ظاهرة الكتب المزورة في مصر… بين الحق في القراءة وحق المؤلف والناشر
[wpcc-script type=”1da2e9eea5a221cb68a260a8-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: ربما لم يكن تزوير الكتب أمراً جديداً على العالم العربي، لكنه أصبح الآن يُشكّل ظاهرة متفشية بين بائعي الكتب المنتشرين على أرصفة الميادين الكبرى في المدن، وسور الأزبكية الشهير ببيع الكتب القديمة، إضافة إلى بعض المكتبات التي بدأت في بيع نسخ مزورة من الكتب.
عليك مُطالعة باعة الكتب والجرائد اليومية المنتشرين لتجد أغلفة العديد من الكتب التي أخذت حظها من الشهرة، وتسأل عن سعر الكتاب ليتراوح ما بين 20 حتى 40 جنيها مصريا، بينما السعر داخل المكتبات قد يصل إلى 100 جنيه أو أكثر! والأمر ببساطة هو أن هذه الكتب يتم طبعها خارج الإطار القانوني، وبالتالي من دون مراعاة حقوق المؤلف ودار النشر. وما يهم القارئ هو اقتناء نسخة من الكتاب، تتناسب ودخله المتواضع، وقد أصبحت مسألة شراء كتاب أحد أشكال الرفاهية!
يتم في البداية استغلال العناوين الناجحة، التي تتوالى طبعاتها، خاصة أن حالة القراءة بين الشباب أصبحت أفضل من ذي قبل. فيتم عن طريق دور نشر مغمورة طباعة وترويج نسخ مُقلّدة من هذه الأعمال، وبأسعار مناسبة. على الرغم من وجود عقوبة قانونية لانتهاك حقوق المؤلف، نص عليها قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، كما نصت المادة 181 من القانون بأن عقوبة «التعدى على حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لها هى الحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن 5000 جنيه، ولا تجاوز 10000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين». لكن نصوص القانون دائماً تجد مَن يتحايل عليها، ويعرف كيف يحقق الربح، خاصة أن استهجان الجريمة يكاد ينعدم بين جمهور القرّاء، وبعض الكتّاب، الذين يهمهم انتشار أعمالهم، فسوق النشر في مصر لا يتعامل بجديّة إلا مع المعروفين من الكتّاب، بينما الأغلبية يقعون ضحية الناشر، الذي يأمن خسارته منذ بداية عملية النشر. وسنحاول الاستعانة بآراء بعض الكتّاب، وأحد بائعي الكتب لتوضيح الأمر أكثر، خاصة أن لديهم خبرة مع دور النشر المصرية على اختلافها.
الطبعات الشعبية
بداية يُشير القاص والروائي ممدوح عبد الستار، إلى أن قرصنة وتزوير الكتب لها بعض الإيجابيات ووجوه من السلبيات… هناك قراء لكننا لا نضعهم في حسابنا، ولابد من وصول الكتاب إليهم بشكل ما، كما يحدث في الدول الأخرى، وهى طباعة الأعمال طباعة شعبية رخيصة الثمن، وأيضاً انتشار الكتاب، وأيضا بعد مدة زمنية معينة لا يمكن بشكل ما الحصول على هذا الكتاب إلا من خلال الطبعات المزورة، لكن المشكلة الكبرى في دور النشر الإلكترونية التي تبيع الكتاب، هذه الدور لا بد من إلغائها، لأنها السبب الحقيقي في تزوير الكتاب وانتشاره في المواقع المهتمة بالكتب، فشخص واحد يشتري الكتاب إلكترونيا يستطيع بعد ذلك رفعه للأصدقاء والمعارف والمواقع المهتمة. أما بالنسبة لدور النشر فإنها تسعى جاهدة أن تحصل علي تكلفة الكتاب والمكسب في أسرع وقت ممكن، وقبل تزوير الكتاب، من خلال رفع سعر الكتاب، الذي لا يستطيع شراءه إلا القادر مادياً، وأنا شخصياً لا أستطيع شراء الكتاب الغالي الثمن.
من خلال تلك الاشارت المهمة بين الناشر والكاتب والقراء والسعر، لابد من وضع إستراتيجية أخرى، تهدف لدعم الكتاب من خلال انتشاره في كل المناطق المحرومة، وتقليل سعر الكتاب ليكون في متناول الجميع، أو عمل طبعات شعبية بعد الطبعة الأولي مباشرة. ويُشاركه في الرأي الروائي فتحي إمبابي قائلاً .. إن المستفيد الثاني ــ بعد مزور الكتاب ــ هو القارئ العادي، الذي يعاني من الارتفاع الكبير في أسعار الكتاب، وهو ما ينبغي أن يؤخذ في الحسبان، ولهذا الاهتمام بإصدار طبعات شعبية سيكون لها أثر قوى على اضمحلال الظاهرة، كما سوف توسع من دائرة القراءة وهو ما سوف ينعكس إيجاباً على الإبداع، وأخيرا ينبغي أن يهتم الإعلام بتسليط الضوء على كافة المؤلفات بدون تحيز أو تمييز، مع شرط الجدية، فهو أيضا السبيل لتوسيع دائرة القراءة إلى الحدود التي تملكها اللغة العربية في مصر والعالم العربي، مما ينعكس بشكل مباشر على انخفاض سعر الكتاب، ويقضى على الفارق السعري بين الطبعة الأصلية والمزيفة، ومن ثم تتلاشى ظاهرة السطو على الكتب بصورة شبه كاملة.
خطر على الإبداع وصناعة النشر
ويستكمل إمبابي، قائلا إن ظاهرة السطو على طبعات الكتب ونسخها (تحت السلم) ثم بيعها في الأسواق، من دون الرجوع لكل من الناشر والمؤلف تضرب بحقوق الملكية وتهدر العائد المادي لأصحاب الحق الأصلي في الكتاب، كما أنها تؤثر سلبا على اتساع وانتشار الإبداع من جهة، وعلى صناعة النشر باللغة العربية من جهة أخرى، خاصة أنها صناعة فقيرة لا تتسم بالقوة التي يمنحها لها عدد القارئين باللغة العربية والذين لا يتجاوزون عشرات الملايين.
منظومة فاسدة
ويرى الشاعر والروائي عماد فؤاد، أن… ظاهرة تزوير الكتاب في العالم العربي ليست جديدة على الإطلاق، ولكن نستطيع أن نقول إنها استفحلت في السنوات العشر الأخيرة، وأظن أننا لو نظرنا إلى الظاهرة بقليل من الإيجابية، سنجد أنها تنم عن مظهر ما من مظاهر الإقبال على الكتاب والرغبة في اقتنائه، ما ينمّ عن رغبة حقيقية في القراءة والاطلاع لدى الأجيال الجديدة، وهذا في حدّ ذاته شيء جيد، ولكن لأن منظومة صناعة الكتاب في العالم العربي فاسدة في أغلبها، حيث من النادر أن تجد دار نشر عربية (وأتحدث هنا عن دور النشر العربية الخاصة) تطبع الكتاب، من دون أن تطالب الكاتب بمبلغ مالي كمساهمة منه في نشر كتابه، وهو ما لا يحدث في أي دولة محترمة من دول العالم، ومن النادر كذلك أن تجد دار النشر ذاتها تدفع للمؤلف الذي ساهم من جيبه في تكاليف طباعة كتابه بعضاً من حقوقه كمؤلف، إذن أول اثنين من أقطاب عملية النشر الثلاثة (الكاتب والناشر) أخلا بالمعادلة الصحيحة لعملية النشر منذ اللحظات الأولى لعملية طباعة الكتاب، وهذا الإخلال يستثمره القطب الثالث والأخير من المعادلة ألا وهو (القارئ) حين يقبل على الكتاب المزور، أو الذي تم تحويله إلى صيغة pdf ليصبح في متناول الآلاف عبر مواقع الإنترنت التي تتيح هذه الكتب مجاناً.
الناشر والاستخفاف بالقانون
ويُضيف فؤاد قائلاً .. شخصياً أقف في صف احترام قوانين النشر المعمول بها دولياً، وهي القوانين التي لا يحترمها الناشر العربي هو الآخر إلا في ما ندر للأسف، ومن ثم فلست ضد ظاهرة الكتاب المزور أو المقرصن المنتشرة اليوم في العالم العربي، فحين تطبق قوانين النشر بشكل يحترم حقوق المؤلف والكاتب ويضطر الناشر إلى الالتزام بها، سيتم القضاء على ظاهرة الكتاب المقرصن، لأن أي اعتداء سيكون تحت طائلة القانون، كذلك علينا قبل أن ندين الظاهرة المتفشية أن نبحث عن أسباب تفشيها، فالقارئ العربي اليوم يواجه أسعاراً خيالية للكتاب، صحيح أن كل شيء ارتفع ثمنه ولم يعد كالسابق، لكن هذا لا يعني أن أدخل اليوم مكتبة في القاهرة وأشتري عدداً من الكتب الصادرة حديثاً لأطالب بدفع ما يقارب الألفي جنيه مصري، ارتفاع سعر الكتاب العربي هو الآخر سبب في تفشي ظاهرة تداول الكتب المقرصنة أو الموجودة في صورة pdf على شبكات الإنترنت، فالحصول على هذه الكتب أونلاين جنب القارئ النهم الكثير من العقبات التي كانت تحول بينه وبين الاطلاع على الكتاب الذي يريده، أهمها سعر الكتاب المرتفع، وكذلك إمكانية الحصول على كثير من الكتب التي لا تتوفر في مكتبات بلده، ومنها كتب ممنوعة أو غالية الثمن أو ببساطة لم تعد متوفرة في صورتها الورقية، أي كتب نفدت ولم يعد لها وجود حقيقي بين أيدينا.
حال القارئ والمؤلف
ويوضح الأمر مباشرة الكاتب والروائي فتحي سليمان قائلاً .. أنا مع تزوير الكتاب لصالح القراء الشباب، كيف لشاب يحب القراءة أن يدفع 50 و60 جنيها لرواية من 400 صفحة. وكم كتابا أو مجلة دورية سيستوعبها دخله المحدود؟ متي أخذ المؤلف كامل حقه من الناشر؟ فسعادة المؤلف انحصرت في رؤية وريقاته في يد دودة كتب تستقبله بمحبة.
حالة تواطؤ
وفي الأخير يتحدث أحد بائعي الكتب المزورة بسور الأزبكية ــ لم يرد ذكر اسمه ــ بأن السور لم يعد يقتصر على الكتب القديمة، القارئ الآن ــ وأغلبيتهم من الشباب ــ يأتي لشراء الكتاب المشهور، خاصة الروايات الجديدة والمُترجمة، وهذه الكتب التي نقوم باستنساخها ــ تصويرها وعمل غلاف لها ــ ونبيعها بسعر رخيص، أرخص من بائعي الكتب على أرصفة الشوارع، فهناك يوهمك بأنها أصلية ويبيعها بتخفيض ما، فيصل سعرها إلى 30 جنيها، بينما سعرها الأصلي 60 جنيها أو أكثر، لكننا نبيعها هنا بـ15 أو 20 جنيها، ونكتفي بمكسب بسيط، لأن سوق الكتب القديمة راكد منذ زمن.
وبسؤاله عن أساليب الطبع أو النسخ وعمل الأغلفة، قال: هناك مطابع تقوم بذلك، ولديها ترخيص قانوني تعمل من خلاله «من الآخر .. بتدفع، واحنا كمان بندفع، والبوليس عارف، وبيبلغونا قبل ما يجوا، لكن ساعات بيعملوا منظر وياخدوا شوية كتب وكام واحد من أصحاب المحلات هنا، وعادي، إحنا مش بتوع مخدرات، المهم إن السوق ماشي، والناس بتقرا، والمؤلف مبسوط إن كتابه بيتقرى».
محمد عبد الرحيم