من أرشيف المؤرخ السينمائي المصري عبد الحميد سعيد لمحة من المناخ الرقابي في مصر (1954 ــ 1967)

القاهرة ــ «القدس العربي» من ـ محمد عبد الرحيم: لم تكن الرقابة أبداً بعيدة عن النظام السياسي، بل دارت في فلكه، حتى أصبحت ترجمة مباشرة لأفكار هذا النظام، وما يريد فرضه على مخيلة محكوميه. ويظهر هذا الدور الرقابي بوضوح في ظِل الأنظمة الشمولية، التي لا تؤمن بفكرة الديمقراطية وحرية تبادل المعرفة. كما يتراوح الدو الرقابي بين المنع والايجازة وفق المناخ السياسي وطبيعة علاقاته داخلياً وخارجياً. ولعل الفيلم السينمائي كان الأكثر احتكاكاً بمقص الرقيب أو منعه من العرض، نظراً لمدى تأثير السينما في الجمهور، خاصة الجمهور المصري والعربي على حد السواء، لأسباب اجتماعية واقتصـــادية، وقبلها الدور الترفيهي للســينما، الـــذي يجعل من جميع الفئات والأعمار التـفـــاعل معها، قبولاً أو رفضاً، فهي الفن الـجــمــاهيري الأول منذ اكتشافها.

من أرشيف المؤرخ السينمائي المصري عبد الحميد سعيد لمحة من المناخ الرقابي في مصر (1954 ــ 1967)

[wpcc-script type=”019a5d096d08fe63b2e42bd6-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي» من ـ محمد عبد الرحيم: لم تكن الرقابة أبداً بعيدة عن النظام السياسي، بل دارت في فلكه، حتى أصبحت ترجمة مباشرة لأفكار هذا النظام، وما يريد فرضه على مخيلة محكوميه. ويظهر هذا الدور الرقابي بوضوح في ظِل الأنظمة الشمولية، التي لا تؤمن بفكرة الديمقراطية وحرية تبادل المعرفة. كما يتراوح الدو الرقابي بين المنع والايجازة وفق المناخ السياسي وطبيعة علاقاته داخلياً وخارجياً. ولعل الفيلم السينمائي كان الأكثر احتكاكاً بمقص الرقيب أو منعه من العرض، نظراً لمدى تأثير السينما في الجمهور، خاصة الجمهور المصري والعربي على حد السواء، لأسباب اجتماعية واقتصـــادية، وقبلها الدور الترفيهي للســينما، الـــذي يجعل من جميع الفئات والأعمار التـفـــاعل معها، قبولاً أو رفضاً، فهي الفن الـجــمــاهيري الأول منذ اكتشافها.
الدور الرقابي هنا سنستكشفه من خلال أرشيف المؤرخ السينمائي «عبد الحميد سعيد» الموجود بالكامل الآن في مقر مؤسسة الفيلم البديل (سيماتِك) وهو ما تبقى من حلم الرجل الذي رحل عام 2007، في إنشاء أرشيف سينمائي كامل للسينما المصرية. وبالبحث وجدنا وثيقة بعنوان «كشف بالأفلام الأجنبية الممنوعة من العرض في الدول العربية»، ويمتد تارخها بداية من عام 1954، وحتى عام 1967». فكان من الأهمية التعرّض لها واكتشاف المناخ الرقابي السائد في ذلك الوقت.

الوثيقة

بما أننا في مجال الحديث عن (وثيقة) فلابد من تفصيل بياناتها وطبيعتها قدر الإمكان … تبدأ الوثيقة من تاريخ 15حزيران/ يونيو1954 وتنتهي في تاريخ 10 حزيران/ يوينو1967. وهي عبارة عن مجموعة من الأوراق المُرقمة، تبدأ برقم (1) وتنتهي برقم (37). كما تحوي كل ورقة جدولاً يتكون من (4) خانات، هي على الترتيب: اسم الفيلم، الشركة المُنتجة، تاريخ المنع، سبب المنع.

الدعاية لإسرائيل

بداية نجد تنوع الأفلام التي كانت تعرض على شاشات السينما في مصر، ما بين الأفلام الأمريكية والإيطالية والفرنسية، وهو ما يعكس طبيعة الجمهور في ذلك الوقت، والذي يختلف عن الجمهور الآن، الذي لا يعرف سوى السينما الأمريكية، أما سينمات البلدان الأخرى فلا تعرض إلا من خلال المراكز الثقافية، وروادها من الجمهور المُنتخب.
تعود أكثر أسباب المنع إلى الدعاية لإسرائيل، وصولاً للتصوير داخل أراضيها، وحتى اشتراك ممثل أو ممثلة يحملون جنسيتها، أو حتى يبدون تعاطفاً مع اليهود. ويمتد الأمر ليشمل كُتاب السيناريو المعروفة ميولهم، وأشهرهم Ben hecht. أما الأسباب الأخرى فتكون إما بسبب الطعن في العرب وتشويه التاريخ العربي، أو الإساءة إلى الإسلام، وهو فيلم north west frontier الوحيد الذي مُنع لهذا السبب الأخير، والذي تم إنتاجه عام 1959، وتم منعه بتاريخ 18 حزيران/ يونيو1960.
الشركات الكبرى ونجوم السينما العالمية
لم يستثن كشف الأفلام الممنوعة شركات الإنتاج العالمية، فبخلاف بعض الشركات الصغيرة، وجدنا أعمالاً لأشهر الشركات الأمريكية، مثل … Paramount،
Columbia، Universal.
كما تم منع عرض أفلاماً عديدة، فقط لوجود ممثل أو ممثلة بالفيلم، حتى لو لم يكن موضوع يتماس مع السياسة الخارجية للدولة، منهم تحديداً فرانك سيناترا، صوفيا لورين، بول نيومان، إلزابيث تيلور. وهؤلاء كانوا لا يحملون الجنسية الإسرائيلية، ولكن موقفهم المتعاطف مع اليهود كان هو السبب الأوحد، وبالطبع وردت عدة أسماء لممثلين وممثلات تم منع أفلامهم لحملهم الجنسية الإسرائيلية، رغم كون هذه الأفلام كانت مُنتجة خارج الأرض المُحتلة، ولم يكن موضوعها يتعرّض للاستيطان أو المشكلة الفلسطينية.
ما قبل يوليو ما بعدها

المُلاحَظ من خلال (كشف الرقابة) أن هناك أفلاماً كان مسموحاً بعرضها قبل تموز/ يوليو 1952، وبعدها ثم تم منعها، مثل فيلم «الديكتاتور العظيم» لشارلي شابلن. إنتاج عام 1940. الذي مُنع بتاريخ 10 كانون الثاني/ يناير 1960 بحجة الدعاية لإسرائيل، إضافة إلى فيلم «الوصايا العشر» لسيسيل دي ميل، الذي تم منعه في العام نفسه، والذي تم إنتاجه عام 1956 ــ الحديث عن النسخة الثانية الملونة من الفيلم بالطبع، وهو إعادة إنتاج من سيسيل دي ميل للفيلم نفسه الذي قدمه في العام 1923 ــ وقد لحق بهما فيلم «لورانس العرب»، الذي تم منعه في 17آذار/ مارس 1964، بسبب تشويه التاريخ العربي. ولنا أن نتفهم مثلاً منع الأفلام بحجة الدعاية لإسرائيل- رغم عدم توضيح معايير هذا المنع- أما منع الأفلام المعروفة وسبق عرضها من قبل في قاعات السينما عرضاً تجارياً كحالة فيلمي شابلن ودي ميل، فهو أمر مُبرر فقط من وجهة النظر السياسية، خاصة وأن الفيلم الأول كان يتحدث عن هتلر وما فعله بالعالم، وبالأخص اليهود- بغض النظر عن أساطير المحرقة وما شابه، والتي لم يتعرّض لها الفيلم بالأساس. أما الوصايا العشر، فهو حكايات مقتبسة من العهد القديم، وكان من الممكن أن يكون السبب المقنع أن المخرج يهودي ومُتعاطف مع إسرائيل، أما أن تكون الحكايات من الكتاب المقدس، والذي بالضرورة متعاطف مع اليهود من وجهة نظرهمــ كما القرآن مُتعاطف مع المسلمين من وجهة نظرهم أيضاًــ فهو أمر مُربك لرفض رقابي سببه هاجس مَرَضي يُدعى (الدعاية لإسرائيل). والأمر الأوقع لذكر سبب للرفض هو تشويه التاريخ الفرعوني، وادعاءات إسرائيل المزمنة بأنهم بُناة الأهرام. أمر آخر يُنكره الأزهر وشيوخه وهو المأساة المتكررة من تجسيد الأنبياء على الشاشة، كيف ارتضى الأزهر وقتها الصمت على تجسيد (النبي موسى) أم أنه مارس دوره المعهود في الصمت السياسي المفروض- الدور نفسه قام به الأزهر عند عرض فيلم (آلام المسيح) لميل جيبسون بدور العرض المصرية عام 2004ــ ينضم إلى ذلك أفلام أساطير العهد القديم، مثل فيلم «شمشون ودليلة»، والذي تم منعه في العام نفسه الذي منع فيه الفيلمين السابقين، وكانت الحجة أيضاً نفسها … الدعاية لإسرائيل!

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *