«قصائد» مجدي نجيب و«حكايات» محمد عبلة: الفن بروح طفل
[wpcc-script type=”25ebae179a6914c05ba05aa4-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»:وسط زخم المعارض الفنية التي تحفل بها القاهرة، سواء الخاصة أو الجماعية، تبدو تجربة كل من الفنان، مجدي نجيب 1936 والفنان محمد عبلة 1953 من التجارب المتميزة واللافتة. ومصادفة يتزامن معرض كل منهما، حيث جاء معرض محمد عبلة والمقام في غاليري «مشربية» بعنوان (حكايات لريم)، بينما أقام مجدي نجيب معرضه في غاليري «مصر» والمعنون (قصائد ملونة). كل من المعرضين يستوحي حالة الطفولة، ليرسم أو ليحكي بالمعنى الأدق، وبينما تأتي تلقائية نجيب المفعمة بالحيوية والفرح، تبدو عوالم محمد عبلة أكثر تجريداً ويغلب عليها الإيجاز والإيحاء. كل منهما يحتفي بعالم الحكي والموروث الشعبي ورموزه من سيف وحصان وأسماك وحيوانات مجنحة، أساطير تليق بمخيلة الأطفال، وهي أصدق كثيراً من حكايات عن الواقع لن تصيب الروح إلا بالملل.
قصائد ملونة
حالة من البهجة يصر نجيب على تصديرها للمتلقي، من حيث موضوعات اللوحات والألوان الزاهية، والأجساد التي تستعرض أصحابها في فرح. استبعد الفنان الواقع تماماً وحكى من خلال رسومات تشبه الأساطير حكايات أشبه بألف ليلة وليلة، إضافة إلى الحكايات والألعاب الشعبية المصرية في إطار لوحة واحدة، ترى نساء في ملابس ألف ليلة، وأطفالا من حواري مصر وفتيات في ألعابهن كالحجلة وغيرها. رجال ونساء من عصور مختلفة، ويمثلون فئات ومهنا مختلفة، هنالك المآدب الكبيرة، وألوان الطعام، وشخص في زي عسكري حديث، يقف بجوار امرأة من الفلاحات أو عامل من عُمال جنوب مصر. وجوه ضاحكة، وآلات موسيقية لا تخلو منها لوحة، هنا امرأة تعزف على العود، وتبدو أجساد النساء وكأنها ترقص على الإيقاع من خلال انحناءة بسيطة، تكشف عن جمال هذا الجسد، وتؤكد حضوره تماماً، خاصة وإن كان يتصدر إحدى اللوحات، أو يشغل مساحة أكبر في لوحة أخرى. نساء يقفن في مياه النيل بأجسادهن ويحملن قوارب يتنزه فيها الأطفال، هذه الحركة الدائمة في كل اللوحات حتى من خلال الواقفات خلف النوافذ والشبابيك، حالة من الحركة التي لا تهدأ، رغم رصانتها. ما يميز هذه اللوحات هي التلقائية الشديدة في اللون والإيقاع والشخوص، وخلق عوالم كحكايات الأطفال، لا تمتلك إلا منطق المخيلة، الذي يعلو على أي منطق سواه.
الفنان مجدي نجيب يُعرف بكتابته للقصائد والأغنيات الشهيرة، التي تغنى بها العديد من المطربين، ومنهم شادية وعبد الحليم حافظ ومحمد منير في أغنيات «ممكن، شبابيك، ومن أول لمسة» إضافة إلى أغنية «كامل الأوصاف» التي تغنى بها عبد الحليم حافظ. من ناحية أخرى عمل مخرجاً فنياً للعديد من الدوريات وخاصة مجلات الأطفال. ينتمي نجيب إلى جيل الستينيات، وأصدر عدة دواوين شعرية منها «صهد الشتا 1964» و»ليالي الزمن المنسي 1974» و»مقاطع من أغنية الرصاص 1976» و»الوصايا 1997».
حكايات لريم
من خلال تقنية القص واللزق يحكي عبلة حكاياته لـ (ريم)/حفيدته، مخلوقات وحيوانات تتوافق في اللوحة، هناك صراع ما يبدو داخل كل لوحة، تكشفه حركة الأجساد ما بين فتيات يرقصن ويتنزهن، أو يلعبن ألعابهن الطفولية. مخلوقات خرافية مُستمدة من حكايات الجدات والأساطير تظهر لتعطل هذا الفعل أو ذاك، إلا أن ذلك لا يمنع الفتيات من الفعل ومحاولات الاستمرار. لعبلة تجربة طويلة في رصد الحياة اليومية وإيقاعها، المحتفي دوماً بالبشر والأماكن، وربما هو من الفنانين القِلة، الذين يمارسون الفن والحياة من المنظور نفسه، لكنه هنا لجأ إلى تجربة وعالم جديد، مستخدماً تقنية مختلفة/القص واللزق، ويحكي عن عوالم أخرى لا تمت للواقع، حكايات خيالية مليئة بالرموز المُستقرة في المخيلة الشعبية المصرية، ما بين التفاؤل والتشاؤم كالقط والحصان المجنح والغراب. إضافة إلى حركة الأجساد وملامح الشخوص المُستمدة من تاريخ قديم، كوضعية الجسد الفرعوني مع بعض التحوير في الأقدام مثلاً، أو ملامح وجه يذكّر بالأيقونات القبطية.
ويبدو عالم الأبيض والأسود الذي يصممه عبلة ويسرد من خلاله الحكايات، دالا بطبعه على عالم يتأرجح ما بين النور والظلام، حلم وكابوس، غالباً ما يتداخلان معاً في اللوحة الواحدة، ولنا أن نعدد ما لا ينتهي من الثنائيات على هذه الشاكلة. هنا يصبح الإيحاء بالرموز والتجريدات أكثر وهو ما يتفق والحكايات. هناك عالم فوق واقعي تتآلف مخلوقاته ما بين بشر وحيوان ونبات، لذا غلب الترتيب الذهني الملحوظ بشدة على اللوحات التي تنوعت بين ما يأتي على شكل جدارية كبيرة، أو لقطات مُصغّرة تسرد جزءا من الحكاية أو الفكرة.
ورغم ذلك يوحي عبلة من خلال الحركة وإصرار الأجساد على التواصل ومواصلة أفعالها أن ثمّة أملا، وثمّة حياة وتجربة لابد وأن تكتمل من خلال حياة الشخصيات.
محمد عبد الرحيم