لوحات الفنان العراقي سنان حسين: أكثر من مجرد حلم

«الرَّسم مهنة الأعمى، فهو لا يرسم ما يراه، بل ما يشعر به» هكذا قال بيكاسو الذي وجد أن الفنان الحقّ هو مَن يرسم بعيداً عن قيود المجتمع والفن، لا يدفعه للرَّسم سوى استفزازٌ صريح لروحه يجبره على محاولة تصحيح الأخطاء التي تكاد تُغرق العالم دون خجل، لذا قام الفنان العراقي سنان حسين- مواليد بغداد 1977- بحبس مشاهد يوميّة من حياتنا ضمن مستطيلات لوحاته، ليكوّن مجتمعاتٍ صغيرة سرياليّة إلى حدٍّ ما تترنح ما بين الواقع و الخيال عاريةً أمام المتلقي من كلّ ما يمكن أن يُدعى مجاملةً أو زيفاً في محاولةٍ منه لتسليط الضَّوء على الثقوب التي تملأ رداء الحضارة في مجتمعنا، فالفن سلاحٌ مهمٌ وهذا ليس شعاراً حزبياً بل هو واقعٌ من الممكن أن نلمسه إذا كان الفنان يملك رؤية جليّة يسعى لإيصالها لعيونٍ عمياء لا تدرك ما ترى، ومن ثم لعقولٍ غافية، حيث تتسلل الأسئلةُ من لوحات حسين بخفةِ راقص باليه إلى فكر كلّ من يتأملها، تؤرقه، ليتساءل لمَ كلّ هذا البؤس في وجوه أفراد العائلة التي اختارها سنان بعناية ( من الممكن أن تكون عائلة شرقيّة غربيّة أو أمريكيّة حيث يعيش سنان اليوم، فالهويةُ مفتوحة في عالمٍ يتجه ليكونَ قريةً صغيرة)، هل ما يدور حولهم يستحقُ أن تجحظ عيونهم اندهاشاً؟

لوحات الفنان العراقي سنان حسين: أكثر من مجرد حلم

[wpcc-script type=”b77d570372149c27c296e503-text/javascript”]

«الرَّسم مهنة الأعمى، فهو لا يرسم ما يراه، بل ما يشعر به» هكذا قال بيكاسو الذي وجد أن الفنان الحقّ هو مَن يرسم بعيداً عن قيود المجتمع والفن، لا يدفعه للرَّسم سوى استفزازٌ صريح لروحه يجبره على محاولة تصحيح الأخطاء التي تكاد تُغرق العالم دون خجل، لذا قام الفنان العراقي سنان حسين- مواليد بغداد 1977- بحبس مشاهد يوميّة من حياتنا ضمن مستطيلات لوحاته، ليكوّن مجتمعاتٍ صغيرة سرياليّة إلى حدٍّ ما تترنح ما بين الواقع و الخيال عاريةً أمام المتلقي من كلّ ما يمكن أن يُدعى مجاملةً أو زيفاً في محاولةٍ منه لتسليط الضَّوء على الثقوب التي تملأ رداء الحضارة في مجتمعنا، فالفن سلاحٌ مهمٌ وهذا ليس شعاراً حزبياً بل هو واقعٌ من الممكن أن نلمسه إذا كان الفنان يملك رؤية جليّة يسعى لإيصالها لعيونٍ عمياء لا تدرك ما ترى، ومن ثم لعقولٍ غافية، حيث تتسلل الأسئلةُ من لوحات حسين بخفةِ راقص باليه إلى فكر كلّ من يتأملها، تؤرقه، ليتساءل لمَ كلّ هذا البؤس في وجوه أفراد العائلة التي اختارها سنان بعناية ( من الممكن أن تكون عائلة شرقيّة غربيّة أو أمريكيّة حيث يعيش سنان اليوم، فالهويةُ مفتوحة في عالمٍ يتجه ليكونَ قريةً صغيرة)، هل ما يدور حولهم يستحقُ أن تجحظ عيونهم اندهاشاً؟
الأفراد يحلّقون في الفراغ، لا أرض صلبة تقوى على حمل أحلامهم وأفكارهم، هم أقرب للمغادرة نحو العدم والهرب من الالتباس الذي يقضّ مضجع أفراد العائلة، أفرادٌ غير متزنين بشكلٍ مقصود، وبعيداً عن التوتر الذي يملأ المكان إلا أن الورد حاضرٌ بألوانه الفاقعة، موجودٌ مع التحف والتذكارات في غرفٍ أنيقة أو شوارع نظيفة محاطة بالأشجار مع حواجز أحياناً لنقف ربما، أو لندمرها ونكمل طريقنا.
أبطال اللوحات يطلّون كأبطال الأفلام بأزياء باذخة عصريَّة أحياناً ومن العصر الفيكتوري أحياناً أخرى إلا أن أقدامهم حافيّة إشارةٌ لعريٍّ مبطن يملأهم إنَّها الفضيحة التي لم تداريها أقدامهم، يثيرون الشفقةَ إضافةً للأسئلة، خصوصاً أقدامهم المتشابكة حيث لا مجال لمراوحة المكان، حبيسو أجسادهم هم، لا طرقاتَ ستحمل أقدامهم المكبّلة والتي تشير لحالةٍ نفسيّة تنبئ بالخوف والترقب، العجز يبدأ بالأقدام ولا ينتهي بغياب الأذرع عند مجمل الشخصيات، قيدٌ إضافيّ لإنسان إن توفرت لديه الإرادة لن يساعده جسده، جسده المكسور كبقية الأجساد المنحنية المهزومة، كذلك الوجوه مائلة يمنةً أو يسرة تسندها الأكتاف، مواجهة للمتلقي غير متواريّة ولا حتى جانبية كي لا يخفى جزءٌ من البؤس في ملمحٍ غائب.
التفكك الظاهر في عناصر اللّوحة يعكس تماماً حالة التشظي العميقة التي تملأ العلاقات الإنسانية، والقلق من هذا الانكسار كان العامل الأهم في خلق لوحات الفنان سنان حسين ذات المساحات الواسعة المشغولة ببعض الرموز ذات الإيدلوجيات الواضحة المعروفة مسبقاً بالإضافة لكتابات عربية مثل (حلال، حرام، مجرد حلم…) لا بهدف منح اللوحة هويّةً شرقيّة كما يفعل العديد من الفنانين بل لإظهار القيود الاجتماعية والحياتية والتأكيد على الشرخ في المجتمع وانشغاله بقضايا تبعده عن السكينة وتجرفه إلى حيثُ يملك الجدل ألسنةً طويلةَ لا تكلّ ولا تتعب من جلد الأفراد.
كيف يستطيعُ فنانٌ مجابهة كلّ هذا إن لم يلجأ إلى فلسفةِ السّخرية والمبالغة والتشويه التي سبقه إليها العديد من الفنانين وخصوصاً في أمريكا اللاتينية، ومحاولته تصوير الأشخاص وفق مزاجه كما فعل الفنان العالمي فرناندو بوتيرو في محاولاته إعادة رسم الموناليزا برؤية خاصة، فها هي شخوص سنان المختزلةُ الملامح تحمل رموزاً عميقة تلخّص فلسفةً واسعة لرؤيا الواقع المشوّه، فالحيوانات تتماهى مع البشر ليضيع الأصل ولا يبقى سوى كائنٍ خرافي يحيا في كنف سنان حسين الذي قدّم نفسه من خلال منهجيّة التَّشويه الإبداعي كما يقال، فنرى أن سنان يعتمد على فلسفة التضخيم في الأبعاد التشكيليّة التي يصوغها، حيث تطل الشخوص بوضعياتٍ بهلوانية متناقضةً مع التعبير الحالم الذي يسبغ وقاراً على وجوهها المشوّهة، وقد كُتب النجاح لفكرة سنان واستطاع نقد الآخر عبر وضعه في قالب تنكريٍّ ساخر، يقول سنان: «أبحث عن الخيال الواسع وما بين حلم الفضاء وارتقاء التكوين الرمزي أقدم لوحاتي التي تحمل هالات من التعبيرات والأحاسيس العميقة لتلامس وجدان الجمهور».
البناء الفني عند حسين حرٌّ لا عمقَ فيه ولا منظور، يريد منه التَّركيز على عدم التجانس بين الأفراد وهشاشة العلاقات بينهم، الخلفيات حياديّة عفوية مشغولة بحساسية وانفعال يظهر في الألوان، حيث يبحث سنان كما يقول عن الشفافية دائماً، ويعتبر التناغم بين الألوان من المكونات الهامة والضرورية للوحة.
ويكمل : «إنَّ اللون هو أحد أدوات التعبير فأحياناً نرسم مع التركيز على اللون الذي سينقل فكرةً ما في اللوحة، أجمع بين الألوان الرمزيَّة الواضحة وبين الألوان الشفافة التي توحي بالخيال الواسع والمزج بين الألوان يبدو جلياً في الفضاء الواسع في اللوحة مثل البحر والسماء والأرضيات».
الألوان عند سنان باهتة في مجملها بتدرجاتٍ واسعة تعكس حالة من الحزن والفتور بعيدة عن القوة والحيويّة، في بعض اللوحات الألوان تخلق توتراً وقلقاً يخيّم على العمل، ولا تطلُّ الألوان المليئة بالبهجة إلا مع الموسيقى التي تكاد تُسمع، منبعثةً من الآلات الموسيقيّة في لوحات سنان. الشفافية التي تطغى على معظم الألوان في أعمال سنان تحملنا للخيال لنتذكر أن هذا مجرد حلم!
التكوينات الشكليّة في اللوحات واضحة ومكتملة – تقترب من أعمال الفنانين العالمين في بعض النَّواحي منهم جوستاف كليمت والروسي شاغال خصوصاً حركة الأشكال المحلّقة- خلافاً للخطوط الخجولة المتماهية مع الأشكال والمختبئة داخل الألوان.
عن لوحات سنان حسين يقول الفنان يحيى سويلم في تقديمه لمعرض سنان «تزخر لوحاته بحشد لذكريات عديدة، وشحنة تعبيرية لأفكار وعواطف، لعلاقات المحبين والعاشقين ولدائرة هموم الأسرة من شد وجزر وحميميّة التمسك بشرقية الأسرة».
ويتابع سويلم: «… في استغراقه لخصوصيته الذاتية وبحثه عن ملامحه الأسلوبية وهويته، تمتد مناخات لوحاته لتشمل تلك الحالات السريالية المعاصرة، وأعطت له مشروعية للتحولات الغرائبية والمسخية، بمبرر البحث عن العالم الداخلي المبهم، وعلاقته مع الأليف من الطيور والحيوان، وكما تعرفه ذاكرته التراثية لبابل وأشور ومصر القديمة».

بسمة شيخو

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *