قصائد صفراء من غرفة العناية الفائقة… اللبناني جهاد الزين يكتب «شللٌ مستطير»

بين دمشق وبيروت في غرفةٍ للعناية الفائقة، بالقرب من الموت أو ربما من داخله كتب جهاد الزين (الشاعر اللبناني صاحب «قصيدة إسطنبول» الصادرة عن دار الفكر الحديث عام 2002 و»ذكريات الضفادع» عن دار الجديد عام 2002، الصحافي العامل في الشأن السياسي) قصائد ديوانه «شللٌ مستطير»، الذي صدر عن دار الجديد أيضاً في بيروت شتاء 2015.

قصائد صفراء من غرفة العناية الفائقة… اللبناني جهاد الزين يكتب «شللٌ مستطير»

[wpcc-script type=”13407e24bf01fef58c4038cd-text/javascript”]

بين دمشق وبيروت في غرفةٍ للعناية الفائقة، بالقرب من الموت أو ربما من داخله كتب جهاد الزين (الشاعر اللبناني صاحب «قصيدة إسطنبول» الصادرة عن دار الفكر الحديث عام 2002 و»ذكريات الضفادع» عن دار الجديد عام 2002، الصحافي العامل في الشأن السياسي) قصائد ديوانه «شللٌ مستطير»، الذي صدر عن دار الجديد أيضاً في بيروت شتاء 2015.
الديوان عبارة عن 77 صفحة مقسومٌ لقسمين ولشخصيتين أيضاً، وكأنّ الشاعر كتب القسم الأول وهو يرتدي سرواله الجينز ويتجوّل في شوارع بيروت وحارات الشام، يعرّج على المقابر والمشافي، والقسم الآخر كتبه مرتدياً بزةً رسميّة، يجلس في مكتبه ويحيك قصائد موزونة تقليديّة بشكلها بخلاف سابقاتها من القصائد النثرية الأكثر عدداً حيث يضم الديوان إحدى وعشرين قصيدة منها.
المقدمة كانت خير لسانٍ يعرّف بهذا الديوان فقد عنونت بـ «سيرة ذاتية بالأصفر» والديوان بكل تفاصيله أشبه بسيرةٍ ذاتية بعضها معاش ويشهد على ذلك استخدام أسماء حقيقية ضمن ظروفٍ واقعية تظهر جليّةً في القصائد، مثلاً في قصيدة «حقاً تقوم (ديالا ومروى تضيئان عجزك مثل انتظارك أعيادَ رائعة في البعيد….) وقصيدة «إلى رغدا» تشهد ايضاً، ذاك بالإضافة إلى أن القصيدتين في القسم الثاني من الديوان الأولى «خطفتُ منك التباساً» مهداة إلى أحمد بيضون وهي قصيدة مديحٍ بامتياز (خطفتُ منكَ التباساً سوف أرجعه/ وسوف يا داحض الريبات أدحضه، ما للخرافات إن جادلتَ فارتعشتْ/فرسانها السود وانزاحت لها وله) والثانية «عانيتُ مثواك» كتبت بعد وفاة جوزيف سماحة يخاطبه فيها ويرى في رحيله نافذة على الموت ليتيقّن من تفاصيله (أبا الغوايات حدّثنا عن العطش ال/ يوميّ محبرة الأيام ماذا ترى؟ كل الرسائل بعد الموت ميتةٌ/فهل عليك سوى أن ترسل المطرا)، أما المتخيل أو نستطيع أن نقول المعاش في درجاتٍ أعلى من الوعي فهو ما كتبه الزين عن موته أو عن الخطوة التي تسبق الموت، تلك التجربة التي تفتح الحياة لمنتهاها وتعيد الموت لمكانه، فقصيدة «حقاً تقوم» فيقول: (من داخل الموت/ أنت السجين وأنت العصي، جسمك الميت ليس مهماً فسوف يقوم قريباً ….) وكذلك في قصيدة «المقهى» يصوّر الموت حالةً قريبة محببة يستغرب لمَ لا تكون أليفة؟ ويتساءل عن نشاطه للمساء الطويل الذي سيسكنه (لماذا يكون الضريح أنيقاً وليس أليفاً/ وماذا على الميت أن يرتدي في احتفال المساء المديد الوحيد الذي دخله).
الوحدة لم تعدّ شعوراً غريباً فهي الأكثر حضوراً وقرباً يوماً بعد يوم، (وحيدٌ ولست الوحيد سوى أن تصر أن تكونك أنت) (انتهيت من اللعب إذ واصل اللاعبون وأنت خرجت) (لا تبخلوا بالمجيء ولو أن جناز دفني انتهى وغادرتم بعد تقديمكم العزاء..)، لكن جهاد الزين لم يستطع أن يخرج ويهرب من السياسة لم يتحرر من قضبان مفرداتها فها هو يستحضر الوطن والبلاد والاستقلال في عدد من النصوص «المشفى» (سريرك الوطن الوحيد فحيّه…/شعباً وأرضاً واحتفل بسلامه /حافظ على استقلاله) وفي قصيدة «المقهى» (سأخبركم أنني لم أعد مؤمناً ببلادي/ ولكنّها لعبتي أن أظل على أرضها الخطرة…/أرضها النزقة) وفي قصيدة «نخلة عبد الرحمن الداخل» (لا لستُ مثلك سيدي كي أجترح وطناً بديلاً للشآم) أما قصيدة «قبل أن يصبح هذا النيل نهراً» فهي أقرب لبيان شعري قصير ينعي حال العرب بين الفرات والنيل (يا إلهاً بين نهرين تواطأنا فأصبحنا لغات/ وكهوفاً لنبيين وأرضاً للشتات…)
من ضمن الثنائيات الحاضرة في هذه المجموعة موت وحياة، أمل ويأس …. نجد ثنائية المدن أيضاً تؤرجحنا بحبالها ما بين الشام وحاراتها وبيروت وبحرها، كما في قصيدة «كثرةٌ من أيادٍ» (سأغفو فتياً هنا في دمشق/ وأصحو هناك ببيروت كهلاً، سأغفو منيعاً هنا في دمشق/وأصحو هناك ببيروت هشاً، سأغفو سعيداً هنا في دمشق/ وأصحو هناك ببيروت ميتاً) .
حضور دمشق في المجموعة ليس خجولاً فهي حاضرة بأهلها وحاراتها وأصوات باعتها، فنجد أقوالاً يتداولها أهل الشام هنا (يا لوز يا مجنون /بتزهر بكانون) في «حارات عتيقة» مع لمعان قماش القصب، وأحلام الماء في طريقه نحو الغوطة، وهناك أيضاً نداء بائع السوس )برد برد بردانه/ إنتِ ليش زعلانة) في «نميمة الحمام» التي تحمل رنين النحاس بين جدرانها، وتحمل باقات من الياسمين لجيْد حبيبة تقف في ساحة الأموي.
الصور البيانيّة قليلة في هذا الديوان فالشاعر يتخذ خطاً بالسير له وحده، على تراب قصائده لا أثر إلا لخطوات أقدامه وعلى حذائه آثارٌ تشي بالكثير كما يقول هو في قصيدة «السهو» (ولن يختفي عن حذائك أي دليلٍ بأنك مزقت قلبك/ أودعته سلة المهملات). هناك بعض التشابيه والاستعارات التي تخدم الواقع الحاضر بشدة وتجسّد الحالة التي يريدها الزين وتقربها من بصرنا، وفي قصيدة «خطفت منك التباساً (بؤبؤ الشمس، هضاب أسى…) المفردات في مجملها خاصةً في القسم الأول من الديوان- مستقاة من اليوميات التي نعيشها المفردات مفردات عاديّة ألبسها جهاد الزين ثياب القصيدة وسار بها على دروب الشعر (العرس، شرايين، مقهى، اقتصاد…) أما في القسم الثاني فتختلف مفرداتها قليلاً فنجد (الجهاريّة الخضراء، التعاويذ، الغوايات، الخصيب، استشاطت، مستعراً، جموح…) كلمات جزلة تعيدنا للشعر العربي القديم، الشعر الذي يعتبر التصريع ثيمةً له، ذاك يعني باختصار أن تنتهي القصيدة بما بدأت به، هل يصح ذلك في قصائد النثر؟ لن يكون ذاك جائزاً طبعاً لدى حرّاس الشعر العربي بحلّته القديمة، لكن ما يشبه التصريع موجود في قصيدة «حارات عتيقة» التي استهلتْ بـ (كقميصٍ يبهره جسد…) وفي المقطع الأخير أيضاً كانت العبارة ذاتها.
وهنا أنا أيضاً سأعود للمقدمة التي بدأت بها، أعود للسيرة الصفراء، ذاك النص السردي الذي فرش أرض القصائد بسنابل فان غوغ الصفراء، وطلى جدرانها بأصفر رصين كجدران مقبرةٍ فرعونية، هنا أفاعٍ صفراء تبحث مع الزين عن الخلاص بالشعر وعن ألوهية الفنان، سيرةٌ تبدأ بكثيرٍ من التفاصيل وتنتهي بحلمٍ يحمل الكثير من البكاء.

كاتبة سورية

بسمة شيخو

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *