في افتتاح مهرجان القاهرة الأدبي الثاني… إبراهيم الكوني: أنا إنسان كل الديانات وأعتبر كل حكيم مشروع نبي
[wpcc-script type=”a9833361b7b93d65de0f1ddb-text/javascript”]
القاهرة ــ «القدس العربي»: جاء افتتاح مهرجان القاهرة الأدبي الثاني، المقامة فعالياته في عدة أماكن ثقافية في القاهرة ــ سواء مُستقلة أو تابعة للدولة ــ في الفترة ما بين 13 وحتى 18 فبراير/شباط الجاري، تحت عنوان «الأدب.. حياة»، بمشاركة 30 أديباً من 15 دولة، منهم .. مايكل مارش من الولايات المتحدة، جبار ياسين من العراق، بيتر وجسن من الدنمارك، فرانك بايس من جمهورية الدومنيكان، طارق الطيب من السودان، والسورية رشا عمران.
وكانت الجلسة الافتتاحية بمشاركة الكاتب الليبي إبراهيم الكوني، ضيف شرف المهرجان هذا العام، التي أقيمت في بيت السحيمي في القاهرة الإسلامية. وأدار الجلسة وقدّم لها الشاعر المصري أحمد الشهاوي، الذي يرى في المهرجان أحد المظاهر الثقافية المستقلة المهمة، على أمل أن يكون له الدور المرجو في تحقيق ثورة ثقافية، عوضاً عن الفشل في تحقيق ثورة على المستوى السياسي. من ناحية أخري قدّم الكوني ما يقترب من شهادته على اللحظة الراهنة، إضافة إلى التحاور مع الحضور حول قضايا الأدب والسياسة في العالم العربي.
الأدب حياة
أوضح الكوني في كلمته بأنه كان بصدد الاعتذار عن المشاركة، فما الجديد، لكنه كما يقول: ما الجديد الذي يستطيع إنسان اعتزل العالم منذ عقود مثلي أن يضيفه، لموضوع أضحى باطل المفعول بسبب الإسراف في الاستعمال… كان بالإمكان أن أضع هذا الاعتذار موضع التنفيذ، لو لم يهرع لنجدتي يقيني القديم الذي يقول «إحترس!» فأينما تبدّت مُسَلّمة فثمّةَ شَرَكٌ، وأينما وُجِد الشَرَك فثمّة كنز… فإن يكون (الأدب حياة) هو الترجمة الأمينة لأن تكون قيمة الحياة هي رسالة كل أدب… وإحساسنا بالحياة كـ(ملكية) هو ما يجعلنا نأمن الزمن فلا ننتفع بالكنز كهبة نلناها بمشيئة المجّان، لنستخدمها كما يقتضي ناموس الصفقة، ولكننا نطمئن إلى وجودها في ملكيّتنا كمجرد كنز تغترب فيه القيمة بسبب انعدام الاستعمال، وعندما نستيقظ من غفلتنا نكتشف أننا استهنّا بالقيمة في اللقية ــ هذه اللقية الملقّبة في مُعجمنا باسم السعادة ــ التي لا تقدّر بثمن، إلا لأنها لا توهَب مرّتين أبداً، ولكنها يقظة الأوان الذي فات.
النص وصاحبه
وما بين سلطة النص ووجود صاحبه، يرى الكوني أن، سلطة النصّ هي غنيمة سلطان مُطلق الصلاحية، وخالد بطبيعته كطاقة وجدانية مجبولة ببصمة القداسة، مقابل حجّة مخلوقٍ عاجزٍ، وفوق ذلك فانٍ، اسمه الشخص الذي أبدع النص. بوسع صاحب النص أن ينزل ساحة النِّزال شخصاً أيضاً إذا شاء، كما فعل همنغواي في الحرب العالمية، أو في الحرب الأهلية الاسبانية، أو كما فعل أندريه مالرو في الحرب الأهلية الصينية، أو كما فعل شولوخوف في الحرب الوطنية ضد الفاشيّة، ولكن إذا حكّمنا في المعادلة جناب النص، أو مفعول النص، بالمقارنة مع مبادرة الشخص كصاحب نصّ، فسوف نكتشف أن سلطان «لمن تُقرع الأجراس» أقوى مفعولاً من فعل همنغواي كشخص، و»قدر وجود الإنسان» عمل أعظم شأناً من مآثر أندريه مالرو في حرب الصين، و»مصير إنسان»، في حال شولوخوف، وثيقة إدانة في حقّ الحروب، ولكنّها أقلّ شأناً من «الدون الهادئ» المستوحاة إلهاما من الحرب الأهلية الروسية وليس مشاركةً؛ لأن ما يبقى من نشاط الإنسان، ليصير تالياً غنيمة الأجيال، ليس الحرف، ولكن فحوى الحرف، أي الموقف من وجودٍ لا خلود له، ولا حول له، ليتحوّل أمثولة متوارثة، إلاّ بروح الفعل المبثوث بطبيعته في النصّ.
الأدب والأيديولوجيا
ويرى الكوني أن الأيديولوجيا مسخت الأدب، وشوّهته، فيقول.. إرادة الحرية هي ما لا يُهزَم. تلك الحرية التي كانت منذ الأزل عَصَبْ الأدب، ولكن أجرَمَتْ في حقّها السياسة عندما اختزلتها في حرفٍ ميّت، ومُعادٍ للحقيقة، كالأيديولوجيا. فالأدب، إذا كان السليل الشرعي للميثولوجيا، فإنه النقيض الحقيقي للأيديولوجيا. فمن روح الميثولوجيا لم يولد الأدب وحده، ولكن وُلد اللاهوت أيضاً، وتدخّل الأيديولوجيا هو ما زعزع اللاهوت دوماً ليحوّله في حياتنا إلى طاغوت. ذلك أن ما يهمّ الأيديولوجيا ليس الحقيقة التي تسرح في بُعْد الحرية، ولكنها الحقيقة التي تتوهّم هذه السعادة بأنها تمتلكها، ناسية في حمّى حَمْلتِها أن الحقيقة هي ما لا يُمتلك. الحقيقة لا تحتمل الإحتكار، في حين لا تقنع الأيديولوجيا إلاّ بالاحتكار ديناً. فالأيديولوجيا جنسٌ من مسّ، من سُعار. من لوثة ذات بُعْد خاصّ. ولهذا لا تمسّ شأناً من شؤون عالمنا إلا وتناله اللعنة، ويحل فيه باطل الأباطيل. يحل فيه حرفيّاً وليس مجازياً، بدليل أنه لم يحدث أن تبنّت مشروعاً أو قضيّة إلاّ ودبّ فيها الشلل، وباءت بالفشل. اللاهوت نفسه اغترب فيه اللاهوت بفعل الأيديولوجيا. اللاهوت نفسه تنكّر لفحواه وغاب فيه الله، بسبب الأيديولوجيا.
ثم توالت أسئلة الحضور، التي يمكن إيجازها بـ:
الكاتب والنص والقارئ
بالنسبة إلى علاقة الكاتب بالنص الأدبي الذي يكتبه، يقول الكوني إن العالم كله يحكم موضوعياً على النص ولا شأن له بالشخص، لكننا في الوطن العربي، نبحث عن سيرة الشخص، ماذا يكون وماذا يفعل، فالحكم عليه مسبق، وهو مُدان إذا خالفك في وجهة النظر، لذلك فإن النص مُغيّب لأننا لا نقرأ، نحن أمة لا تقرأ، ولا نعترف برموزنا الثقافية، إلا بخروجهم من الحياة.
الرواية اليوم
وعن عالم الرواية وما يُكتب اليوم من أدب، ذكر الكوني، أن ما يحدث اليوم مع الرواية يعد استهتاراً بقوانينها، فلا يكفي السرد الوجداني مثلًا، أو أن يتم تناول تجربة ذاتية ونقول إنها رواية، فإن الرواية دراما، فإذا ما قرر كاتب أن يكتب شخصية، يجب أن يخضع لقانون الدراما. وفي ما يخص ما يُطلق عليه بـ«الروايات السياسية» الآن، يرى إبراهيم الكوني أنها بالكاد ترقى إلى التقارير، ويقول.. نحن مهووسون بالنزعة السياسية، ما يحطم روح هذا العالم نزعة تسييس الوجود، فالوجود أكبر من أن نحصره في زاوية بائسة ضيقة، نحن مهووسون بالسياسة وهذا سبب شقائنا ــ أكثر من الغربيين ــ نزداد اغترابا، نعاني نوعا من الجنون، وليس غريبا أن يظهر «داعش»، منذ أن سيطرت الأيديولوجيا علينا. وأنهى الكوني حواره بقوله، «أنا إنسان كل الديانات وأعتبر كل حكيم مشروع نبي».
محمد عبد الرحيم