في إطار فعاليات مهرجان القاهرة الأدبي الأول: ندوة «آداب أوروبا غير المركزية»… الهروب إلى لغة تتيح الانتشار والتواصل
[wpcc-script type=”fb48a8d1b6b51405f445af4b-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»:لم تزل مشكلة اللغة كعائق أكبر في انتشار الكتابات الأدبية، والتواصل مع مجتمع ثقافي أوسع نطاقاً هي التي يُعاني منها بعض الكُتّاب، خاصة أن العامل الجغرافي لبلادهم أوقعهم في سوء حظ بالمصادفة لأن تكون لغتهم الأم تدخل تحت نطاق اللغة المحلية القاصرة لتخطي حدودها، إضافة إلى اللغات التي سيطرت على بلاد أخرى نتيجة الشكل الاستعماري، الذي إن رحل في صورته التقليدية، ظل باقياً من خلال اللغة.
ولعلنا هنا في عالمنا العربي نجد أن التواصل مع العالم يتم من خلال الترجمات إلى لغة أخرى على رأسها الإنكليزية والفرنسية. الأمر نفسه هو ما أشار إليه ضيوف الندوة التي أقيمت ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الأدبي الأول، بمركز دوم الثقافي.
جاءت الندوة تحت عنوان (آداب أوروربا غير المركزية)، التي تحدث بها كل من الشعراء.. الإيرلندي مايكل أكونيل، كتالين كالدما من إستونيا، والسويسرية إلما راكوزا، وأخيراً اليوناني خريستوس بابادوبلوس، وأدار الندوة الشاعر عبد الرحيم يوسف.
المناخ السياسي وآثاره
بداية أكد الشاعر الإيرلندي مايكل أكونيل على أن المناخ الثقافي ليس بمعزل عن كل ما يدور حوله، خاصة المناخ السياسي، الذي تمتد آثاره إلى كل شيء تقريباً، وهو ما يتجلى واضحا في العلاقة الوثيقة التاريخية والسياسية بين أيرلندا وبريطانيا، وهو ما كان له بالغ الأثر على الثقافة الأيرلندية وآدابها.
وأقر أكونيل بصعوبة اللغة الإيرلندية سواء المفردات أو القواعد اللغوية، مما يجعل البعض يرى في الكتابة باللغة الإنكليزية مهربا وملاذا، وبالطبع هذا بخلاف من يلجأ إلى اللغة الإنكليزية أو الفرنسية من أجل أن يؤَمِّن سرعة عرض وانتشار كتابه في الوسط الثقافي العالمي، نظرا لصعوبة الترجمة من اللغة الايرلندية، وعدم انتشارها.
من الإنكليزية إلى اللغة الأم!
المأزق نفسه أقرته الشاعرة الاستونية كتالين كالدما، التي ترى أن المشكلة نفسها تتجسد في بلدها أستونيا، وأقرت بدورها بصعوبة الترجمة من وإلى اللغة الأستونية، وأن هناك الكثيرين من أدباء وشعراء وطنها يلجأون إلى اللغة الإي تنتجه المرأة في الشرق، ففي إستونيا توجد تفرقة شديدة لا تخفى على أحد، قائمة على التمييز ضد المرأة وقضاياها وكتاباتها أيضا.انكليزية، كوسيط أكثر ضمانة للعبور إلى العالم كله، على الرغم من وجود أقلية في البلاد تتحدث اللغة الروسية وتكتب بها أعمالها الأدبية، لكنهم قلة لا يشكلون توجها عاما في البلاد، خاصة أنهم لا يعتبرون الأدب الروسي معبرا عنهم أو جزءا من أدبهم الخاص.
كما أشارت كتالين إلى مفارقة تجسد الأمر أكثر، فهي كثيرا ما تكتب باللغة الإنكليزية، ثم تقوم بترجمة ما كتبته إلى اللغة الأستونية! إضافة إلى التفرقة التي تتشابه والأدب الذ
الأصول والثقافة السائدة
بدأت الشاعرة السويدية إلما راكوزا حديثها منطلقة من وضع اجتماعي إلى الحالة الأدبية التي تعيشها الآن، وتنتج من خلالها مشروعها الأدبي/الشعري.
فقد ولدت من أب سلوفيني وأم مجرية، هذا بالإضافة إلى أن سويسرا لها أربع لغات رسمية وهي الفرنسية والإيطالية والألمانية والرومانية.
وهذه اللغات الكثيرة أدت إلى تنوع مصادرها الثقافية، خاصة أنها تجيد اللغة المجرية كلغتها الأولى، ثم تعلمت اللغة السلوفينية حين كانت طفلة نظرا لجذورها الأسرية، ثم تعلمت اللغة الألمانية في سويسرا، التي تتميز بالعديد من اللهجات.
وعلى الرغم من شعرية اللغة السلوفينية وما لها من تراث أدبي وشعري كبير، كما أن لها الكثير من شعرائها العظام، إلا أنها اختارت أن تكتب بلغتها الرابعة وهي اللغة الألمانية، على الرغم من أن الثقافة الألمانية تختلف عن السويسرية اختلافا كبيرا، وأن الأمر شديد التعقيد نظرا لما تتعامل به من موضوعات تتفق وأصولك التي تنتمي إليها ــ تؤكد راكوزا ــ لكنها تختلف تماماً عن فلك الثقافة الألمانية نفسها.
وأضافت أنها تكن محبة شديدة الخصوصية للغة المجرية، التي تراها شديدة العاطفية والشاعرية، لكنها حين بدأت تقرأ وتتعلم القراءة كان ذلك باللغة الألمانية، كما أشارت إلى مساهماتها في ترجمة الكثير من النصوص والأعمال من اللغات التي تجيدها إلى اللغة الألمانية، التي يتحدث بها الكثيرون في النمسا وألمانيا وسويسرا.
تجربة كفافيس
تحدث الشاعر اليوناني خريستوس بابادوبلوس، باليونانية، موضحاً أنه ليس تعصبا منه للغته الأم، لكن من أجل أن يتيح للحضور سماع لغة مختلفة، سادت لقرون طويلة بين الأمم، وهي تحمل في عباءتها الفلسفة والعلوم حين كانت الحضارة اليونانية تسود الأرض.
وأكد أن اللغة اليونانية كانت النواة للغات أوروبية كثيرة، ففي اللغة الإنكليزية على سبيل المثال، هناك ما يتجاوز الأربعين ألف مفردة مأخوذة عن اللغة اليونانية مباشرة. واستطرد أن الأمر لا يتوقف على الترحم على الأيام الخوالي، فهناك شاعران يونانيان حازا جائزة نوبل في العصر الحديث، سبعينيات القرن العشرين، وبالطبع كانا يكتبان باللغة اليونانية، ثم أشار الشاعر اليوناني إلى الشاعر الكبير كفافيس، الذي تعرفه مصر وعرفها جيدا، مشيرا إلى اعتزازه بهذا الشاعر العظيم، الذي كتب أشعاره باللغة اليونانية وتمت ترجمتها إلى كل اللغات.
وأضاف أن مشكلة اللغة اليونانية هي نفسها مشكلة اللغات التي تحدث عنها زملاؤه اليوم، لكنه أقر أنهم يعرفون موقعهم في المحيط الثقافي العالمي وأنهم يركزون على المستقبل.
قراءات
وبعد المناقشة بدأ كل من الشعراء في قراءة عدة نصوص في لغتهم الأم… بدأت بنص قصير بعنوان «كيس الإجابات المسروق» للشاعر الإيرلندي مايكل أكونيل، ثم تلته الاستونية كتالين كالدما بعدة نصوص «لحبيبي العائد من كربلاء/جغرافيا الحب/حبيبي يسخر منّي».
وأشارت إلى أن كلا من القصيدتين الأولى والثانية كتبتهما بالإنكليزية في الأساس، ثم ترجمتهما إلى الاستونية بعد ذلك.
أما السويسرية إما راكوزا فقرأت قصائد قصيرة جاءت تحت عناوين «الوقت/قياس/أنت وحدك تمضي/التلج».
واختتم القراءة الشاعر اليوناني خريستوس بابادوبلوس بقصيدة «لغة الهروب»، وقصيدة أخرى بعد عام من قدومه واستقراره في مصر، بعنوان «لن أكترث».
محمد عبد الرحيم