معرض «سيمفونية ضوء» للمصري عصام طه… التجسيد والتجريد من خلال تقنية اللون
[wpcc-script type=”08b5a9da14e13252d6eda64a-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: يُقام حالياً في قاعة «الباب» في دار الأوبرا المصرية، معرض الفنان عصام طه، الذي جاء بعنوان «سيمفونية ضوء». تنوعت اللوحات ما بين التصوير بالألوان الزيتية والمائية، وإن كانت أغلبيتها تم تنفيذها من خلال تقنية الألوان المائية ــ حوالي 40 لوحة ــ والفنان عصام طه من مواليد عام 1961، وحصل على بكالوريوس التربية الفنية عام 1986، وأقام العديد من المعارض الجماعية والخاصة، آخرها ــ قبل معرضه الحالي ــ في أتيليه القاهرة عام 2012.
البورتريه
لم يزل فن البورتريه يستهوي العديد من الفنانين، وإن بدا كلاسيكياً، إلا أن لوحات عصام طه تحاول الالتزام بالروح الكلاسيكي لهذا الفن، إضافة إلى محاولات ابتكارية في الحركة واللعب بالضوء، العديد من الوجوه ــ النساء خاصة ــ في حالات وأجواء مختلفة، لتشكل حياة هؤلاء وتحكي عنها ــ لنا أن نتخيل حكايات حيواتهم ــ في لقطة واحدة رصينة التفاصيل. احتفى الفنان بالموسيقى والموسيقيين، سواء الشعبي، كما في عازف المزمار، وكذلك عازف الكمان، وهنا لم يفصل الفنان ما بين الشخص وآلته، وكأنها أصبحت الجزء المُكمل لجسد الشخصية المرسومة، يبدو هذا في إيقاع اللوحة، سواء الحركة وبالتالي اتجاه نظر المُتلقي، ليشكل اتجاه نظر الشخصية وكذلك تفاعله مع الآلة ما يُشبه الدائرة التي تجعلهما معاً في حركة مستمرة لا تنتهي.
النساء المختلفات
معظم اللوحات جاءت لنساء مختلفات من حيث البيئة والفئة الاجتماعية، شعبيات، أو جنوبيات يملن إلى الملامح الأفريقية، كذلك الأرستقراطيات، وكأنهن يأتين من عالم بعيد ــ الأكثر كلاسيكية ــ ورغم هذا التنوع إلا أن لحظة واحدة كما نظن هي ما يجمعهن، لحظة حُرّة وكأنهن بمفردهن، يتأملن أو يحتفين بوجودهن. وهنا يبدو التآلف الكبير مع حياتهن، احتفاء بالجسد، احتفاء بالذكيات أو التأسي على بعضها. كل هذه الانفعالات تبدو من خلال وجوههن ونظرة أعينهن القوية ــ القوة والإغواء ــ هذه النظرة المباشرة، التي تواجه المُتلقي، أو بالإيماء وتسريب الإحساس بالقوة، حتى لو في حالة امرأة مُسترخية في جلستها، أو استعراض جسدها في زهو، وصولاً إلى الإعراض عن المتلقي بالنظر وتأمل فنجانها في قدرة على استكشاف الغيب.
من ناحية أخرى يبدو الاهتمام الكبير بالتفاصيل ــ تفاصيل محسوبة ــ التي تعتبر من ملامح الشخصيات، كأكسسوارات البيئة وما يناسب روح كل شخصية كالقرط، الخاتم، القلادة وخرزتها الزرقاء، ومنديل الرأس/الإيشارب، والملابس التي تحرر أجسادهن لما يليق بحالة الوحدة والتأمل أو النية في المواجهات التي سيخضنها، وكأنهن ينظرن إلى مرآة.
البيئة والمنظر الطبيعي
تعامل الفنان مع المنظر الطبيعي كأنه وحدة متآلفة من رمال وأشجار وأحجار، مأذنة في عمق شارع، وبيوت متراصة على جانبيه، ومخلوقات هائمة في الطريق، لطشات لونية سريعة، تؤكد في استمرار على وحدة هذه العوالم، وبالكاد تتحدد تفاصيلها، حالة التناغم هذه تبدو من خلال الألوان المائية أكثر، فما بين سماء زرقاء وبحر أزرق تضيق المسافة ويصبح المخلوق والحجر في ألفة كبيرة.
تقنيات اللون
تنوعت الأعمال ما بين الألوان الزيتية والمائية، وإن جاءت الألوان الزيتية في لوحات كبيرة ــ في المتوسط 60 x 50 سم ــ مقارنة بالعدد الأكبر من اللوحات المائية الصغيرة ــ أغلبها 19 x 29 سم ــ كما تم رسم اللوحة نفسها من خلال التقنيتين الزيتية والمائية، وهنا تبدو المقارنات الدائمة وتحديد مدى التفاعل مع لقطة مدروسة واضحة التفاصيل، وأخرى انفعالية وحسيّة تماماً. وتبدو إمكانات الفنان من خلال تقنية الألوان المائية، التي تنقل مباشرة الشحنة الانفعالية، من خلال القدرة على السيطرة وتجاوز صعوبات ألوان الماء، في إيصال الفكرة وانعكاس روح الشخصية أكثر من مجرد تجسيد ملامحها، كما في الألوان الزيتية. ويسيطر اللون الأبيض على معظم اللوحات، وهو من الصعوبة عند معالجته في لوحة يحتل معظمها، ومنه يتخلق الضوء الذي تعبّر الشخصية عن نفسها من خلاله، الأبيض هنا يتفاعل مع أجساد سمراء، ويتوازن مع ألوان الأكسسوارات كأزرق القلادة وأحمر منديل الرأس.
الاختزال والتجريد
ومن خلال تقنية الألوان المائية تبدو حِرفية التعامل مع تجريد المشهد، دفقات لونية توحي أكثر مما تُجسّد، هنا تبدو الطبيعة والجو العام للبيئة أكثر تآلفاً ووحدة مع الشخصية التي تتفاعل مع هذه البيئة، كتلة لونية في وحدة شبه مُتكاملة، والإصغاء التام للعب ما بين النور والظل، والكشف عن تنوع مصادر الضوء بالظلال التي تتناغم وتتباين في الوقت نفسه.
محمد عبد الرحيم