في أعمال التشكيلي السوري خالد الساعي: منهج لتحرير الحروف من قيودها
[wpcc-script type=”0c430008be8fad28ffb1e4a8-text/javascript”]

الرباط ـ «القدس العربي» من محمد البندوري: يتميز الفنان الحروفي خالد الساعي بقدرته على تكتيل الفضاء بمواد حروفية مركبة تركيبا دقيقا وفق نهج صباغي طبقي متعدد المرامي الفنية، وهو بذلك يبرز تجربته في مجال الحروفيات وفن الخط العربي، ليقدم مشاهد جمالية من تجربته التي غدت بصمته الخاصة في مجال الفن الحروفي، حيث تتناغم أعماله بين إيقاعات الحروفيات والألوان المتناسقة والخطوط والأشكال، وبين امتزاج الخطوط العربية بأساليب فن التشكيل المعاصر. إن الفنان الساعي قد أحدث لنفسه أسلوبا فنيا خاصا دخل به مجال الحروفية، فاتجه نحو التعبير في تشكيلاته بخطوط ذات حركات يبسط أشكالها حتى تبلغ قيمة تشكيلية ممكنة في الفضاء. ففي المنظور النقدي يتبدى أن القاعدة التشكيلية لديه هي فن يحقق به أشكالا حروفية جديدة يطلق من خلالها سراح الحرف ويحرره من كل القيود، فيبتكر رؤى جمالية ينوع في الشكل وفي الكثافة والتموضع اللوني والحرفي أفقيا وعموديا، علويا وسفليا، داخل الفضاء بنوع من الزينة والجمال اللذين يؤثران على الرؤية البصرية، مما ينمي القدرات الفنية للمشاهد ليتفاعل مع تلك الأعمال بحس أكثر وتجاوب أكبر. وهي مكونات أساسية في أعماله تترسب في ذهنه فيطبقها بقدر ما يستدعيه العمل. وهذا من مميزاته في نحت أسلوب سوري عربي من خلال الخط والتشكيل تنتج عنه مجموعة من العلائق بين جماليات الخط وجماليات التشكيل، مما يفضي إلى إنتاج عدد من الدلالات والمعاني البلاغية. وفي هذا النطاق نجد نوعا من التوازن الإبداعي بين مجالات الخط بكل مكوناته وحمولته الثقافية والفنية والبلاغية وبين التشكيل وما يحتويه من جماليات معاصرة، وهو بذلك يخلق انسجاما وتوليفا مائزا بين العنصرين عن طريق انصهار الحروف في الألوان وتشكل الألوان بأشكالها في الحروف. وهذا يتأتى عن طريق تطويع الحروف وإبراز بلاغتها داخل النسيج اللوني وتطويع الألوان وإبراز قيمتها الفنية في الحروف والتراكيب والأشكال، وهو ما ينم عن قدرة فنية تمكن من اختراق اللون والحرف بطعم جديد وحلة شكلية جديدة ورؤية فنية جديدة، وذلك ما أنتجته خبرته في التفاعل مع الأشكال التعبيرية الحروفية واللونية بقيمة جمالية أوسع نطاقا. إن أعمال الساعي تحمل خصائص فنية ناتجة عن استلهامه من عناصر الخط العربي كل الغايات الإبداعية ذات الصيغ الجمالية المتنوعة من حركات وسكنات وكتل وتركيبات واسترسالات وتدويرات، ومن جماليات الفن التشكيلي كل أساليبه الفنية المعاصرة. إن الساعي يشتغل بوعي ويعالج كل الكيفيات اللازمة الخاصة بعمليات توظيف النقطة والحرف، وتوزيع المساحة واللون في فضاءات شاسعة، ليُولّد النسق الحروفي الفني والجمالي الحقيقي. إن تجربة الفنان الساعي تتمظهر في الوعي الفني باعتباره أسمى قيمة ترسم أجل الأهداف، وهي أيضا وسيلة لبث رمزية الفن الحروفي، ومقطعية الفن التشكيلي مع الخط العربي والتي تغذي التجربة العربية الفنية بتعدد اتجاهاتها وأساليبها الفنية والحروفية، وذلك لما تشكله جملة من التقنيات التي يوظفها الفنان في أعماله، حيث يطاوعه تشكيل الحروف في أنساق جمالية في المنظومة الحروفية العربية تبرز الخط العربي بتكويناته الفنية وبناءاته التركيبية وخصائصه الجمالية في المبهج الحضاري وتنطق بالدلالات والمعاني.
إن الفنان الحروفي خالد الساعي يهدف لوضع الحرف العربي – في إطاره الرمزي المجرد- في مكانة خاصة بين الفنون في العالم، وتوصيله إلى قيمة فنية قائمة بذاتها، وقيمة جمالية فريدة في نسيج الحروف المركبة. وهو ما تؤكده جل أعماله من خلال مظهريتها بإيقاعاتها، وبألوانها، وخطوطها، وأشكالها، وبتبادلاتها وباسترسالاتها وبتداخلاتها وبنسبها. إنها صيغ جمالية صرفة تسبح في بحور التجويد الحروفي بأوفر قدر مما تتطلبه المرحلة المعاصرة. لقد أ ضاف الساعي الجديد تلو الجديد للأسلوب الحروفي العربي، ورسم له مكانة رائقة في المبهج الفني، وقدّم الحرف العربي في حلل متنوعة، ذات قيم تعبيرية وجمالية وفنية مغايرة للمألوف السائد.