومنابع الضمير الحي، الذي لا تميته أورام الأنا المتفشية في مجتمعنا المعاصر.
– جدلية الواقع والحلم: بين نص الواقع بكل تشوهاته ومغرياته، ونص الحلم بكل تحقيقه الأماني والوعود، يأتي نص الكاتب، رواية منفسا، تحاول الجمع بينهما، لاستنهاض إمكانات الإنسان الخيرة الدفينة فيه.
– الإفراط في المثالية والطوباوية لأبطاله، وكأنه يبني دائما عالما موازيا للإنسان، ليذكرَه بكينونته المفطورة على المحبة التي تلامس مراقي الألوهة.
ـ الرسم اللاهوتي في علاقة الإنسان بالآخر حاضر، من خلال اختبار التشارك الإنساني بين الأنا والآخر، اختبار لا يتحقق إلا لمن حرر ذاته من قيود الخضوع لكل أشكال التنميط. هو اختبارُ التشارك الإنساني الذي لا بد من أن يفضي إلى الله…

أكاديمية وروائية لبنانية

طوباوية الوصال الإنساني في روايات للبناني إيلي مارون خليل

ناتالي الخوري غريب

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *