فيلم للمخرج الصربي أمير كوستاريكا… «مارادونا»: رسالة فنية ضد الفساد السياسي والاجتماعي

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يحظ لاعب كرة قدم في العالم بالشهرة والأضواء، مثلما حدث مع دييغو أرماندو مارادونا. هذه الأضواء التي لم تتخل عنه قط، حتى في محنته مع الإدمان. ربما يجهل الكثيرون الوجه الآخر لمارادونا، بخلاف لاعب الكرة الفلتة.

Share your love

فيلم للمخرج الصربي أمير كوستاريكا… «مارادونا»: رسالة فنية ضد الفساد السياسي والاجتماعي

[wpcc-script type=”f47645f0173886156cae1a83-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يحظ لاعب كرة قدم في العالم بالشهرة والأضواء، مثلما حدث مع دييغو أرماندو مارادونا. هذه الأضواء التي لم تتخل عنه قط، حتى في محنته مع الإدمان. ربما يجهل الكثيرون الوجه الآخر لمارادونا، بخلاف لاعب الكرة الفلتة.
فهو سياسي وثوري بقدر ما تحمل الكلمة من معان، وقد تحول الهدف الذي أحرزه في مرمى انكلترا في كأس العالم في المكسيك عام 1986 ــ بجانب كونه هدف القرن كما يطلقون عليه ــ إلى نصر سياسي من الطراز الأول لشعب فقير من العالم الثالث، في شِبَاك إمبراطورية إمبريالية لم تكن تغيب عنها الشمس، وغابت.

مارادونا بكاميرا كوستاريكا

لم يكن مارادونا بعيداً عن فكر المخرج الصربي امير كوستاريكا، الحائز السعفة الذهبية مرتين بفيلميه «بابا في رحلة عمل» 1985 و»تحت الأرض» 1995، وهو المُصر الدائم على كشف ما تعانيه الشعوب المضطهدة، وحياة وحريات الأفراد، التي تهددها على الدوام السلطات القمعية في هذه البلاد، هذه الأفكار نفسها التي حملها مارادونا حينما شارك في موكب الاحتجاج ضد زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش للأرجنتين عام 2005، بمصاحبة الرئيس الفنزويللي تشافيز، المعروف بموقفه الانتقادي للسياسة الأمريكية.
وقد أضاء كوستاريكا جوانب كثيرة في حياة مارادونا، إنسانياً وثورياً بفيلمه التسجيلي الأول، واللافت (Maradona)، الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي 2008، فهو رسالة سياسية تمزج بين نهج كوستاريكا وسلوك مارادونا تجاه الدول العظمى.

يد الله والهدف الثوري

(دييغو مارادونا إنسان كان يحس برغبة شديدة في الثأر لحظة توجيهه الكرة نحو مرمى إنكلترا خلال مباراة كأس العالم عام 1986، ليس هو فحسب، بل السبعة عشر لاعباً الذين كانوا يقفون خلفه في تلك اللحظة، أولئك اللاعبون الذين قدموا من أجل إعادة الكرامة لكل الناس المُهانين لسنين وسنين، والذين كانوا بانتظار لحظة الثأر هذه.
إنه بالنسبة لي في تلك اللحظات القليلة والحاسمة، لم يكن يوجه الكرة نحو الهدف فحسب، إنما هدّفها نحو مارغريت ثاتشر، رونالد ريغان، بريطانيا العظمى والملكة إليزابيث الثانية والأمير تشارلز، البابا جان بول الثاني، وطالما كرة القدم هي لعبة تخييلية، فيمكننا عندئذ أن ندرج اسم جورج بوش الأب والإبن إلى القائمة! وبالنسبة لمارادونا كان ذلك كافياً جداً).
بهذه العبارات قدم إمير كوستاريكا مفهومه حول لاعب كرة منتخب بلاد فقيرة، جاء ليأخذ بالثأر التاريخي من دولة استعمارية من الطراز الأول، ولترسيخ وجهة النظر هذه، وتحويل ملعب كرة القدم إلى حلبة صراع، صَوّر كوستاريكا محاولة ممثلو الشر في العالم ..( ثاتشر/ملكة بريطانيا/ تشارلز/ريغان/ بوش) في شكل كاريكاتوري بالرسوم المتحركة في محاولة إثناء مارادونا عن إحراز هدفه التاريخي، وقد باءت جميع هذه المحاولات بالفشل، هذا الشكل الساخر من هؤلاء عمّق المغزى الدلالي للهدف الأسطوري في مرمى المنتخب الإنكليزي، هذه الدلالة التي تأخذ منحى آخر، حينما تحدث مارادونا عن الهدف الأول الذي أحرزه في المباراة نفسها، فقد أحرزه بيده، وهو يعلن أنه كان يقصد ذلك تماماً، وكان يشعر بفرحة عارمة، تجسد استطاعته في سرقة رجل جبار، وجعل الآخرين يضحكون على موقفه البائس، ليعلن مارادونا في النهاية، أنها لم تكن يده التي أحرزت الهدف، بل يد الله وإرادته!

الفقراء لا يخذلونك ولا يتخلون عنك أبداً

يحاول مارادونا تقديم صورة واضحة حول التفاوت المخيف بين فقراء وأغنياء الأرجنتين، ودول العالم الثالث عموماً، من خلال الحديث عن ذكريات طفولته، وعلاقاته الحالية بالصفوة السياسية في بلاده، الذين يتشابهون في كل الدول المنهوبة… (أتذكر حين كنت طفلاً يوم عاد والدي مرّة من العمل، وكان يومها لم يتقاض مالاً يكفي لإطعام ثمانية أطفال.
كنا ننتظره بصمت، لأنه لم يكن لدينا طعام لنأكل، الناس لا يمكنهم أن يفهموا ذلك، وأعني بالخصوص أولئك الذين لم يتضوروا جوعاً يوماً ما، نحن لم نحتفل يوماً بعيد ميلاد لأحدنا، لأننا لا نملك المال لفعل ذلك، الأصدقاء والأقارب كانوا يمنحونك قبلة بمناسبة عيد ميلادك، وتلك القبلة كانت بمثابة أكبر هدية، فالفقراء لا يخذلونك ولا يتخلون عنك أبداً، أما السياسيون وأولئك القريبون من الحكومة، فقد أصبحوا أغنى وأغنى، أنا أيضاً أتيحت لي الفرصة أن أصبح أحدهم، لكنني رفضت وقلت لا، لأن ذلك يستلزم السرقة من الفقراء. مرّة واحدة فقط في حياتي تحدثت فيها مع أناس يشتغلون في السياسة في الأرجنتين، وقلت لهم كل شيء عما فعلوه، لكنهم لم يريدوا سماعي، ينبغي علينا الاحتفاظ فقط بشيء قليل من الكرامة، إنني أنظر بغضب وحزن إلى التفاوت المخزي بين أولئك الذين يملكون كل شيء، والآخرين الذين هم بلا أي شيء).

مارادونا وكاسترو وبوش

وعن اللقاء الشهير بين مارادونا وفيدل كاسترو، يحكي لاعب الكرة الشهير في فرح طفولي، عن تفاصيل هذا اللقاء، ويقوم إمير كوستاريكا بعرض لقطات أرشيفية تصوّر احتفاء رجل كوبا بلاعب الكرة، الذي يجسد صورة أخرى من صور الكرامة… (كنت قد حصلت على جائزتين في عام1987.
واحدة في كوبا والأخرى في أمريكا، قلت للأمريكيين: «يمكنكم الاحتفاظ بتلك الجائزة» وذهبت مباشرة إلى كوبا. قابلت فيديل وتحدثنا لمدة خمس ساعات عن تشي جيفارا وعن الأرجنتين، بالطبع كنت فتىً حين قرأت عن الثورة وعن شجاعة جيفارا، وفيديل. أتخيله أحياناً مثل أسد وهو يقاتل من أجل بلاده. إنه السياسي الوحيد، إذا أردنا تسميته هكذا، الذي لم يفكر يوماً في السرقة من الفقراء). هذا الموقف يختلف تماماً عند سؤال مارادونا حول بوش وإمكانية زيارته، وقد أصبحت الأرجنتين في الكثير منها عبارة عن مستعمرة أمريكية، فقد تنازل الكثير منهم، وباعوا أراضيهم وأرواحهم إلى الولايات المتحدة، ليقول في عبارات حادة واضحة .. (شيء واحد أعرفه .. هو أن ليس لديّ الشجاعة الكافية للتعامل مع بوش، لأنني لا أحبذ تناول الطعام مع سفاح).

ليست مجرد لعبة

لم يخجل مارادونا من أن يتحدث عن سقطاته، وعيوبه الشخصية، والفترات القاسية التي مرّت به وقت معاناته مع الإدمان، وتأثير ذلك عليه وعلى أسرته، وندمه الشديد على ضياع الوقت، من دون أن يرى ويستمتع بأبوته، ويبنى تفاصيلها اليومية، ككل الآباء الآخرين، ويغفر له وقوفه أمام نفسه، من دون مواربة، ومعرفة ماذا يريد.
ربما بعد هذا الفيلم نرى أن كرة القدم ليست مجرد لعبة شعبية، رغم ما تشغله من اهتمام بين الناس، كما قد تتغيّر وجهة نظر لاعب الكرة نفسه في مهمته الحياتية، وقدره في كونه لاعب كرة، فالفيلم رسالة سياسية واجتماعبة في المقام الأول، ويُجسد بوعي عميق، بدون عبارات رنانة جوفاء، نجد صداها لدى الكثير من السياسيين ورجال الدين والمناضلين الزائفين، الذين يتفننون في الضحك على قاصري العقول، وكلما زادت شعبيتهم، ازدادت أرصدتهم في البنوك، فهل لدينا الجرأة أن نثور على هؤلاء، وألا نجعل أي قداسة إلا للحقيقة، وننأى بعقولنا عن الفضائيات، التي تكرّس لنا السلطة وممثليها، وتساعد في جعلنا مجرد قطيع هَش الروح، نسير وراء سياسي فاسد، أو رجل دين أفسد، من دون أن ننسى مواجهة أنفسنا بعيوبنا في المقام الأول؟

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!