في كتاب «الأدب العربي عبر العصور» لهدى التميمي: قضايا أدبية بارزة وتجسيرٌ ثقافي بين حضارتين
[wpcc-script type=”38285dd11ddc9cfce5c61e8a-text/javascript”]
من واقع تجربتها في تدريس مادة الأدب العربي لطلاب اللغة العربية المتقدمة في إحدى الجامعات الأسترالية، أنجزت هدى التميمي هذه الدراسة التي اتخذت بعدا مبسطا وسهلا يتناوله الدارسون، الذين ليست لديهم معرفة سابقة باللغة العربية وآدابها، ولتوفير مادة تجعل القارئ قادرا على توسيع أفقه الثقافي والمعرفي وتعميق فهمه، إلى جانب توسيع مدارك طلاب اللغة العربية الأجانب الفكرية، ولسد الثغرة الثقافية بين الحضارة العربية والحضارة الغربية.
وفقا للعصور السياسية في التاريخ العربي، فإن هذا الدراسة قُسمت إلى المراحل والعصور الأدبية التالية: الوحدة الأولى- العصر الجاهلي، الوحدة الثانية- عصر صدر الإسلام، الوحدة الثالثة- العصر الأموي، الوحدة الرابعة- العصر العباسي، الوحدة الخامسة العصر الأندلسي، الوحدة السادسة العصر الحديث.
دقِّة المعنى وبُعد الخيال في شعرية ناضجة ومتكاملة:
في الوحدة الأولى من الدراسة ومن نظرة عامة، نتعرف على أنواع الشعر في ذلك العصر، وعلى شعر وشعراء المعلقات وأيضا على النثر وفنونه، إذ حدَّد المؤرخون العصر الجاهلي بمئة وخمسين سنة قبل البعثة، ويعد العصر الجاهلي أول عصور تاريخ الأدب العربي، وصل منه تراث أدبي متميز، احتلَّ الشعر فيه المكانة الأولى، يمكن تبين جوانب واضحة من حياة العرب في ذلك الزمن المليء بالأحداث والأخبار؛ حفظ هذا الشعر أيامهم ووقائعهم وأخبارهم وحياتهم. بالطبع لم يصل إلا القليل، الذي نُقل مشافهة من جيل إلى جيل، خلال العقود الأخيرة من القرن السادس الميلادي، يظهر هذا الأدب تقاليد حية عاشها الإنسان الجاهلي، وهي تقاليد اكتشفت بعد قرنين في وقت لاحق، مع مجموعات مهمة من الشعر سمّيت بالمعلَّقات.
تنوعت أغراض هذا الشعر، بين ما هو متعلق بالذات وما هو متعلق بالمجتمع، من أهم هذه الأغراض: الغزل، والفخر، والهجاء، والمدح، والحكمة، والوصف. وبالنظر إلى بدايات الشعر الجاهلي تجده ناضجا متكاملا؛ أما المعلَّقات فهي مجموعة قصائد من أدق الشعر معنى، وأبعده خيالا، وأبرعه وزنا، وأصدقه تصويرا للحياة التي كان يعيشها العرب في عصرهم قبل الإسلام، لهذا كله ولغيره عدّها النقاد والرواة قديما، قمة الشعر العربي.
اختلف في عدد القصائد- المعلقات، بعد اتفاقهم على خمس، وهي معلقات امرئ القيس وزهير ولبيد وطرفة وعمرو بن كلثوم، اختلفوا في البقية، فمنهم من جعل بينها معلقة عنترة والحارث بن حلزة، ومنهم من يُدخل فيها قصيدتي النابغة والأعشى، ومنهم من جعل فيها قصيدة عبيد بن الأبرص، فتكون المعلقات عندئذ عشرا.
تناولت الدراسة موضوع النثر في هذا العصر على نحو من الإيجاز، وعللت الدارسة ذلك بأن الجاهليين لم يدوّنوا ما يقولون في غالب الأحيان، ليس جهلا منهم بالكتابة لكن لأن الكتابة لم تكن نهجا ولا أسلوب تعامل في حياتهم المختلفة؛ تعرضت الدارسة في هذا الجانب إلى نماذج تعتبر من أشهر النصوص في ذلك، في ثلاثة ضروب، هي: الأمثال والخطابة والوصايا؛ وأشارت في السياق، إلى كتاب «أمثال العرب» للمفضل الضبيّ، وكتاب «جمهرة الأمثال» لأبي هلال العسكري، وكتاب «مجمع الأمثال» للميداني؛ وأشارت كذلك إلى قسّ بن ساعدة الأيادي في باب الخطابة؛ وفي باب الوصايا ورد نموذج من وصية أمامة بنت الحارث الشيباني إلى ابنتها أم إياس بنت عوف الشيباني، في وقت زفافها إلى عمرو بن حجر، ملك كنده.
بين الأصالة والتجديد والجنوح إلى الأسطورة والرمز:
تتناول الدراسة في الوحدة السادسة منها اتجاهات الشعر العربي في العصر الحديث، وتقدم تعريفات للمدارس الشعرية المختلفة مثل، المدرسة الإتباعية، التي تعرف باسم مدرسة البعث والإحياء الكلاسيكية، حيث حافظ شعراء هذه المدرسة على نهج الشعر العربي القديم في بناء القصيدة وتقيدوا بالبحور الشعرية المعروفة والتزموا القافية الواحدة في كل قصيدة، بالإضافة إلى متابعتهم للقدماء في ما نظموه من الأغراض الشعرية، كما تتناول أيضا الأغراض الشعرية الجديدة التي استحدثوها، ولم تكن معروفة من قبل، كالشعر الوطني والشعر الاجتماعي والقصص المسرحي، وأشارت إلى: البارودي، وأحمد شوقي وأحمد محرم وحافظ إبراهيم وبشارة الخوري وأحمد السقاف وغيرهم، باعتبارهم من أهم روادها، ومثل مدرسة الابتداع «الرومانسية» التي اعتبرتها الكاتبة ثمرة اتصال العرب بالعالم الغربي، واعتبرتها تعبيرا صادقا عن الذاتية والوجدان والشخصية الفنية المستقلة، من ملامحها: الفرار من الواقع واللجوء للطبيعة ومناجاتها والتفاعل معها، واستشراف عالم مثالي، أيضا تمتاز الأفكار لدى شعرائها بالأصالة والتجديد والتحليق في عالم الفلسفة والعمق الوجداني، ومن روادها: خليل مطران وأبو القاسم الشابي وإيليا أبو ماضي وعمر أبو ريشة. أما مدرسة الشعر الجديد (الواقعية)، التي تعدُّ طريقة للتعبير عن نفسية الإنسان المعاصر، وقضاياه، ونزوعاته، وطموحه، وآماله؛ ثمة عوامل متعددة أدّت لظهورها منها الرد على المدرسة الابتداعية «الرومانسية» الممعنة في الهروب من الواقع إلى الطبيعة وإلى عوامل مثالية، من روادها صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي ومحمد الفيتوري وأدونيس وبدر شاكر السياب، وغيرهم، تتصف ملامحها بـأن الانسان فيها هو جوهر التجربة، بمعاناته وحياته اليومية وقضاياه النفسية والاجتماعية والسياسية، وكذلك بالجنوح إلى الأسطورة والرمز، والتراث الشعبي، والإشارات التاريخية، وتأثرها بروافد مسيحية وصوفية ووثنية وابتداعية «رومانسية»، وتعرية الزيف الاجتماعي والثورة على التخلف، من الناحية الفنية تجد الوحدة العضوية مكتملة، فالقصيدة بناء شعري متكامل يبدأ من نقطة بعينها ثم يأخذ في النمو العضوي حتى يكتمل.
وهكذا مرورا بالشعر المهجري وموضوعاته، وشعر المقاومة الفلسطينية، إلى تناول بعض قضايا النثر العربي في العصر الحديث، وفنونه المستحدثة مثل المقالة، والخاطرة مفهومها وأنواعها وسماتها الفنية، والقصة القصيرة العربية نشأتها، والرواية وعناصرها، والمسرحية مقوماتها وعناصرها، والسيرة الذاتية وماهيتها كضرب من الفنون وأنواعها، دون أن تغفل الدارسة الإشارة إلى الأدب النسائي، في السياق.
بين الوحدة الأولى والوحدة السادسة تتعرض الدراسة لعصر صدر الإسلام، والعصر الأموي والعصر العباسي والعصر الأندلسي، والدراسة في مجملها محكمة أكاديميا، وحافلة بالنماذج الشعرية المتنوعة من مختلف العصور، وكذلك بالمقتبسات النثرية الثرة بضروبها المتعددة ولم تبخل بالتوقف عند بعض الأسماء البارزة من كل عصر.
٭ شاعر وصحافي من السودان
الصادق الرضي