معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ47 : ما بين شعار «الثقافة في المواجهة» وتربص الدولة بالمثقفين
[wpcc-script type=”7bd0f317eb607e8e84fe6834-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: يأتي معرض القاهرة الدولي للكتاب السابع والأربعين هذا العام، والمُمتد من 27 يناير/كانون الثاني وحتى 10 فبراير/شباط، تحت شعار «الثقافة في المواجهة» وهو عنوان جدير بالتساؤل، فالحديث عن أي ثقافة وماذا تواجه؟ خاصة في مناخ يتتبّع ويترصد الأصوات المخالفة في الرأي، سياسياً أو دينياً!
من ناحية أخرى تحتفي دورة هذا العام بنجيب محفوظ، بمناسبة مرور عشرة أعوام على رحيله، كذلك الاحتفاء بجمال الغيطاني كشخصية هذا العام. ونحاول قدر الإمكان استعراض بعض الندوات والفعاليات التي أقيمت حتى الآن، والتي تبدو في مُجملها لا تخلو من التكرار لندوات الأعوام السابقة، اللهم إلا تغيير العناوين وبعض الشخوص، وثبات نسبة الحضور الضئيلة، والقاصر أغلبها على قِلة من المهتمين أو الصحافيين.
ما بين الثورة والموروث الديني
«الخطاب الثقافي العربي» عنوان الكتاب الذي أقيمت ندوة لمناقشته، في حضور مؤلفه محمود إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامي، ومشاركة خلف الميري، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة عين شمس. والكتاب عبارة عن مقالات مُجمّعَة تربطها فكرة واحدة هي (الانحطاط) الذي يُجسده هذا الخطاب ويعيشه الواقع العربي، حسب تعبير إسماعيل نفسه. يبدأ الرجل بنفي ترسيخ مقولات الغرب حول الحضارة وطبيعتها، اليونان ثم الغرب فقط هما صاحبا الخطاب الحضاري، وهو أمر يُنافي الحقيقة، فالشرق له مساهماته وإنجازاته غير المنكرة. ولكن هذا يستدعي إلإشارة إلى المقارنة بين ثورة 25 يناير وإرهاصاتها، وبين ما حدث بالفعل من تداعيات ونتائج. أصبحت الثورة حديثاً في الفضائيات، ومحاولة لتفريغ الحالة الثورية من معناها. فالثورة والسنوات السابقة عليها كانت لا بد أن تأتي بنظام يحقق العدالة، وهي القضية والمبدأ الأساس لهذه الثورة.
ولكن الموروث الديني والنظام السياسي وصورته الحكومية يغلقان دوماً أي بادرة تغيير، فالأول يتّبع النقل قبل العقل، والثاني يحاول الحفاظ على مصالح فئة بعينها ــ قد تتغير من زمن لآخر ــ فينتفي أي شكل من أشكال التطور. وفي مقابل ذلك، أو بالأصح مواجهته يأتي الخطاب العربي، الذي لا يعدو خطاباً صاخباً أجوف، وإن حمل بعضا من مضامين، فهي إما مُستقاة من الغرب، أو تضرب في زمن تراثي غابر.
ما بين الأزهر ومجلس النواب
وفي إطار اللقاءات الفكرية جاء الحوار مع آمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب. وكان بالطبع أن يتطرق الحوار إلى القضايا المُسماة بـ(ازدراء الأديان) فقالت نصير بأنه لا يوجد تعريف دقيق لهذه التهمة، وبالتالي يصعب تطبيقه. وطالبت بمحاولة الفكاك من هذا المصطلح، ورأت أن ذلك لا يتأتى إلا من خلال أصحاب العلم الفقهي والفتاوى، وأشارت إلى تورط الأزهر والإعلام في خلق مثل هذه الحالة. وستحاول من خلال موقعها كعضو في مجلس النواب أن تحد من هذه الظواهر. ولكن الأمر يتخطى الفتاوى، فهناك نظام قضائي يستمع إلى مثل هذه التهمة، كما أن دور الأزهر يتعاظم في شكل غير مسبوق، وهو أمر يدعو للدهشة في ما تقوله نصير. ومن ناحية أخرى أوضحت أن المناداة التى أطلقها رئيس الدولة في ما عُرف بالإصلاح الديني، لم يتحقق منه أي شيء، وهو أمر مردود عليه، ففكرة الإصلاح نفسها فكرة مراوغة، فكيف يقوم بالإصلاح مَن يحرسون أفكاراً محدودة الأفق، وكيف يكون الإصلاح بقرار أعلى، من دون أن يأتي من المجتمع نفسه، وعبر آليات مفقودة في الواقع، أولها إصلاح التعليم والنظام السياسي وتعامله مع قضية الحريات، وهو ما كانت نتيجته قضايا ازدراء الأديان، وما شابه من قضايا الرأي بوجه عام!
ما بين الجامعة والقوى الرجعية
وتحت عنوان «الجامعة في المواجهة» جاءت الندوة التي ناقشت ما تعانيه الجامعات المصرية من صعوبات تحد من دورها وتأثيرها اللذين نشأت من خلالهما، وهو ما يثير التساؤل حول قيمة التعليم ودوره، وهل يريد النظام السياسي تعليماً بالفعل، أم مجرّد وجود شكلي لمؤسسات تشكّل في مجموعها ما يمكن أن يُطلق عليه (الدولة). بداية تحدث فتحي أبو العينين أستاذ الاجتماع في جامعة عين شمس، موضحاً أن الجامعات المصرية لم تزل تتعرض للانتهاكات، سواء من جانب السلطة السياسية، أو من قوى الرجعية، هذا الصراع هو ما وسِمَت به الجامعة منذ نشأتها، ودلل على ذلك بحوادث عدة، منها.. فصل أساتذة الجامعات المنتمين إلى تيار اليسار عام 1954، واقتحام الأمن للحرم الجامعي في عهد السادات ومبارك، والقبض على الطلبة.
وأضافت عواطف عبد الرحمن أستاذة الصحافة في إعلام القاهرة أن تعيين رؤساء الجامعات أصبح من خلال قرار جمهوري، وأن الشرط الأساس في التعيين هو موافقة (أمن الدولة)، وأشارت كذلك إلى الحركة الطلابية التي تدهورت، وأصبحت مجرد وجود شكلي. وفي الأخير أشار سليمان العطار أستاذ الأدب الاسباني في جامعة القاهرة إلى أن التعليم أصبح سلعة، وهناك كارثة اسمها (الجامعات الخاصة)، فدور الجامعة لا يقتصر على ما يحدث داخل أسوارها، لكنه وهو الأهم مدى تفاعلها مع المجتمع، وإنتاجها ما يطوّره، ويسعى إلى تغييره. والملاحظ أن أيا من المتحدثين لم يُشر إلى دور الأمن في انتخابات اتحادات الطلاب الأخيرة، التي توّجت بالإلغاء بحجة انقضاء المدة القانونية التي تنص عليها اللائحة الطلابية لعقد الانتخابات، هذه اللائحة التي أقرها المجلس الأعلى للجامعات بعد شهرين من بدء الدراسة،، بينما تنص على وجوب إجراء الانتخابات الطلابية خلال ستة أسابيع منذ بداية العام الدراسي كحد أقصى! ما يجعل عقد الانتخابات مستحيلاً من الناحية القانونية.
ما بين المال والسلطة والإعلام
ونختتم بندوة معنونة بـ»المسكوت عنه في الإعلام». فبينما أكد البعض أن الصحافة لم تعد لديها الخطوط الحمراء المعهودة، أكد البعض الآخر أن الإعلام أصبح ساحة للصراع بين رجال المال والسلطة السياسية. بدأ الكاتب الصحافي عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة «الشروق» حديثه بأن الإعلام المصري يمر بمرحلة في غاية السوء، نظراً للظروف الاقتصادية التي تمر بها المؤسسات الإعلامية، لكنه في الوقت نفسه أكد أنه لا توجد خطوط حمراء في الإعلام المصري، وأن «زمن الخطوط الحمراء انتهى»! إلا أن محمد عبده المذيع في قناة «أون تي في» أكد بدوره على تراجع هامش الحريات في الفضائيات المصرية، خاصة في العامين الماضيين. وأشار الكاتب الصحافي أشرف عبد الشافي إلى العلاقة بين أصحاب وسائل الإعلام ورجال السلطة، التي تخضع إلى المواءمات بينهما، وأن «إعلام مبارك هو مَن يتحكم في السوق الإعلامية الآن». وأخيراً أضافت الإعلامية منى سلمان بأن معظم الإعلام المصري بلا سياسات، ويعتمد على مصادره وصلاته الخاصة، والخطوط الحمراء المرسومة له.
محمد عبد الرحيم