«عتبات الجنة» للمصري فتحي إمبابي… جدل التاريخي والجمالي
[wpcc-script type=”5fd3ef5dce7e40775cf65710-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: «لقد استقر في يقيننا أن الثورة هُزمَت، لأن قادتها كان لديهم حماس وعاطفة أكثر مما يملكون من البصيرة والفن العسكري والعلم بقوانين الثورات. أجادوا نظم الشعر وفن الخطابة، ووضعوا ثقتهم في الدول الأوروبية لعدم اطلاعهم على التاريخ وحكايات الخيانة المليئة بالعظات والعِبَر»، من رواية «عتبات الجنة».
بهذه العبارات يجيب الروائي فتحي إمبابي عن السؤال الأساس في الرواية، وهو .. لماذا هُزمَت الثورة العُرابية؟
تحكي الرواية عن أسطورة الاثني عشر ضابطاً مصرياً، الذين ينتمون إلى جيش «عُرابي»، الذي تم حلّه في سبتمبر/أيلول 1882. الذين تم الحكم بإعدامهم، وذلك بإرسالهم إلى الكونغو ــ أقصى حدود الدولة المصرية آنذاك ــ بحجة ظاهرية تتمثل في نقل المؤن إلى هذه المنطقة، وأخرى خفيّة ومقصودة، هي التخلص منهم وقرابة ثلاثة عشر ألف جندي مصري يتبعونهم، لوأد احتمالية قيام أي ثورة أخرى، وذلك بتدبير من الخديوي توفيق والإنكليز.
يعتبر الروائي فتحي إمبابي أحد أهم كتّاب الرواية المصرية والعربية، وجاءت معظم أعماله علامات فارقة في هذا الفن، ومنها … «العُرس، نهر السماء، مراعي القتل، شرف الله». إضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان «السبعينيون». وبمناسبة صدور روايته الجديدة «عتبات الجنة»، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أقيمت ندوة احتفائية في إطار ندوات منتدى المستقبل، الذي تستضيفه مكتبة البلد في القاهرة، من خلال نشاط مركزها الثقافي. أدار الندوة الكاتب والشاعر علي عطا، وتحدث بها كل من الشاعر محمود قرني والناقد يسري عبد الله.
أشار الشاعر محمود قرني بداية إلى مدى حالة الإبهار التي تخلقها أعمال الروائي فتحي إمبابي، كذلك لا يمكن لأي ناقد الإحاطة بجوانب العمل كافة، لذا سيتوقف أمام أحد ملامحها، وهو الملمح السياسي والاجتماعي، خاصة في ما يخص العسكرية المصرية، وهو الأمر الذي يتماس مع اللحظة الراهنة، ويعكس موقف الوطنية المصرية، الواضح أحياناً والمُلتبس في الغالب.
يرى قرني أن أغلب أعمال الكاتب تعمل ضد النمط، أي التعامل مع مفهوم التركيب الروائي بشيء من السخرية. فرؤية الرواية التقليدية التي كانت تعتقد في وظيفة الفن، أصبحت تعني هنا تفتيت المركزية الروائية، من دون انفصال عن مفهوم تفتيت المركزية القومية.
الوعي الجمالي
ومنه يصبح العمل الروائي عبارة عن تجليات وعي جمالي لواقع يبدو أكثر غرائبية من الأساطير، وأسطورة الكاتب هنا تغادر غموضها التاريخي لتتجسد عبر مستويين، أولهما واقع يستمد من هزيمة الثورة العُرابية، حتى فشل الجيش المصري وهزيمته على يد جيش المهدي في الخرطوم وكردفان، مقابل تمدد هذا الجيش لإطالة إمبراطورية امتدت حتى أوغندا والكونغو، وصولاً إلى البحيرات العظمى، وكلها كانت تحت إمرة التاج المصري. فمفهوم التوسع هنا مغاير عن مفهوم الإمبراطوريات الاستيطانية أو الاستعمارية، فجاءت الرسالة السياسية التي لم يُشر إليها الكاتب مباشرة، هي حماية منابع النيل، أما الرسالة الأهم والأكثر أخلاقية فتكمن في مساعدة أهل هذه البلاد في تجاوز نمط العيش والحياة البدائية، فالجيش المصري قاد حرباً حقيقية ضد تجارة الرقيق.
الخيال والتاريخ
وفي العلاقة ما بين التاريخ المدوّن والعمل الروائي، يرى الشاعر محمود قرني أن الرواية كشفت الكثير من الجوانب التي تم تزويرها تاريخياً، ومن هنا يبدو أن المعرفة التي تلقاها الشرق كله، تمثلت في المعرفة التي قررها الاستعمار فحسب، فأصبحنا نقرأ تاريخنا بعيون المُستعمِر نفسه، وهنا كما يذكر إمبابي في عتبات الجنة.. أن الوطنية المصرية تمزقت بين أصولية الشرق وحداثة الغرب.
ويتحدث الناقد يسري عبد الله عن التقنيات التي استخدمها إمبابي في روايته، مُشيراً إلى أنه استخدم تقنيات عدة، أبرزها تقنية توظيف الرسائل، وهي تقنية مركزية في عتبات الجنة، إضافة إلى تقنية توظيف التناص، الذي يدور ما بين التناص القرآني، كـ»سِدرة المُنتهى» وهوالفصل الذي يأتي في نهاية الرواية، كذلك التناص مع السيرة الشعبية، وعلى رأسها سيرة سيف بن ذي يزن.
من ناحية أخرى يلعب فضاء الصفحة الورقية دوراً مهماً في دلالة النص، الذي ازداد في نهاية الرواية. ولفت عبد الله إلى أن الطباعة السيئة للرواية أخلّت بالكثير من شكل النص. من ناحية أخرى أشار عبد الله إلى الزمن، وكيفية الانتقال من زمن لآخر، من دون السير في زمن خطي متصاعد، فهناك تداخل زمني ما بين حاضر وماض، وتلميح إلى وقائع ستحدث في ما بعد.
كما يستخدم الروائي ضمائر الحكي الثلاثة داخل المتن السردي، كضمير المخاطب في مُستهل الرواية على سبيل المثال، حيث يحتاج الكاتب إلى مساحات أكثر للتعبير النفسي والانفعالي. ويبدو المكان في النص لا يقتصر على الوجود الجغرافي أو وصفه، بل يعدو فضاء نفسياً في المقام الأول. هناك ارتحال زماني ومكاني قلِق على الدوام، وكل هذه الأمكنة تمثل حالة الأبطال والأزمة التي يعيشونها. وأخيراً يأتي السارد المُعلِّق، الذي يأتي للتعليق على الحدث أو حالة إحدى الشخصيات في لحظة معينة من لحظات السرد، هذا السرد الذي لم ينفصل فيها هامشه عن مَتْنِه، ليبدو ككل متكامل خلال بنية النَص.
التاريخي والجمالي
ويختتم الناقد يُسري عبد الله ورقته النقدية بالإشارة إلى المساحة التي يتحرك فيها النص الأدبي، ما بين التاريخي والجمالي، الذي يُطلِق عليه الوثائقي والخيالي، وهو جدل لا ينتهي كلما استند النص الروائي إلى حدث تاريخي، أعاد صياغته الكاتب وفق مفهومه الفني. ويرى عبد الله أن ذلك سِمة من سمات مشروع فتحي إمبابي الروائي، فالحكايات المُستقاة من متن التاريخ، يُكمل الكاتب الفراغات التي تركها التاريخ، بعين روائي يعي العالم. كما أنه يؤسس لتاريخ ــ يوحي بحقيقته ــ من خلال العمل الروائي والشخوص الروائية، فهناك أشخاص يظهرون في رواية «نهر السماء» يظهر أحفادهم في «عتبات الجنة». هذه الحالة من الاستمرار والوجود خلال الزمن توحي بالحقيقي أو محاولة تصديق أنه حقيقي.
عتبات الجنة
وتحدث الروائي فتحي إمبابي في النهاية، موضحاً أنه بدأ كتابة الرواية عام 2007، أي قبل الأحداث الفارقة التي مرّت بها مصر، منذ 25 يناير/كانون الثاني 2011، وحتى الآن. وما الإهداء الذي قدّمه في بداية الرواية إلى الجيش المصري إلا انطلاقاً من إيمانه بأنه «لا يمكن أن تستقيم الدولة المصرية من دون جيش». ويرى إمبابي أن هذا الجيش الذي يحلم به موجود وغير موجود في الوقت نفسه، يتمثل وجوده في امتلاكه الوعي والحرية، أما الاعتماد على سياسة الولاء، فنتيجتها تتجلى في انعدام الكفاءة، وبالتالي عدم وجود ما يُسمى بالجيش.
محمد عبد الرحيم