معرض «أصحاب السعادة» لفناني الكاريكاتير يصور المتغيرات الاجتماعية في حياة المصريين
[wpcc-script type=”82a90165a5e78ed23ae989ae-text/javascript”]
القاهرة ــ «القدس العربي» : يعتبر فن الكاريكاتير فنا انتقادياً في المقام الأول، وهو الشكل التشكيلي الساخر، سواء من الشخصيات أو المواقف والطقوس والعادات، وكذلك السلوك الإنساني المعيب. في الكاريكاتير تسقط الجديّة المزعومة، وهالات القداسة الوهمية عن هذا الشخص أو ذاك، ويبدو ذلك من خلال المبالغة في التفاصيل والملامح، وكأنه يحطم الصورة التقليدية التي يريد الإنسان أن يرى نفسه من خلالها. ومن الشخصي إلى المناخ الاجتماعي السائد، يصبح الكاريكاتير سجلا توثيقيا كاشفا لسلبيات المجتمع والسلطة. فنان الكاريكاتير بذلك يصبح أحد أشكال الضمير الجمعي الشعبي، كاشفاً النقائص والعيوب المتوارية، التي نعيشها بدون التوقف أمامها، بما أننا متورطون في الفعل، ومتورطون في الحياة. ومن خلال استعراض أعمال بعض من أهم فناني الكاريكاتير في مصر .. رخا، صاروخان، طوغان، محمد حاكم، ومحمد عفت في معرض جاء بعنوان «أصحاب السعادة»، والمقام حالياً في غاليري بيكاسو في القاهرة، نستطيع عبر أعمال هؤلاء قراءة تباينات المجتمع المصري، ومشكلاته التي اختلفت وتطورت خلال ما يزيد على النصف قرن.
مقهى ونقاب وملاءة لَف
يرصد طوغان حياة الشارع المصري، الأماكن العتيقة، حيث الأزقة والمقاهي الشعبية، تبدو المساحات متسعة وفئات عدة يجمعهم المقهى، وفي شكل منتظم بدرجة كبيرة يجلسون يطالعون المارة، وكأنهم أمام شاشة سينما، إلا أن أبطال العرض من المارين يبدو التنوع في ملابسهم وانتماءاتهم أيضاً. ولكن هناك احتفاء بالجمال، هنا تتصدر اللوحة امرأة جميلة في زيها التقليدي وزينتها المعهودة، الملاءة اللف، والبُرقع والخلخال، لتصبح محط أنظار الجميع، فقط هي النظرة التي يتوسلونها، بينما المرأة تسير في تباهٍ بما منحها الله من جمال، لا أحد يتعدى حدوده، بدون أن يمنع ذلك من تساقط القلل من القهوة فوق جلباب صاحبها، الذي أدام النظر ولم يكتف باختلاسه. وفي عمق اللوحة بين الجالسين والمارين يقف الشرطي ــ عسكري الدَرَك كما كان يُطلق عليه ــ في هدوء وتحفز لحفظ الأمن والنظام. لوحة طوغان كانت في عام 1949، ليأتي مقابلها المقهى كما يصوّره محمد حاكم في عام 2016، ليبدو التباين الشديد، حيث الزحام والصخب والحركة التي لا تهدأ، صارت النساء المنتقبات يتصدرن المشهد، بدون أن ينفي وجود فتاة في الخارج ترتدي التنورة، وتخطو منفلتة من الزحام. وبينما حالة السكون عند طوغان تفرضها لحظة من الجمال، تصبح الحركة والإيقاع السريع هو سمة ما تمثله لوحة حاكم، الجميع في انشغال، حتى لعب الطاولة أو تناول المشروبات يشوبهما الكثير من التوتر، تظهر أيضاً أكثر من طفلة تقوم بالتسول، وتلاصق بعضا من الجالسين. نستطيع أن نستمع إلى صوت الصخب والزحام، أصوات متداخلة لنرجيلة ومذياع وعبارات الجالسين وضحكاتهم وضجيج الشارع والعربات في الخارج.
قارئة الفنجان
ويبدو التناقض الصارخ الذي يصل مداه في لوحة محمد حاكم التهكمية، من خلال امرأة بدينة (قارئة فنجان) يقف أمامها صف طويل لا ينتهي من البشر المختلفين، المرأة لا تجلس في منزل، بل تختلق مجلسها في الطريق، والجميع يريد معرفة المستقبل، هنا يتحوّل الشرطي إلى ما يشبه عسكري المرور، حيث يراقب الصف، بل ولم تعد نظرته كما عند طوغان مثلاً، فهو يتفاعل أكثر من جمهور المرأة، وقد أصبحت بدورها مظهرا من مظاهر مصادر رزقه.
اللوحة الخيالية في منطقها تصبح أكثر اقتراباً من عالم الوقائع الآن، وقد أصبح عالم الخرافة هو المسيطر على الجميع والمتحكم في ما يفعلون. الفئات المختلفة من الناس تكشف ذلك، فلا فارق بين فئة شعبية وأخرى مُترفة، لقد توحدوا على الخرافة، وأصبح المستقبل متوتراً ومرهوناً ببقايا قهوة تستقر في فنجان.
موسيقى محمد عفت
تأتي لوحات محمد عفت لتحاول تجسيد الإيقاع الموسيقي من خلال الحركة والخط واللون. يحتفي عفت بفناني الهامش الشعبي، سواء لاعبي التحطيب في الجنوب، أو عازفي الموسيقى في التخت القديم المعهود، حيث تشكل الآلة وصاحبها جسداً واحداً لا ينفصم. ومن ناحية أخرى يبدو الحِس التكعيبي في اللوحات، كما في الخط والتكوين، من اختزال لتفاصيل الأجساد، والتعبير بخطوط حادة تحاول إيصال الحالة أكثر من محاولتها التجسيد، فعصا التحطيب المتصالبة أعلى اللوحة تقابلها أقدام اللاعبين المتداخلة في الأسفل، وفي أقواس الجلابيب تتمثل الحركة وإيقاعها الراقص. كذلك يبدو المطرب القديم وسط فرقته في تشكيل بصري أقرب إلى الدائرة في مُجمله، وفي شكل مثلث رأسه عازف الكمان المشترك بين باقي العازفين.
من فتيات البلاج إلى أطفال الكتاتيب
وبينما يجسد كل من «رخا» و»صاروخان» مناخ الأربعينيات والخمسينيات في مصر، من خلال المدينة، في لوحة لفتاتين على شاطئ البحر، أو فنانة تشكيلية تقف مُبتسمة في مرسمها، يذهب طوغان إلى قرى تلك الفترة وما يليها، فيبدو (الكُتّاب) والطريقة المعهودة قديماً في تحفيظ الأطفال للقرآن، كذلك تسجيل بعض من مظاهر الحداثة وقتها، والمتمثلة في وجود الهاتف في القرية ــ وهو أمر من الأعاجيب ـ وكان الهاتف في محل بقالة، حملت لافتته اسم .. (بقالة العصر الجديد).
محمد عبد الرحيم