في معرضه الجديد «عتمة.. ونور»: التشكيلي المغربي فيصل إحميشان ينشئ معالم تجريدية غنائية

الرباط ـ «القدس العربي» من عبد اللطيف الوراري: ضمن معرضه التشكيلي (عتمة.. ونور Clair-Obscur) الذي يقام في الرباط العاصمة في الفترة الممتدة بين 28 يونيو/حزيران و20 يوليو/تموز 2018، يعرض الفنان التشكيلي المغربي فيصل إحميشان تشكيلة من لوحاته الصباغية التي تنشئ حوارية خاصة بين اللون والسند، حيث تتشابك المساحات والبقع اللونية والخطّية التي لا تكفّ عن السيلان، بقدر ما تطبعها تجريدية غنائية تعيد تأويل معطيات الحياة المادية عبر مجموعة من الألوان السديمية والترابية في تحوُّلاتها البصرية المفتوحة على شعرية التضاد، وبالتالي تضع العين اللاقطة في صميم الجوهري الذي يتفلت باستمرار.

في معرضه الجديد «عتمة.. ونور»: التشكيلي المغربي فيصل إحميشان ينشئ معالم تجريدية غنائية

[wpcc-script type=”14786aeba38bdc8c352a5ed8-text/javascript”]

الرباط ـ «القدس العربي» من عبد اللطيف الوراري: ضمن معرضه التشكيلي (عتمة.. ونور Clair-Obscur) الذي يقام في الرباط العاصمة في الفترة الممتدة بين 28 يونيو/حزيران و20 يوليو/تموز 2018، يعرض الفنان التشكيلي المغربي فيصل إحميشان تشكيلة من لوحاته الصباغية التي تنشئ حوارية خاصة بين اللون والسند، حيث تتشابك المساحات والبقع اللونية والخطّية التي لا تكفّ عن السيلان، بقدر ما تطبعها تجريدية غنائية تعيد تأويل معطيات الحياة المادية عبر مجموعة من الألوان السديمية والترابية في تحوُّلاتها البصرية المفتوحة على شعرية التضاد، وبالتالي تضع العين اللاقطة في صميم الجوهري الذي يتفلت باستمرار.
في معرضه الجديد يلمح الزائر والمتتبع بين لوحاته المعروضة في الرواق الفني لمؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية، حقلًا من العلامات السيميائية الكثيفة التي يمكن أن تحيله إلى معطيات واقعنا المعاصر الموسوم بالتحول والخلط في كل شيء، بل تساعده على فهم حقائق هذا الواقع على نحو تجريدي وفني خاص.
سألنا التشكيلي فيصل إحميشان عما يمثله المعرض بالنسبة إلى تجربته الفنية، قال: «المعرض بالنسبة إليّ يمثل الشيء الكثير، فهو نتاج سنة ونصف السنة من العمل الذي يأتي إتماما للمعرض الذي قمت به من قبل في مدينة الصويرة، وكذلك نتاجا لنوع من التحدي والعمل المستمر والبحث والتجريب في ثنايا المادة واللون والشكل، للتعبير عن حقلي الإبداعي البصري بشكل دينامي يستوعب حركة الفكر والجسد في آن. ففي هذا العمل تتداخل الألوان واللمسات اللونية بتداخل توقيعات غرافيكية سريعة التنفيذ، تعبر عن نوع من اللطخية أو التبقيعية اللونية المبنية على التضاد والتباين في اللون والمساحة والكتلة.. وكذلك في السكون والحركة. فموضوع هذا المعرض ـ كما ترى- مبني على هذا الأساس؛ أي على «التضاد» بين العتمة والنور غير بعيد عما نعيشه في عصرنا الحالي من مفارقات فكرية، سوسيوثقافية وأيديولوجية سياسية، بين الجهل والمعرفة، وبين الخير والشر. فالنور في صراع وجودي دائم مع العتمة، بحيث لا يمكن التكلم عن أحدهما دون الآخر. فالنور يعني لي ذلك السمو والرقي الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بالخروج من عتمة الجهل إلى نور المعرفة».

الإقامة في الرمادي والأبيض

بهذا المعنى، فالفنان يبطن رسائل قوية وذات دلالة كبيرة بالنسبة إلى الجميع، تنادينا من وراء عناصر وتقنيات خاصة، من واجب أي متأمل للوحاته أن يجتهد في اكتشافها حسب خبرته وتأويله. يقول: «أعمالي التشكيلية ذات صبغة اختزاليّة تنضبط إلى سلطة التنفيذ السريع ذي الطابع الانفعالي التفاعلي، الذي يخترق قوّة الفعل إلى قوّة الحضور والتمرئي»، تبعًا لما يسميه «اللمسة السريعة والحركة المركّزة والتّوجيه الدّقيق للعين بمثل توجيه الجسد واليد»، وهو ما «يخرج الشكل من رحم العدم، كخروج الضوء من عباءة الظلمة، لتتكوّن اللوحة ملمحا تصويريا متجدّدا». بيد أنّ التقنية أو الأداء ليسا هما المهمين الوحيدين في عمله التشكيلي، بل الأهم ـ في نظره- هو «رسم المسار الذي يسحب العين إلى موقع ما في اللوحة سرعان ما يغيب ليتجدد مركز الإبصار مع فعل التأمل والتثبُّت».
في ما يخص اللون، فإنّ أعماله التجريدية تغلب عليها الإقامة في الرمادي والأبيض المتحلل من كل انتماء لوني. يقول: «هيمنة البياض وتدرجاته هو ما ينتظم ذلك الالتحام المادي الذي يسنّ قواعد خفية لاشتغال حثيث حول الضوء، باعتباره أهم مقومات البحث التشكيلي بالنسبة إلي. إنّه يحدد بدقة فصيلة الألوان الرمادية التي تتراوح في مجملها بين الأوكر والبني والأَجُري والأخضر المُسْوَدّ، ضمن تنويع كروماتيكي مشدود ومختصر؛ إذ يخضع لاحتكام نوراني في حالات الانقشاع والخفوت». وعلى هذا الاعتبار الجمالي، فإن لوحات فيصل إحميشان تعبرها «الخطوطيات السريعة والأشكال التبقيعية التي تحمل هوية صباغية تستمد ملامحها الرئيسية من التجريدية الجديدة، المبنية على تضاد شكلي ولوني (ضوئي) مفعم بالعديد من المعاني والدلالات».

تجريدية غنائية

منذ عقد ونيف، يعتكف هذا الفنان الشاب وأستاذ شعبة الفنون التطبيقية في مدينة أغادير، الذي ينتمي إلى الجيل الجديد من التشكيليين المغاربة، على تطوير حاسته الفنية من داخل مرسمه، الذي أصبح جزءاً من برنامجه اليومي، وعلى جعل تجربته الصباغية تمسك بالأساسي في ما هي تبوئ نفسها مكانًا خاصًّا بها، ضمن حركة فنية دائمة التحول. قال: «تجربتي الفنية تندرج ضمن تجريد حركيّ – غنائي، تجريد ما بعد الرسموية الذي أرسى دعائمه مبدعون كبار من أمثال: جاكسون بوللوك، وفرانز كلين، وجورج ماثيو وغيرهم من الفنانين العالميين، الذين رسموا معالم التحوُّل الجذري الذي شهده التاريخ الإبداعي الإنساني، وعلى ضوئه ظهرت حداثة فنية دعت إلى تأليف اللوحة الفنية، وإلى استقلال الفن عن الواقع الذي يأخذ عنه، وإلى رفض المفاهيم المثالية للجمال، والقيم الفنية التي كرّست خلال فترة صعود البورجوازية الأوروبية».
وأضاف: «مما لا شك فيه أن كل فنان أو مبدع في جميع المجالات الفنية تكون لديه الرغبة القوية والسعي دائما إلى البحث المستمر لنحت تجربته الفنية بثبات، وعلى نحو يخلق أسلوبا ما أو لمسة فنية تميز مشروعه الفني والجمالي، الذي يهدف من ورائه إلى طرح قضايا متعددة تهم محيطا يعيش داخله ومجتمعا مضطربا ينتمي إليه. فبدوري، ومن خلال هذا المعرض، أحاول أن أعمق التجربة الفنية التي تتجاوب من خلالها الرؤية الفنية والمنطق التقني لإنجاز تعبيرية متينة خاصة، تجعلني في صلب التحاور بين الشكل والمادة واللون، السكون والحركة، النور والعتمة.. كما أن لديّ الرغبة في إثبات رؤية فنية جمالية كلها دينامية وحيوية تتميز بقوة الحركة والتبصيم وسرعة التنفيذ، تحمل معها تفصيلات غنائية وشاعرية».
هذا الأسلوب الذي التجأ إليه احميشان يمكن للمتأمل أن يتبيّنه بوضوح من خلال لوحاته، فهذا الناقد المغربي إبراهيم الحيسن يؤكد على أن تلك اللوحات تغدو «فضاءات جمالية حرَّة لا محدودة تستوعب اندفاع الفنان وتعكس الكثير من انفعالاته أثناء البحث والاشتغال، مع ما يرافق ذلك من نشوة وعذابات وخيلاء»، فيما يستبصر الناقد التونسي فاتح بن عامر أهمية التجربة من البعد الطاقي، الذي تتمتّع به أعماله سواء كانت كبيرة أو صغيرة الحجم والمقاسات. ففي هذه الأعمال التصويرية، «يقترح فيصل إحميشان أن يقيم على ناصية المساحة ويدلّي الجسد نحو رغبته كما تتدلّى العناقيد إلى مصيرها العذب بفعل الامتلاء والجاذبيّة».

في معرضه الجديد «عتمة.. ونور»: التشكيلي المغربي فيصل إحميشان ينشئ معالم تجريدية غنائية
Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *