مناهل العساف: الكتابة قدَرٌ ثقيل والأدب الأردني أقرب للبداوة

ترى الشاعرة الأردنية مناهل العساف أنّ المرأة، على الرغم من تعرّضها للاضطهاد في المجتمعات العربية في عصرنا الحالي، إلا أن الاتجاهات التي تدافع عن حقوق المرأة عمدت إلى الانتقاص من قيمتها أكثر فأكثر!

Share your love

مناهل العساف: الكتابة قدَرٌ ثقيل والأدب الأردني أقرب للبداوة

[wpcc-script type=”e59a2e37565c67499110ed58-text/javascript”]

ترى الشاعرة الأردنية مناهل العساف أنّ المرأة، على الرغم من تعرّضها للاضطهاد في المجتمعات العربية في عصرنا الحالي، إلا أن الاتجاهات التي تدافع عن حقوق المرأة عمدت إلى الانتقاص من قيمتها أكثر فأكثر!
ومناهل العساف شاعرة أردنية حاصلة على درجة الماجستير في القانون بتخصص الملكية الفكرية من الجامعة الأردنية، وفازت في مسابقة جامعة الزيتونة عام 2003. كما شاركت في عدة مهرجانات محلية وعربية أهمها جرش 2012، الجنادرية 2013، وسوق عكاظ لعام 2015. هنا نص الحوار معها..

■ متى بدأت علاقتك مع الكتابة؟
□ الرغبة في الكتابة هي جزء من حواسّ الشاعر، لا يمكن أن يتخيّل نفسه من دونه، ويؤلمه كثيراً أن تتمنّع عنه الحروف، ومنذ النظرة الأولى المغايرة لنظرة الناس تستفيق الرغبة بالكتابة، فيصير الليل والشجر صحباً والدرب خازناً للذكريات والسماء سقفاً نوافذ معراجه أبديّة الحرف، ما يبعث فينا الرغبة على الكتابة هو استثنائية الفكر والشعور، وعمق الإحساس بأهميّة هذه البصيرة، فنودّ أن نمسك بها قبل أن تتفلّت منّا فتنساب حروفنا لتحمل أسرار الوجود، وأنا أؤمن أن في الحروف سرّاً إلهيّاً يجعلها تحمل نبض أرواحنا إلى الأبد، نكتب لنحيا ونكتب لتحيا البصيرة ونكتب لنكتشف ذواتنا ونكتب لنرى الكون بمنظار الروح. أمّا عن إيصال الفكر للآخر، فهي مرحلة تنجم عن تقدير الفكرة واستشعارها كرسالة للشعر، وهذه المرحلة بالنسبة لي لم تبدأ مع بداية الشعر، كان الشعر صديق الوحدة والعتمة، ينساب بعد تفكير وتحليل في حالة هيام، ثم ما إن أصبح سيفاً وترساً وشعلةً تنير طريقي وطريق السائرين نحو الحب والخير والحق.
■ هل تؤيدين ضرورة تعدد المناهل القرائية لدى الشاعر؟
□ ما الشاعر إلا فكرة، وكي تتطور الفكرة وتتقدم ويكون لها أساس متين لا بد من توسيع المدارك والاطلاع على أفكار متنوعة، وأرى أن من شأن القراءات أن تصقل التجربة الشعرية للشاعر، إلا إن هناك تجارب شعرية فطرية لا تستند إلى كثرة القراءات والمطالعات، وإنما إلى حسّ عميق ومتانة وانسياب في اللغة وجمال نسق شعريّ، وعلى كل حال أمّا الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
■ يلاحظ اشتغالك شبه دائم على التأمل، وحالة صوفية تحضر فيها مفردات العشق الإلهي والروحانيات بكثرة، ما يحدونا للتساؤل عن سر هذه الاشتغالات..
□ الحقّ إنّ هذه الملاحظة لا ترتبط فحسب بالتجربة الشعرية، وإنّما هي تعبّر عن تجارب حياتيّة، علِمَت يقيناً «ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل» وأن تجارب الحبّ التي أراقت دمعي أسىً لم تكن لتعني شيئاً أمام حبّ عظيم لا يأذن للقلب أن يحزن ولا لعينٍ أن تدمع إلا لرحمةٍ أفاضها ورعاية تولّاها. ربّما كان لابدّ من البدايات على قسوتها، وعلى الرغم من تعثّرنا في الدرب… فلا حكمة بغير ألم ولا اكتمال للبصيرة بغير تجارب ومفاضلات.. نحن نبحث عن الكمال وترنو أرواحنا إليه، ونبحث عن الجمال وتتوق أبصارنا إليه ونبحث عن الحق لنعتنقه فنكون، وهكذا كانت الحكاية، حكاية التأمّل الطويل، وما حالة الكتابة إلا لحظات تأمّلية تركت معالمها في النفس والفكر فشكّلت الوعي والبصيرة.
■ يقولُ نيتشه: «هناك أوثان في هذا العالم أكثر من الحقائق، وإن الرب شماعة تعلقون عليها خطاياكم»، ما قولك عن أثر الخلفيات الاجتماعية، فكرية كانت أم دينية في ترسيخ مفهوم انتقاص عقلية وكينونة المرأة، وبخسها حقوقها في المجتمعات العربية المسلمة؟
□ صحيح العالم يدور في فلك المادّة وأنّ كثيرا من الناس يعبدون مصالحهم وذواتهم، ويبررون لأنفسهم بحجّة الدين، وأرى أنّ المرأة على الرغم من تعرّضها للاضطهاد في المجتمعات العربية في عصرنا الحاليّ، إلا إن الاتجاهات التي تدافع عن حقوق المرأة عمدت إلى الانتقاص من قيمتها أكثر فأكثر- هذا في العموم لا في المطلق ـ فنجد أن قادة التحرر يركّزون على الهوامش والشكليات ويغفلون الجوانب الأهمّ التي تعني المرأة، الجوانب المعنوية التي تتعلق بتقدير دورها في شتى المجالات واحترام كيانها، وهذا ما لا تعكسه رسالة دعاة التحرّر والمساواة. على الرغم من أن تاريخ الأمة العربية وتاريخ الأمة الإسلامية يعكس مكانة مرموقة للمرأة يبدو أننا فقدناها عبر السنين، كما فقدنا كثيراً من القيم.
■ في ظل التغيرات العاصفة في العالم من حولنا، هل على الشاعر توظيف قصيدته لقضية معينة في مرحلة ما، أم إن عليه أن يكتفي بتمثيل نفسه؟
□ الصدق في القصيدة هو ما يميّزها، وأزعم أنني أستطيع التفريق جيّداً بين القصيدة المنظومة نظماً والقصيدة التي تحمل شعوراً حقيقيّاً، لذا سواء وظّف الشاعر قصيدته في قضيّة ما أم مثّل نفسه، المهمّ أن تكون القصيدة حقيقيّة، أي صادقة ونقيّة ونابعة من تملّك إحساس حقيقيّ، حتّى إنني أحياناً أعجب بقصائد لشعراء أختلف معهم تماماً في مسألة تبنّي القضايا، لكن للجمال سطوته وللصدق سبيله الذي يتسلل به إلى جوارحنا من غير استئذان. أمّا في ظلّ ما نمرّ به من ظروف، وفي ظلّ التغيّرات العاصفة من حولنا، فأعاننا الله على الفهم فكيف بالكتابة! الكتابة قدَرٌ ثقيل وإن كان جميلا، وإذا حاسبنا أنفسنا لترددنا كثيرا في الوقوع في أفخاخ ما يتجاذبنا من تخالفات وتحالفات، في وقت اختلطت فيه الأوراق كثيرا وتصاعدت الفتن.
■ كيف تفسرين الانتقال نحو السرد في تجارب كثير من الشعراء العرب، هل في الرواية متسع للقول لا تمنحه القصيدة؟
□ أظنّ أنّ من يملك الشعر يملك الكتابة في مختلف فنون الأدب، وبعض الروايات فيها نفَسٌ شعريّ جميل لا يمكن إغفاله، وقد يمنح السرد مساحات أكبر للكاتب من القصيدة، وفرصاً لعرض آراء مختلفة وأفكار متضادّة في العمل الفنيّ مع مجال للإسهاب في عرض الظروف المحيطة والمشاهد، أمّا في الشعر فما قلّ ودلّ.
■ حركة الشعر العربي في الأردن، هل هي امتداد للحركات الشعرية العربية، بما فيها العراق وسوريا، أم أن لها خصوصيتها المغايرة؟
□ لدينا تجارب شعرية أردنية أصيلة نتجت من صلب الثقافة والمجتمع الأردني، لكنها لا تشبه الأدب في العراق والشام، ولدينا في حقبة ما أدب المقاومة، وشعراء أردنيون، وفلسطينيون كتبوا في مقاومة الاحتلال والانتماء إلى العروبة والوطنية قبل أن يكتبوا للأردن. ولدينا تجارب شعرية مثل حيدر محمود، وحبيب الزيودي، هؤلاء أردنيون كتبوا في حب الوطن. ولم تقتصر كتابتهم على هذه المواضيع، لكن الأدب في سوريا أرق، وفي العراق أصلب، صوت الأدب العراقي حزين عموما، وصوت الأدب السوري واللبناني مفعم بالجمال، الأدب الأردني أقرب للبداوة والأصالة، لكن في هذه الأيام ومع انتشار وتوسع النهضة الأدبية ووسائل التواصل والحركة الثقافية المتسارعة، أصبح من الصعب حصر صفات الأدب في بلد معين لأن التجارب تتجدد وتتلاقح وفي هذا ما يجعل الصبغة الخاصة عامة ومتداولة.

مناهل العساف: الكتابة قدَرٌ ثقيل والأدب الأردني أقرب للبداوة

حوار: منى حسن:

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!