عناوين

عنوان (1) الساعة تُشير إلى اقتراب الموعد المحدد تجلس رنا على مقعد مكتبها الخشبي الصغير مُمسكة القلم وتكتُب، «لطالما خاطبت نفسي متى اقتربت لانتشال الورقة البيضاء بحذر لما لم يمتلكني اليأس بعد؟ مِن أين استطاعت حروفي أن تستمد تلك القدرة على المقاومة؟ أحياناً تراودني فكرة اكتساب الكلمات صفات كاتبها مع مرور السنين!». في المغلف الصغير وضعت رنا الورقة وبنجاح استطاعت تجاوز كافة المعلومات المتعلقة بالاسم والبلد، وأمام العنوان شعرت للحظات بضرورة إعادة فتح الورقة من جديد، علّها تمنحها ولو إشارة واحدة فقط تستعين بها لمعرفته. وقبل عودتها لفتح المغلف مجدداً استدارت بسرعة نحو الساعة المعلقة على الحائط، التي تُشير إلى تأخرها عن الموعد المُنتظر، أمسكت المغلف وضعته في الدرج بين سائر المغلفات التي أضاعت عناوينها هي الأخرى.

عناوين

[wpcc-script type=”fa2444e218d3644ab11766ce-text/javascript”]

عنوان (1) الساعة تُشير إلى اقتراب الموعد المحدد تجلس رنا على مقعد مكتبها الخشبي الصغير مُمسكة القلم وتكتُب، «لطالما خاطبت نفسي متى اقتربت لانتشال الورقة البيضاء بحذر لما لم يمتلكني اليأس بعد؟ مِن أين استطاعت حروفي أن تستمد تلك القدرة على المقاومة؟ أحياناً تراودني فكرة اكتساب الكلمات صفات كاتبها مع مرور السنين!». في المغلف الصغير وضعت رنا الورقة وبنجاح استطاعت تجاوز كافة المعلومات المتعلقة بالاسم والبلد، وأمام العنوان شعرت للحظات بضرورة إعادة فتح الورقة من جديد، علّها تمنحها ولو إشارة واحدة فقط تستعين بها لمعرفته. وقبل عودتها لفتح المغلف مجدداً استدارت بسرعة نحو الساعة المعلقة على الحائط، التي تُشير إلى تأخرها عن الموعد المُنتظر، أمسكت المغلف وضعته في الدرج بين سائر المغلفات التي أضاعت عناوينها هي الأخرى.

عنوان (2)

حان وقت خروجك، صرخ المسؤول عن فتح الباب بكل حماس، وقبل أن يغادر رامي المكان نظر إلى كل ركن من زواياه علَّه يحتفظ بأكبر قدر ممكن منه في ذاكرته. «هل ستعود لزيارتنا قريباً؟» بابتسامة تملكتها السخرية سأله من كان رفيقاً له في المكان ذاته، وبالابتسامة ذاتها أجاب رامي مكتفياً بها عمّا يمكن قوله. اجتاز سائق «التاكسي» شوارع المدينة التي فقدت كثيرا ممّا كان قد احتفظ به رامي وتذكرّه طيلة أيام غيابه، مُستعيناً بورقة صغيرة كُتب عليها عنوان وجهته كادت هي الأخرى أن تفقد عدداً من حروفها مع مرور الوقت. للحظات تذكّر رامي أن الطريق التي يسلكها الآن هي الطريق ذاتها التي قطعها قبل سنوات عدّة، مودّعاً بها من تركهم خلفه أمام باب المنزل وهم يركضون بدموعهم وصراخهم وراء السيارة. «لقد وصلنا بإمكانك النزول» قال السائق بصوت مرتفع. أمام المنزل وقف رامي وقبل أن يهم بفتح الباب حاول أن يمنح نفسه شيئاً من الهدوء، بحث في جيبه عن المفتاح الذي كان قد استلمه فور مغادرته فتح الباب ودخل المكان.
«أمّا بعد هل تذكر يا رامي حينما جئتك زائراً في المرة الأخيرة وأخبرتك ما حلّ بأسرتك وأطفالك، وكم ذرفت دموعاً في تلك الليلة كالطفل الذي أضاع الطريق وفقد كل شيء، توجهت ليلتها إلى المنزل حاملاً حقائبي التي قمت بتجهيزها قبل زيارتك، وأنا أفكر عمّا يمكنني أن أتركه لك في رسالتي هذه، إعلم يا صديقي بأن الحياة ستضعنا أمام كثير من الاختبارات، وقد يكون أشدها ألماً ما تشعر به الآن، أُعذرني يا رامي حالي كحال الكثيرين أيضاً اخترت الرحيل ولربما يشاء الله أن نلتقي مرّة أخرى». نحو الصورة التي عجز المسمار المعلّق على الحائط التمسّك بها نظر رامي بحذر انتشلها احتضنها ونام.

عنوان (3)

اعتاد أبو أحمد قراءة الصحف الورقية يومياً وما أن ينتهي من قراءة كل ما يخص العودة إلى أرض الوطن حتى يتوجه للجلوس على مقعده الذي طلب من أحمد ابنه الوحيد أن يُبقيه مكانه مواجهاً لشاشة التلفاز. الساعة تُشير إلى بدء نشرة الأخبار يجلس أبو أحمد يشاهد كافة ما حملته نشرة المساء، وصولاً إلى تحية السلام الختامية من مذيع النشرة وتمنياته لقاء المشاهدين غداً في الموعد نفسه. ينظر إلى الساعة يجلس بجانب الهاتف منتظراً مكالمة أحمد « ألو أحمد عم تسمعني؟ بصوت مرتفع يجيب أحمد «آه آه عم بسمعك أبو أحمد، كيفك كيف صحتك طمني كنت قبل كم يوم تعبان خبرتني» يُقاطعه قائلاً «والله يا أحمد ما في شي جديد بها الأخبار الظاهر خلص بطل في أمل بالرجعة» بابتسامة تُخفي شيئاً من الحزن، الحسرة والأمل التائه يُجيب أحمد «أي رجعة يابا الله كريم يلا صار موعد نومك ولا تنسى الدوا تصبح على خير» بصوت منخفض يسكنه شيء من الانكسار أجاب أبو أحمد «وإنت من أهل الخير انتبه على حالك». أمسك أبو أحمد صندوقه الصغير بحث عن الصورة التي يُريد وبنظرة هادئة جلس يتفحّص ذلك المكان والبيت الصغير بأشجاره المتناثرة حوله. تذكر كلام الطبيب «يا أبو أحمد لازم اضلك مداوم على الدوا لضل صحتك قوية وتشوف البلد ع خير» تناول الدواء أعاد الصورة إلى الصندوق وأطفئ النور.
هناك عنوان تُخاطبه فلا يصله ما كتبت ولا تنقطع أنت عن مراسلته أيضاً، وهناك عنوان قد يمنحك فرصة العودة إلى المكان الذي تريد مهما أضاعت ذاكرتك تفاصيل شوارعه أو تغيّر بفعل الزمن فتكتشف سرعان ما تصله كيف لم يعد للوصول أي قيمة، وهناك عنوان تداخلت خيوطه بتفاصيل حياتك اليومية فبات أملاً صعب الانفصال عنه. وقد تحتفظ أنت بالعنوان وتسلكه حرفاَ حرفاً وتكتشف لحظة الوصول أن العناوين لربما لا تحتفظ بأماكنها أو تتخلّى عنها.
٭ الأردن

عناوين

تمارا محمد

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *