محنة الثقافة
[wpcc-script type=”7989a67ade18910e179b2b2b-text/javascript”]
حين يتشكل الوعي الثقافي يعني أن هناك وعياً معرفياً بالمحيط والواقع الذي يعيشه الإنسان.. ولأن المعرفة والوعي الثقافي لا يتأتيان بمزاجٍ شخصيّ أو تدريبٍ منفردٍ أو تلويحة سلطةٍ أو تعويذة إيهامٍ، بل تتأتّى من كونها نشاطاً مجتمعياً تعتمد في أحد أهم أركانها على تنشيط الوعي الثقافي والقراءة والمشاركة والحرية وإبداء الرأي ومواجهة ما هو معاكس لجمال الواقع والبلاد بالضرورة.
وأيضا تتشكل من كونها إثبات وجودٍ من أن الحاضر هو سليل حضارة تمتد إلى عمق التأريخ، وهي التي اندرجت على نحت المعرفة كأسلوبٍ ومنهجٍ ونهجٍ ورؤيةٍ لكي تتم صناعة حياةٍ مليئة بالعدالة.. لأن المعرفة بأهمية الثقافة والوعي هي التي تصنع مجتمعاً عادلاً وتمنع ظهور ديكتاتوريات تسيطر على العقل وتخضعه إلى العاطفة.
ولو تتبعنا حركــــة التأريخ لوجــدنا أن الطغاة دائماً يقفون بالضّد من الوعي وتعميمه والثقافة وانتشارها وحتى القراءة وأهميتها.
فتبدأ محاربة المثقف كونه رسول المعرفة وناشراً للوعي الثقافي وقابلاً لترميم المستهلك من الفعل السلطوي، ومنبهاً لخسارات الشعب من بقاء السلطة الطاغية ومفكراً في إيجاد الحلول لما هو طافح من الظلم وقائداً للأرتال الباحثة عن التغيير.. لذلك وأمام محنة عداء الثقافة والوعي تنشأ حركات متعصبة تجنح في منهجها لمحاربة الباطل لكنها تتخذ من منهج الإقصاء القاتل سبيلاً لتحقيق أهدافها، لأن الطريق الثقافي والوعي المعرفي مسدودٌ، ولأن المثقف لا يستخدم السلاح للتغيير، بل يستخدم الكلمة والصوت، فيكون الطريق المسلح هو الأداء والأداة القابلة للتخلص من الطغاة والفاسدين أيضا في كل مناحي الحياة. ولأن الجمهور يحلم بالتغيير فيكون مستخدم القوة الذي سيطر عقلياً على الغالبية وانتهج العاطفة سبيلا لتخدير العقول.
فإن المنتج الإقصائي سيكون أيضا الطريق الجديد لهذه الحركات التي تناصب العداء هي الأخرى للمثقف كونه باثاً للوعي والمعرفة والمعارض لكل ما هو يعارض الجمال في حياة الإنسان ويرفض الإقصاء كمنهج.
وأمام محنة الثقافة والمثقف يبقى الصراع دائراً دوما بين منهج الثقافة السلمي ومنهج السلطة القمعي التوسعي، سواء كانت هذه السلطة بيد طغاة جاء بهم التأريخ غفلةً من حركات التحرر كما حصل في العراق من انقلابات متتالية وما جاءت بهم الحركات التي تخلصت من الطغاة كما يحصل الآن من مواجهة مع التنظيمات الإرهابية التي نشأت لمحاربة الطغاة والبحث عن الخلاص لتتحول هي إلى قاتلة لكل القيم الإنسانية.. والمشكلة أن حركات التحرر دائماً ما تحتاج المثقف في لحظة التثوير والإبقاء على فكرها حتى الأيديولوجي منها أو القدسي أو المعتقدي، لأن المثقف هنا يبحث عن الخلاص من محنته، فتكون أمامه هذه الحركات التي سرعان ما تنقلب رأساً على عقبٍ لتحارب المثقف الذي وقف معها فتخونه في أوج تحولهـــا من المعارضة والثورة إلى السلطة، لأنها غير قادرةٍ على التخلص من مفهوم المعارضة أو الثورة، وتبقى تمارس السلطة وفق هذا المنهج الذي يقودها حتماً إلى الأسلوب ذاته الذي اتبعه الطغاة.
لينتج لنا محنةً أخرى للمثقف من أنه كان جسراً لاستغلال ثقافته ومكانته وقدرته على التعبير.. ومحنة لأنه سيكون في مواجهة أخرى مع السلطة الجديدة التي ربما تقوده إلى البحث عن بديلٍ جديدٍ يأخذ على عاتقه مهمة التغيير، وقد وضع في الحسبان أيضا أن المغيّر الجديد إذا ما وصل إلى السلطة سيمنح المثقف محنةً جديدة.. ولهذا تبقى الثقافة في دائرة المحنة.
٭ كاتب عراقي
علي لفتة سعيد