في سياق أحداث المنيا: الإعلام المصري وحوادث استهداف الأقباط

القاهرة ـ «القدس العربي»: «إنه عمل إرهابي آت من خارج البلاد قاصداً أمن مصر المستتب وسلامة كل مواطنيها الآمنين السعداء، وأن البحث جار عن أشخاص دخلوا البلاد». رغم أن هذه العبارات جاءت تعليقاً على أحداث المنيا الأخيرة، إلا أنها أصبحت بمثابة الكلاشيه الذي يطالعنا دوماً في هذه المناسبات، والتي أصبحت ضمن الحالة الاعتيادية من كثرة تكرارها. لا يريد أحد أن يواجه حقائق ما يحدث، لم تزل الكلمات نفسها عن نسيج الشعب الواحد، وأن المسلمين والأقباط في مصر كأسنان المشط، من حيث تطبيق القانون وإحقاق العدالة، ولا فارق لقبطي عن مسلم إلا بالتقوى. ويبدو الدور الإعلامي على اختلاف توجهاته بالعمل على تعميق هذا الفارق، سواء بالمساندة الفارغة وتزييف الحقائق، أو بالنغمة الأعلى تحقيقاً لمآرب أخرى، أهمها مساندة النظام السياسي، الذي يتخذ من الأقباط ذريعة بحثاً عن وضعه المستتب التعس غير الآمن. كشف حادث المنيا الأخير عن مدى ما أصاب الشعب المصري من تعصب، ومدى تضارب المصالح بين دولة لا تجد نفسها إلا في وجود نظامها، واستغلال واستخدام الأقباط لتحقيق أهدافها، البعيدة تماماً عن حل مشكلاتهم، ومحاولة إقصاء أي رأي آخر يحاول رؤية الأمر بشكل مختلف، وتصدير التهم المعدّة سلفاً، من قبيل التحريض على الفتنة الطائفية، أو تكدير السِلم الاجتماعي، أو ما شابه من هذه الاتهامات التي لا تعني سوى الإطاحة بالمعارضين، وإحكام القبضة الأمنية على المواطنين، هنا تتحقق عدالة أسنان المشط، عدالة المساواة في مجتمع أصبح يشبه السجن الكبير.

في سياق أحداث المنيا: الإعلام المصري وحوادث استهداف الأقباط

[wpcc-script type=”1ac714d3c843b2fdd2fc30f0-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: «إنه عمل إرهابي آت من خارج البلاد قاصداً أمن مصر المستتب وسلامة كل مواطنيها الآمنين السعداء، وأن البحث جار عن أشخاص دخلوا البلاد». رغم أن هذه العبارات جاءت تعليقاً على أحداث المنيا الأخيرة، إلا أنها أصبحت بمثابة الكلاشيه الذي يطالعنا دوماً في هذه المناسبات، والتي أصبحت ضمن الحالة الاعتيادية من كثرة تكرارها. لا يريد أحد أن يواجه حقائق ما يحدث، لم تزل الكلمات نفسها عن نسيج الشعب الواحد، وأن المسلمين والأقباط في مصر كأسنان المشط، من حيث تطبيق القانون وإحقاق العدالة، ولا فارق لقبطي عن مسلم إلا بالتقوى. ويبدو الدور الإعلامي على اختلاف توجهاته بالعمل على تعميق هذا الفارق، سواء بالمساندة الفارغة وتزييف الحقائق، أو بالنغمة الأعلى تحقيقاً لمآرب أخرى، أهمها مساندة النظام السياسي، الذي يتخذ من الأقباط ذريعة بحثاً عن وضعه المستتب التعس غير الآمن. كشف حادث المنيا الأخير عن مدى ما أصاب الشعب المصري من تعصب، ومدى تضارب المصالح بين دولة لا تجد نفسها إلا في وجود نظامها، واستغلال واستخدام الأقباط لتحقيق أهدافها، البعيدة تماماً عن حل مشكلاتهم، ومحاولة إقصاء أي رأي آخر يحاول رؤية الأمر بشكل مختلف، وتصدير التهم المعدّة سلفاً، من قبيل التحريض على الفتنة الطائفية، أو تكدير السِلم الاجتماعي، أو ما شابه من هذه الاتهامات التي لا تعني سوى الإطاحة بالمعارضين، وإحكام القبضة الأمنية على المواطنين، هنا تتحقق عدالة أسنان المشط، عدالة المساواة في مجتمع أصبح يشبه السجن الكبير.

الشعب الواحد

عند كل كارثة تصاب وسائل الإعلام بالصرع، ويبدو أن ــ رغم التفاوت ــ الجميع يقولون ما يُملى عليهم بشكل أو بآخر، بأن الأمر بداية لا يمثل الإسلام، وأن المراد منه ليس الأقباط، ولكن ضرب نسيج الأمة، وأن الدولة عليها اتخاذ المزيد من الإجراءات الحاسمة في مواجهة الإرهاب، هذا التمهيد من قِبل برامج الفضائيات، خاصة وأن الغالبية من الشعب المصري تكتفي بمشاهدة هذه البرامج، وبالتالي فالأمر أشبه بتهيئة الناس لتلقي هذه الإجراءات، ليصبح تطبيق قانون الطوارئ مطلباً شعبياً ــ لاحظ المصلين من الجمهور في هذه البرامج والتعليق على الأحداث ــ وبالتالي كون النظام في خدمة الشعب بمختلف فئاته. هذه هي اللعبة المعهودة من الإعلام المصري، ومنذ زمن، فهو ليس وليد اليوم أو المصادفة، هناك صوت واحد يجب أن يسيطر ويملي على الناس ما يعتقدونه صوابا. لعبة حكومية قديمة منذ حركة تموز/يوليو 1952 والتي انتهت بهزيمة 1967 وامتدت إلى عهد السادات وانتهت بمقتله، وصولاً إلى زمن المخلوع في شكل أكثر حِرفية، وانتهت بثورة كانون الثاني/يناير 2011 وعادت في شكل أكثر فجاجة الآن، من خلال تكنولوجيا حديثة وأموال طائلة، تخدم مصالح المتمسحين بالنظام الحاكم، ظناً في الحماية والاستقرار، لكن العواقب ستكون أيضاً على غير هواهم.

فضائيات ومسلسلات

وتختلف الرؤية للأحداث وفق طبيعة القنوات الفضائية ورسائلها التي لا يتوانى كل بوق إعلامي الضجيج بها في وجه المشاهدين، القنوات المُسماة الخاصة والتي تعمل لخدمة النظام والمملوكة لرجال الأعمال، ثم قنوات الجانب الآخر، التي تبث من خارج مصر، والتي تعمل ضد النظام، وتحاول كشف عوراته، وأنه لا يخدم إلا نفسه، وما الأقباط إلا ذريعة لسن المزيد من القوانين المكبلة للحريات وتصفية الخصوم والمعارضين، وفي الأخير تأتي قنوات الفئة المنكوبة، والتي تحتلف رؤيتها أيضاً ما بين قنوات تؤيد النظام، وهي في الغالب تتبع الكنيسة، وأخرى تحاول رغم قِلة مواردها ــ فهي من زمرة المغضوب عليهم ــ ليبدو خطابها أكثر وقائعية، لكنه لا ينجو من نغمة التعصب، حتى وإن كان في شكل رد الفعل، ليصبح الغضب من الدولة ونظامها، الذي يتلاعب بقضية الأقباط كالنظام الذي سبقه. وعلى الطرف الآخر تأتي قنوات المتأسلمين، الذين يعتقدون أن على الأقباط ــ حتى الآن ــ دفع الجزية وهم صاغرون. ووسط هذا الصخب، يأتي صخب آخر جدير بالمتابعة والاهتمام، فالحادث الذي تم قبل ساعات من بداية شهر الصوم والعبادة، لم يؤثر على الوجبة الرمضانية المقدسة ــ المسلسلات ــ فالجميع يتابع والجميع ينتقد ويُفند أداء هذا البطل وهذه البطلة، والسباق على أشده، هناك الأموال الطائلة التي تم انفاقها على السخف السنوي، والرحمة على الأموات.

الشجب والاستنكار

كلمتان خفيفتان على اللسان، لسان البابا وشيخ الأزهر، هذا هو دورهما الآن، التصاوير والمزيد من التأسي، والوقوف مع النظام ــ لا نقصد الدولة ــ رغم أنه وحتى الآن لا توجد ثقافة التفرقة بين الدولة والنظام، فالجميع يتربص، والجميع يحوك المؤامرات، ونحن ضحايا قراراتنا الجريئة، ولابد وأن ندفع الثمن، هكذا يكون خطاب المؤسسة الدينية في مصر بفرعيها، وطالما لا توجد قوانين لا تفرق ما بين مسلم وقبطي، سيظل صوت هؤلاء، صوت واهن مقيت، فقد صلاحيته منذ زمن، فتظل القضية الدينية تدور في حلقة مفرغة. بابا الكنيسة يوصي بالصبر، ويشلح معارضيه، وشيخ الأزهر يعيد مناهج التعصب إلى مقررات الدراسة، ولا يجمعهما سوى تصاوير المناسبات والكوارث.

«المنيا بتفرح»

لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي بعيدة عن المناخ الإعلامي، والتي نرى من خلالها مدى التخريب الذي وصل إلى الروح المصرية، فتحت شعار «المنيا بتفرح» جاءت التعليقات على الحادث، لنرى بعض الحقائق التي ترسخت في سلوك ووعي فئة ليست بالقليلة من الشعب، فئة متعصبة، فهم يسخرون من عملية القتل، ويباركونها، ويرونها تهنئة تليق بالشهر الكريم. هنا يتعرى النظام أيضاً ــ كعادته ــ فأين القوانين وأين محاسبة وعقاب هؤلاء؟ تاريخ طويل منذ سبعينيات القرن الفائت، ثماره تصيبنا الآن، تاريخ طويل من تأصيل الفكر الوهابي في سلوك المصريين، هؤلاء الذين لا يرون في مصر دولة، أو وطن، بل الجزيرة العربية إلى قلوبهم أقرب. هذا السلوك لم يكم مفاجئا، ولك أن تسير في الشارع وأن تستقل وسيلة من وسائل المواصلات، لترى كيف يُنظر إلى الأقباط، وكأنهم جميعاً مستباحون، بالتعدي اللفظي أو الفعل، أو حتى نظرات الاستهجان، والجميع يتواطئ في ذلك، على رأسهم الجهاز الأمني، الذي برر في عبارة تدعو إلى الرثاء بأن السبب في أحداث المنيا هو أنها «رحلة دينية دون موافقة أمنية».

المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام

هذا الكيان المستحدث، والمُسمى بـ «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» والذي يترأسه النقيب السابق والمزمن للصحافيين مكرم محمد أحمد، جاء ليصبح سلطة على رقاب الصحافيين، بجانب القوانين والإجراءات التي لا تتوانى الدولة عن اتخاذها لحفظ السلم والأمن والوطن، ورغم خدمة الرجل للنظام السابق/نظام المخلوع، وأنه من أكثر أبواقه فجاجة، إلا أنه عاد الآن ليمارس عمله الأمني، ويصبح الخادم المطيع، فيرفع القضايا على الصحافيين ــ المعارضين بالطبع لأسياده ــ فيتهم إبراهيم عيسى بالتحريض على الفتنة الطائفية، ذلك لأن الأخير حاول التعرض للقصور الأمني، وأن النظام الحاكم لا يريد بالفعل أن يحل مشكلة الأقباط، وأن يوفر لهم الأمن في بلد الأمن والأمان.
النظام في الأخير لا يريد ولا يعمل إلا على حماية مصالحه ووجوده، وقضية الأقباط دوماً هي ذريعة إحكام قبضته الأمنية على الجميع، والتي لا تفرق بين قبطي ومسلم، فالمصري لا يشعر بكونه مصرياً خالصاً دون تفرقة أو تفريق إلا في السجون والمعتقلات.

في سياق أحداث المنيا: الإعلام المصري وحوادث استهداف الأقباط
استمرار مُمنهج لتغييب الوعي المصري
محمد عبد الرحيم
Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *