«مخططين» يوسف إدريس في عرض مسرحي لفرقة «فلسفة» في القاهرة… لا يوجد في العالم أكثر قسوة من المثاليين

القاهرة ـ «القدس العربي»: ضمن عدة عروض أقيمت على قاعة الحكمة في ساقية الصاوي في القاهرة، جاء العرض المسرحي «المخططين» عن مسرحية بالاسم نفسه ليوسف إدريس (1927 - 1991) من خلال فرقة (فلسفة) إحدى فرق المسرح المستقل. بمشاركة العديد من فناني المسرح الشباب، وقد قام بإعداد النص وإخراجه المخرج هاني مهران.

«مخططين» يوسف إدريس في عرض مسرحي لفرقة «فلسفة» في القاهرة… لا يوجد في العالم أكثر قسوة من المثاليين

[wpcc-script type=”d300ea5da27b39fc2aa8cf0b-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: ضمن عدة عروض أقيمت على قاعة الحكمة في ساقية الصاوي في القاهرة، جاء العرض المسرحي «المخططين» عن مسرحية بالاسم نفسه ليوسف إدريس (1927 – 1991) من خلال فرقة (فلسفة) إحدى فرق المسرح المستقل. بمشاركة العديد من فناني المسرح الشباب، وقد قام بإعداد النص وإخراجه المخرج هاني مهران.
تدور المسرحية التي كتبها إدريس عام 1969 عن الأفكار الثورية المثالية، التي ما أن تتحقق على أرض الواقع حتى تبدأ آفة الديكتاتورية في الظهور، والقبض على كل شيء، حتى أن الحالم الثوري يصبح في النهاية أحد ضحايا هذه الآفة، من خلال لحظة فارقة تكمن في اكتشافه حقيقة ما كان ينتوي وما حدث بالفعل.

الفعل الثوري وتبعاته

كتب يوسف إدريس مسرحيته كما أسلفنا عام 1969، وعرضت عام 1970 لمدة يوم واحد فقط، ثم تم إيقافها. وبدأت عروضها عام 1972. وكانت تصوّر فكرة يوسف إدريس عن فترة حُكم عبد الناصر، وما أدت إليه من مأساة يونيو/حزيران 1967. فإن كان الفعل الثوري تصاحبه في البداية أفكار من الممكن أن تكون نبيلة، إلا أن فرض هذه الأفكار بالقوة من شأنه أن يحوّل هذا الفعل إلى شكل ديكتاتوري من أشكال السلطة. نقول فعل ثوري لأنها لم تكن ثورة شعبية، بل مجموعة من الجيش رأت في أفكارها من الصحة ما يوفر لها ذلك، إضافة إلى الظروف السياسية والاجتماعية وقتها.

«المخططين»

مجموعة يترأسها زعيم شاب، يتسرب أفرادها داخل إحدى المؤسسات (مؤسسة السعادة الكبرى) ويحكمون قبضتهم، حتى يعزلون رئيسها، ويتولى الثوري الشاب زعيم التخطيط سلطة إدارة المؤسسة، لتصبح (مؤسسة السعادة الحقيقية) فما تغيّر هو الاسم فقط. ويرى الزعيم أن المدير السابق ما هو إلا زعيم الانتهازيين، ومن الأفضل الإبقاء عليه بدلاً من تسريحه وإعادته إلى بيته. تبدأ المفارقة حينما يكتشف الزعيم الشاب أن هذا التخطيط الذي طال كل شيء، وأن اللونين الأبيض والأسود المعتمدين فقط لدى الجميع ليس هما كل شيء ــ الرمز هنا للفكر الواحد الذي ينفي التعدد والاختلاف ــ هنا يشعر الزعيم بمدى الوحدة والكذب الذي كان يتوهم أنه حقيقة في البداية، إلا أن رفاقه يثورون عليه بعدما تفانوا في خدمة أفكاره، ويزورون خطاباته للناس، ويعود مرّة أخرى زعيم مؤسسة السعادة الكبرى هو الزعيم الحقيقي والفعلي.
فلم يحدث شيء لأن فرض الأفكار بالقوة رغماً عن إرادة الناس هو تسلط وفساد تماماً، مثلما كان الفساد الذي ثار عليه أو انقلب عليه أصحاب الرؤية الجديدة، التي لم تختلف عن سابقتها، بل أصبحت أعنف وأشرس وأشد.

ترسيخ فكرة الخطأ

سمح النص للزعيم او متزعم الحركة بمراجعة أفكاره، ومحاولته الرجوع عنها، لكن الخطر الأكبر يأتيه من رفاقه وما حققوه من مكاسب ومكانة في الحياة، لا يستطيعون التخلي عنها بسهولة، وهكذا يختار المؤلف الحل الأسهل دوماً، بأن نتعاطف مع صاحب الخطأ، وان نلوم مَن يحيطونه، هذه الفكرة التي لازالت تتعايش في رؤوس الكثيرين من أتباع عبد الناصر، أو المؤمنين بأفكاره، وفي الوقت نفسه يرون الأخطاء بعيده عنه ولو بمسافة تقبلها عقولهم!

الرفاق في كل مكان

التساؤل الذي يدور بمناسبة اللجوء لمثل هذا النص الآن ــ بخلاف التشابه بين التجربتين العسكريتين في المساوئ ــ ألم تكن فكرة الحفاظ على مكانة ما، هي سبب المأساة؟ الأمر هنا لا يُقاس بمكسب أو خسارة، فرفيق النضال للسلطوي يتشابه وصاحب النضال السياسي في التاريخ الشخصي، في القيمة التي يخلفها التاريخ. فهذا يمارس سلطة ويتمتع بها، وآخر ضحية لهذه السلطة ويتمتع بتاريخه النضالي، ولا يستطيع بحال أن يتنازل عنه، فتجده أحرص الناس على ذكر الديكتاتور، الذي لولاه ما صُنع تاريخ هذا. هذه هي حالة الفصام، وهذا ما يجعل السُلطة الفاسدة تعيش أكثر من حلم تغييرها أو القضاء عليها! ففي فناء هذه السلطة فناء مَن يُقاومها، وإلا ما كان هناك شيء اسمه التاريخ، رغم الشك في مصداقيته من الأساس. عليك أن تستمع لحكايات المناضلين وتكتشف أن مثاليتهم المستترة أو المعلنة ــ كل حسب حالته ــ لا تقل عن مثالية الديكتاتور المرعبة، فالمثاليون هم أقسى مخاليق الله، كما ذكر نجيب محفوظ في روايته «أفراح القبة».

العرض المسرحي

حاول العرض أن يتخفف من وطأة اللغة المصاحبة للأفكار الطنانة والمباشرة التي استخدمها يوسف إدريس، وقد جاءت لغة النص مباشرة وصريحة، وكان يمكن أن تصاغ الفكرة في مقال مثلاً، فحاول العرض أن يخلق نوعاً من الكوميديا تخفف من قتامة النص، خاصة من خلال رفاق الانقلاب، وكشف قصور فكرهم العقلي، إلا أن النص نفسه تشوبه الكثير من العيوب، أولها وأضخمها المباشرة، فكانت المحاولات مستميته لتجديد اللغة وابتداع مواقف تحاول أن تعبّر عن روح النص أكثر.

فريق العمل

العرض أداء كل من … محمد الكاشف، محمد إبراهيم، إيمان محمد، وسيد دويدار، أحمد نجم، أحمد فكيه، أحمد بلاك، حسام البدرى، محمد سمير، ياسمين صبري، مصطفى الزلفي، أسماء الصالح، بلال حسني، إبراهيم عبد الله، كريم داوود، رحمة محمود، أمين عاطف، أيمن فخري وضياء الوكيل. إضاءة أحمد عمر، مساعد مخرج أيمن فخري وباسم أسامة، مخرج منفذ محمد إبراهيم، إعداد وإخراج هاني مهران. تأسست فرقة «فلسفة» عام 2002، وتقدم أعمالها من خلال هواة المسرح الشباب.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *