على مدى ثلاثة أيام ما بين «بيت الشعر» و«ورشة الزيتون» و«آتيليه القاهرة»: الاحتفال بسبعينية الشاعر حسن طِلب
[wpcc-script type=”0e9a85221548262ab93ef8df-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: نظم العديد من المثقفين وبحضور الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، احتفالية كبرى بمناسبة بلوغ الشاعر حسن طِلب سن السبعين ــ مواليد عام 1944 في مدينة طهطا في محافظة سوهاج جنوب مصر ــ احتفاء بتجربة الشاعر ومكانته في الحركة الشعرية المصرية والعربية.
الاحتفالية التي توالت على مدار ثلاثة أيام بداية ببيت الشعر، ثم ورشة الزيتون، وأخيراً آتيليه القاهرة، حيث قُدّمت شهادات الشعراء والنقاد حول تجربة «طِلب» ومشواره الشعري وتراثه اللغوي، الذي من خلاله طوّر وجدد في شكل القصيدة العربية. بدأت الاحتفالية بكلمة الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، ثم تم عرض فيلم وثائقي عن حسن طِلب، وقدم كل من سعيد توفيق، عبد الناصر حسن، عبد الحكيم العلامي، أحمد الصغير دراسات نقدية في تجربة طلب الشعرية، كما قدم كل من الشعراء محمد إبراهيم أبو سنة، محمد سليمان، وفتحي عبد الله شهاداتهم في هذه المناسبة. كما ألقى طِلب العديد من قصائده، خاصة قصيدته عن الشاعر الراحل حلمي سالم، والمُعنونة بـ«كلانا صاحبُ» وهي عبارة عن مسودة لم تكتمل بعد، لكنه أصرّ على قراءتها في ميلاده السبعين.
طواف النصف قرن
قدّم الشاعر السمّاح عبد الله شهادته عن تجربة حسن طِلب بقوله، إنه وهب حياته للشعر طوال نصف قرن، وإن الاحتفاء به هو احتفاء بالشعر الحقيقي، طِلب أحد عباد الشعر الذين ظلوا يدورون في فلك التفاعيل نصف قرن كامل كما يدور الصوفي الراقص في الحضرة، فلا الحضرة انفضت ولا هو وصل لذروة النشوة وتمام الحلول. نصف قرن كامل لا أظن أن يوماً واحداً فيه قضاه مفارقاً للشعر، يدوّن في مسوداته الخاصة السطر أو السطرين ويظل يضيف ويزيل حتى تكتمل القصيدة، النص الشعري عند حسن طلب ليس خاطرة، بل هو مشروع يجلس إليه ويعكف عليه حتى يكتمل، فإذا ما قرأنا ديواناً له قرأنا نصاً واحداً ذا مستويات متعددة وأصوات متداخلة. وهو لغوي له اشتقاقاته الخاصة به وله استخداماته المنسوبة إليه لا يضاهيه في هذا الضرب إلا جده البعيد أبو العلاء المعري.
الفارس النبيل
بدأ الشاعر والناقد شعبان يوسف بتوجيه تحية تقدير للشاعر حسن طلب، والتأكيد على مكانته في
الحركة الثقافية المصرية، منذ بدايته في فترة السبعينيات من القرن العشرين، الذي دائما ما كان يُلَقَّب بـ«الفارس»، نظراً لمواقفه تجاه أي سلطة غاشمة، فكان واحداً من رعاة الحركة الشعرية، وقد أثبت طِلب اتساقه مع ذاته حين تولى المسؤولية في مجلة «إبداع»، فلم يتمثل فيها كسلطة كما هو معتاد، بل أدار المجلة إدارة حكيمة بمشاركة جميع من فيها، في تجربة فريدة من نوعها، من المؤكد أنها انعكست على المجلة ومحتواها الثقافي العالي المستوى، لتأخذ مكانتها التي تستحقها بين الأدباء والقراء، حيث لعبت دوراً شديد الأهمية وقتها، كوسيلة من وسائل التواصل بين المبدعين والقراء.
أما بالنسبة إلى شعر حسن طلب فيرى يوسف أنه من السهولة الشديدة تلمس التراث في شعره، حيث تنعكس فلسفة التراث في أبياته الشعرية، كما أن أشعاره عادة ما تستدعي أشعار القدماء، مثل البارودي على سبيل المثال. سمة الاستقلال هذه يؤكدها رأي الشاعر محمود الشاذلي، الذي يرى في طلب، أنه لم ينضو تحت أي تيار ثقافي إلا بعد تأن شديد، فدائماً ما يبحث عن الأفكار المشتركة بينه وبين التيارات الثقافية المختلفة، من أجل تطوير الحركة الثقافية بوجه عام، لكنه في الوقت نفسه يتميز بالاستقلال التام، ولعل صداقته القديمة وعلاقته بالشاعر الراحل حلمي سالم أبرز دليل على استقلاليته، فعلى الرغم من هذه الصداقة الوطيدة، إلا أنه دائماً ما كان يختلف معه، وحين حدثت الأزمة التي أدت إلى تكفير حلمي سالم من قِبَل البعض من ذوي الفكر المتحجر، فكان تعليقه على الأمر أن القصيدة محل المشكلة متوسطة المستوى، بالنسبة إلى أعمال حلمي سالم السابقة.
التأثر بالتراث
أكد محمد علي سلامة، المتخصص في علم اللغة العربية أن شعر حسن طلب حالة خاصة، لأن شعره يثير التراث، بكل ما يحويه التراث من جوانب فلسفية ودينية وصوفية. ويرى سلامة أن ما يجعل من شعر حسن طلب تجربة شعرية فريدة ثلاثة عناصر، أولها تأثره بالتراث العربي، خاصة أبو تمام والمتنبي، وثانيها الموهبة الشعرية الفذَّة، التي تصنع قيمة بالغة لكل ما يتعرض له في أبياته الشعرية، وثالثها روحه الوثَّابة.
وعلى الرغم من تعمق حسن طلب في التراث ــ قديمه وحديثه ــ إلا أنه حافظ في الوقت نفسه على استقلاله واسلوبه الفريد، وهذا الأمر غاية في الصعوبة، ولعل من مظاهر انعكاس هذا التأثر الشديد بالتراث، عدم إمكانية تجاوز ولو جملة شعرية واحدة في أي قصيدة لحسن طلب، كما أن كلا من النفري، والمتنبي، وأبو تمَّام من المصادر الرئيسية لـه، كما أن أكثر ما يميز تجربته الشعرية ما يصنعه من تركيبات واشتقاقات لغَويَّة، تخرج وتتمثل في صورة شعرية، ترقى في كثير من الأحيان إلى مرتبة الحِكَمة البالغة.
فخيال حسن طلب يردَّك مباشرة إلى القدماء، خاصة النفري، متبعاً منهج الفكر الصوفي، الذي يهتم بالبحث عن مدلول النص، من دون التقيد بأي شيء، كما أن هذا الفكر استطاع أن يصل بأصحابه إلى طريق المعاني الأسمى للنص، ورؤية ما خلف النص من معان ومدلولات. كما أن من اللافت بشدة أن شعره يتضمن فكرة «وحدة الوجود»، وهو ما تضمنه شعر ابن عربي.
تجربة متفردة
وترى القاصة سامية أبو زيد مدى الشجاعة التي تحلّى بها طلب طوال مشواره الشعري، والتي تجلت في كتاباته، هذا بالطبع بجانب قدرته اللغوية المعجزة، التي ساهمت في تفرده، كواحد من أهم الشعراء التنويريين، وكانت تظهر تراكيبه اللغوية المبتكرة إذا ما غابت مفرداته التراثيَّة، والعكس. كما أن استخدامه للرمزية أو التلميح أو الإسقاط ليس عن «تقية» أو خوف، بل يأتي به من باب الجماليات المتوافرة في النص الشعري، وسرعان ما يقر مباشرة بما قد سبق ولمح إليه، ولعل أبرز مثال على ذلك حين تنبأ بمحاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك على كل جرائمه في حق البلاد منذ عام 2005، حين كان النظام المباركي في أوج قوته وعنفوانه، حين كان يمضي في مشروع التوريث.
وأكد على ما سبق الناقد والقاص أسامة أمين ريَّان، فيرى أنه يحمل روح الثائر المجدد للتراث، الذي يلعب دوراً تنويرياً لا يخفى على أحد، فيصل شعره إلى مرتبة الفلسفة، ليصير شاعراً فيلسوفاً، كما أنه أيضاً مُرَبِّي للثوار، حيث يعمل على «أسطرتهم» ــ نسبة إلى الأسطورة ــ وذكر من أعماله قصيدة «كفوا عن التضليل»، التي تزكي روح الثورة داخل كل من يقرأ القصيدة، كما أن شعره يؤكد على مبدأ عدم تعارض الفن والإيمان، حيث يعمل الفن كسبيل أخلاقي يؤدي إلى حالة إيمانية خاصة تختلف من فرد لآخر.
محمد عبد الرحيم