فيلم يسري نصر الله «الماء والخضرة والوجه الحسن»… حكمة (الطبيخ) وفلسفته

القاهرة ــ «القدس العربي» : مع كل عمل جديد للمخرج يسري نصر الله تبدو السينما المصرية دوماً في حالة انتظار للإضافة التي ستأتيها، والطفرة الإيجابية التي ستنالها. يبدأ الأمر من خلال أخبار عن مشاركة أفلام نصر الله في المهرجانات الدولية، آخرها مهرجان لوكارنو، الذي عرض فيلمه الأخير «الماء والخضرة والوجه الحسن»، الذي بدأ عرضه في دور السينما المصرية منذ أيام، كذلك تأتي إلينا آراء النقاد والدوريات العالمية، التي تشيد بأفلام نصر الله ــ تأتينا مقتطفات مُترجمة في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، والمغلوطة في أغلبها، أو الانتقائية مع افتراض حُسن النوايا ــ وبالتالي لم يخرج هذا الفيلم عن السياق الاحتفائي. الوجه الحسن يأتي بعد فيلمه «بعد الموقعة»، الذي حسب الصحافة والمُهللين الشرفاء أظهر الوجه الحقيقي للثورة، وعبّر عنها أدق تعبير. ولكن الدعاية والصخب والنغمة الاحتفائية، التي يجيد نصر الله اللعب عليها واستغلالها، تتباين تماماً عند مُشاهدة هذه الأعمال. وفي فيلمه الأخير يبتعد نصر الله عن النضال السينمائي ومعالجة القضايا التي تؤرق المجتمع المصري، يبتعد عن المباشرة والصوت الزاعق، ويحاول ظناً أنه يخلق عالماً قريباً مما يحدث بالفعل. الفيلم أداء.. ليلى علوي، باسم سمرة، صابرين، أحمد داوود، إنعام سالوسة، محمد فراج، علاء زينهم. سيناريو أحمد عبد الله ويسري نصر الله. فكرة باسم سمرة. إخراج يسري نصر الله. تصوير سمير بهزان. مونتاج منى ربيع. ملابس غادة وفيق. موسيقى وائل علاء. ديكور حمدي عبد الرحمن.

فيلم يسري نصر الله «الماء والخضرة والوجه الحسن»… حكمة (الطبيخ) وفلسفته

[wpcc-script type=”cf3f8320d829211d6f1a2688-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي» : مع كل عمل جديد للمخرج يسري نصر الله تبدو السينما المصرية دوماً في حالة انتظار للإضافة التي ستأتيها، والطفرة الإيجابية التي ستنالها. يبدأ الأمر من خلال أخبار عن مشاركة أفلام نصر الله في المهرجانات الدولية، آخرها مهرجان لوكارنو، الذي عرض فيلمه الأخير «الماء والخضرة والوجه الحسن»، الذي بدأ عرضه في دور السينما المصرية منذ أيام، كذلك تأتي إلينا آراء النقاد والدوريات العالمية، التي تشيد بأفلام نصر الله ــ تأتينا مقتطفات مُترجمة في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، والمغلوطة في أغلبها، أو الانتقائية مع افتراض حُسن النوايا ــ وبالتالي لم يخرج هذا الفيلم عن السياق الاحتفائي. الوجه الحسن يأتي بعد فيلمه «بعد الموقعة»، الذي حسب الصحافة والمُهللين الشرفاء أظهر الوجه الحقيقي للثورة، وعبّر عنها أدق تعبير. ولكن الدعاية والصخب والنغمة الاحتفائية، التي يجيد نصر الله اللعب عليها واستغلالها، تتباين تماماً عند مُشاهدة هذه الأعمال. وفي فيلمه الأخير يبتعد نصر الله عن النضال السينمائي ومعالجة القضايا التي تؤرق المجتمع المصري، يبتعد عن المباشرة والصوت الزاعق، ويحاول ظناً أنه يخلق عالماً قريباً مما يحدث بالفعل. الفيلم أداء.. ليلى علوي، باسم سمرة، صابرين، أحمد داوود، إنعام سالوسة، محمد فراج، علاء زينهم. سيناريو أحمد عبد الله ويسري نصر الله. فكرة باسم سمرة. إخراج يسري نصر الله. تصوير سمير بهزان. مونتاج منى ربيع. ملابس غادة وفيق. موسيقى وائل علاء. ديكور حمدي عبد الرحمن.

رغبة وإثارة وعنف

عن أسرة شهيرة تعمل بالطبخ في إحدى قرى الريف المصري الشمالية ــ قرية بلقاس في محافظة الدقهلية ــ تدور الأحداث، الأب الذي يُلقي بحكمة السنوات عن فن الطبخ، والابن الأكبر المرتبط أكثر بالأب، والأصغر الذي يتملكه الطيش وعدم المثابرة على إتقان هذا الفن. وما بين الألوان الزاهية للريف، والطعام المختلف ألوانه، تبدو الصورة، ولكن ما بين هذه الصورة وحقيقة ما يعيشونه يبدو الصراع. كيف نجد إذن التركيبة العجيبة للصراع؟ أحد أثرياء القرية وأقارب هذه الأسرة، فليكن الثراء والسُلطة، لذا فهو مرشح مجلس الشعب ــ مجلس النواب كما يطلقون عليه اليوم ــ ويريد الحصول على أرض تمتلكها أسرة الطباخين، ليبدأ الصراع. من ناحية أخرى يحب الابن الأكبر الزوجة السابقة للعضو المُنتظر، والعائدة من الخارج بعد فترة غياب، مش كده وبَس، فأحد أفراد أسرة الطبخ هذه يتزوج عرفياً بشقيقة العضو الشرير، ليبدو الصراع في أقصى صوره، إضافة إلى أن الفتى الطائش ــ ابن الطباخ الأصغر ــ تحبه ابنه عمه، المخطوبة حسب الاتفاق العائلي للابن الأكبر، الذي بدوره كما أسلفنا يحب المُطلقة العائدة إلى القرية. هكذا تدور الصراعات المادية والنفسية في هذه الدراما الجديدة كل الجدة على السينما المصرية، فلا نضال زائفا ولا جعجعة فارغة كما في الأفلام التي تناولت أحداث الثورة، أو التي توسلتها، ولا أفلام عن الحواري والبيئات الشعبية، حيث المخدرات والقتل والرقص والغناء المجاني. عالم جديد يكتشفه نصر الله ويقدمه للجمهور السينمائي المثقف. ولكن هناك المخدرات والقتل ووصلة الرقص والغناء الشعبي أيضاً في الفيلم، والرد سكون بأنها طبيعة المجتمع الآن، والرجل مهتم برصد تحولاته وأحلامه.

قرية من قرى الكاريبي

هل الفيلم عن الواقع؟ لا، فالفيلم يمزج الواقع بالأساطير والمعتقدات الشعبية، ويحاول خلق حالة من الحلم الدائم. بداية من جلوس العروس في (طِشت) فلا تمس قدمها الأرض، حتى تصل إلى مكان جلستها بجوار رجلها المُنتظر، خشية الحسد والأعمال السُفلية. كذلك شخصية زوجة رجل البرلمان القاسية والمتسلطة، التي تؤوي أسدا رضيعا في سريرها ــ آه والله أسد ــ فهكذا يكون التسلط والقسوة. وكذا الحكايات المروية على لسان الأب، ورهانه مع الباشا حول مدى إجادته الطبخ، وقد كسب الرهان، وهو ساعة الباشا الذهبية، والخسارة إن وقعت ستكون فادحة، بأنه لن يمتهن المهنة مرّة أخرى. والميتة العجيبة للأب، عن طريق امرأة من العاملات معه، يحاول أن يمارس معها الجنس، لكنها ترده برفق، وفقط يجعلها تغسل قدميه، وتظهر له شعرها، وتقبله وتمضي. وبعد كل ذلك، وكما أن الواقع أقوى وأضل، يعود سبب الموت إلى تناول الأب كمية كبيرة من المنشطات الجنسية! هذه الرؤية الفلكورية المُهجّنة تتم صياغتها في خيال صانعها فقط، من دون فهم طبيعة هؤلاء، لا الشخصيات ولا أماكنها ولا الجو العام الذي تتنفسه، التنظير من خلال هؤلاء مصيره الخسارة دائماً.
وعلى العكس من نهايات أفلام المخرج السابقة، إلا أن حالة البهجة كانت الأساس في «الماء والخضرة والوجه الحسن»، فأهل القرية ينتقمون من العضو المنتظر، ويأتون بشقيقته المختفية، أمام الجميع، وفي حفل يحضره المحافظ، ويقولون الحقيقة أمام المحافظ ــ وكأنه رئيس الدولة مثلاً ــ وبهذا تنهار أحلام الشرير، لكن الزوجة الأكثر شراً، تسلط على الجميع جيوش النمل، فترتدي الزي المناسب، وتذهب إلى المَنحَل، وتخرج جيش النمل لينتقم من الجميع، فيهرولون كالقطيع، ولا يجدون سوى الترعة ليلقوا بأنفسهم، وهنا الكل يضحك ويُقبّل محبوبه، بل ويطلب الابن الأكبر الزواج من العائدة والمستغربة على الدوام وكأنها أجنبية من عالم آخر، وهي توافق بالطبع. مشكلة نصر الله أنه لا يعرف عن شخصياته إلا ما يسمعه من حكايات، ولا حتى يريد أن يتوافق مع هذه الحكايات، بل يقوم باختلاق ما يناقضها في الوقت نفسه. وإن كان فيلمه الأساسي «مرسيدس» هو أفضل أفلامه، لأنه يتسق في شيء من تجربته ــ لاحظ أن أصل الحكاية في مرسيدس مأخوذ من رواية بيرة في نادي البلياردو التي كتبها وجيه غالي، دون أن يُشير نصر الله لذلك، والتي تُرجمت مؤخراً إلى العربية ــ فكلما ظن أنه يقترب أكثر من المجتمع الذي يحلله ويراه من خلال الكتب والتنظيرات المتهافتة، تخرج الشخصيات نماذح مشوهة لمقولات أكثر تشوهاً، فلا هي كذلك، ولا ما تفعله إلا ألعاب كاريكاتيرية تثير الضحك، وتبدو كخيالات تتقافز على الشاشة، لا كما يحدث في الحقيقة ولكن كما تبدو في مخيلته، هذه المخيلة التي لا نجد سوى الكلمة العامية المصرية ودلالتها، التي تستطيع وصفها بدقة بأنها عبارة عن «طبيخ».

 

فيلم يسري نصر الله «الماء والخضرة والوجه الحسن»… حكمة (الطبيخ) وفلسفته

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *